ابن سعيد المغربى ورحلاته

منة الله صبحى محمد
باحثة دكتوراه | كلية الآداب – جامعة الإسكندرية
اسمه ونسبه:-
هو على بن موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسين بن عثمان بن محمدبن عبد الله بن سعد بن عمار بن بسار العنسى كنيته أبا الحسن ،ولقبه نور الدين ويعرف بابن سعيد ينتمى لأسره بنى سعيد أعظم بيوتات الأندلس التى حكمت قلعه يحصب، أو قلعه بنى سعيد من أعمال غرناطه في القرنين السادس والسابع ،ويمتد نسبهم إلى الصحابى عمار بن ياسر
نشأته وعائلته:-
ولد ابن سعيد سنة(610هـ/1214م) فى غرناطة، وكان جده لوالده شجاعاً مقداماً أظهر ولاءه للمرابطين، مما أثار حقد أهل الأندلس عليهم فأضطر أن يلجأ إلى هذه القلعة ثم بعد ذلك إنضم للموحدين ،أماوالده أبوعمران موسى بن محمد بن عبد الملك بن سعيد فقد كان عالماً شغوفًا بالإطلاع على الكتب ، وكان شاعراً وأديباً محبباً عن الآخرين، وكان من فضلاء الأندلس ويعتبر هو المربى الأول لابن سعيد ، وقد اخذ منه ابن سعيد الأخلاق والعلم والشعر فكان والده يدربه على قول الشعر بنفسه، انتقل ابن سعيد مع والده وهو فى سن العاشره إلى اشبيليه ، وكان والده على إتصال بالخليفه الموحدى عبد الواحد الذى بويع بالخلافة لتوه، ولايذكر ابن سعيد اى ذكريات له فى غرناطه بينما كان يذكر ذكريات صباه فى اشبيليه، مما يؤكد أنه ترك غرناطه قبل أن يعى الحوادث وعياً كاملاً.
قضى ابن سعيد صباه فى إشبيليه وتلقى العلم على أيدى عدد من علماء الأدب والنحو ومن أبرزهم :-
الأعلم البطليوسى، أبو على الشلوبين النحوى(إمام نحاة المغرب) ، أبو الحسن الدباج ، أبو الحسن على بن عصفور النحوى
قام ابن سعيد برحلات كثيرة فى عدد من دول المغرب الإسلامى وشرقه ،ومن الطبيعى أن يلتقى فى هذه الرحلات بأدباء وعلماء وشعراء وأن ينزل فى بلاط الأمراء كونه مغربياًجاء للمشرق، فجالس بعضهم وتقرب من السلاطين وتبدأرحلة ابن سعيد منذ خروجه من غرناطة ودخوله إلى إشبيليه ، وقد إلتقى ابن سعيد بالعديد من الشخصيات العلميه زادت فى علمه وخبرته وكانت هذه اللقاءات مابين سنتى 630-632هـ ، ومن أبرز هذه الشخصيات أبو محمد عبد الحق الزهرى القرطبى من حفاظ الأندلس وأدبائها ومؤرخيها ، التقى به ابن سعيد فى اشبيليه وكانت بينهما مجالسات كثيرة وسجالات شعريه ،وكان والد ابن سعيد يكرمه لحفظه وقد إلتقى ايضاً بالشاعر أبو بكر الصابونى فى إشبيليه وجالسه وسمع منه شعراً وأنشد عنه وذكر ان ختمت الأندلس شعراءها به، كما التقى بإبراهيم بن سهل الإسرائيلى وهو شاعر أندلسى لازمه ابن سعيد فى مرحلة الشباب وخرجا إلى متنزهات إشبيليه، وكان حديثهما شعراً أكثر مما كان نثراً، وقد ذكره ابن سعيد كثيراً فى مصنفاته فكان أكثر صحبة ومجالسه معه ،وقد درسا معا فترة من الزمن على أبو الحسن الدباج، وقد قضى فى إشبيليه مع ابن سهل فترة من أجمل أيام عمرة وسرعان ماتدهورت الأوضاع فى إشبيليه فقررا مغادرة إشبيليه نهائياً، وانتقل ابن سعيد مع والده إلى الجنوب الشرقى فى المنطقة الواقعه بين مرسية ومالقة ، وفى قرمونه التقى ابن سعيد ابن البلارج القرمونى ،ثم ذهب إلى مالقة وأقام فيها مده من الزمن وألتقى بقاضيها ابن عسكر المالقى، وكان قد عقد النية إلى الرحيل للمشرق والزيارة النبوية خاصه بعد أن ألقى ابن عسكر أبياتاً من الشعر يلقيها بالروضة النبوية الشريفه، وآخر اخبار ابن سعيد فى الأندلس كانت عام 636هـ /1238م، عندما كان ماراً بمرسيه مع والده حيث أجتمع بواليها أبى بكر الآزدى، كما اجتمع بعدد من العلماء والشعراء وفى نفس العام أرتحل برفقه والده إلى تونس.

الرحلة الأولى:-
كانت تونس فى ظل الإمارة الحفصية التى استطاعت أن تكون الإمارة القوية المستقرة المشجعة للعلم والعلماء، ويبدو أن اغلب علماء الأندلس اتجهوا إلى تونس بعد اضطراب الأوضاع فى الأندلس، فإتجه إليها ابن سعيد ووالده خاصة أن أحد بنى سعيد وهو أبو عبد الله بن الحسين كان قائدا بارزاً فى الدولة الحفصية .
دخل ابن سعيد ووالده فى خدمة أمير تونس أبى زكريا الحفصى 625-647/1228-1249م ، وقد امتدحه ابن سعيد فى قصائده وذكر صفاته ومحاسنه وفى خلال هذه الفتره تولى ابن سعيد قراءه ديوان المظالم لأبى زكريا الحفصى بفضل وساطه ابن عمه ، وسرعان ماانقلب عليه ابن عمه قائد الأمير وأخذ يسعى ضده حتى نجح فى تأخيره عن قراءه المظالم ،وذلك بسبب تقرب ابن سعيد من الوزير ابن جامع وهوأحد منافسى ابن عم ابن سعيد، ولم تتوقف سعاية ابن عمه وخشى ابن سعيد أن ينجح ابن عمه فى مساعيه ولا يتمكن الوزير ابن جامع من حمايته ورأى من الأفضل له ترك تونس تجنباً لأى خلاف، فطلب من الوزير ابن جامع أن يتركه يرحل للمشرق ولكنه رفض، وبعد ذلك بقليل توفى الوزير ابن جامع، فعزم ابن سعيد الإرتحال من تونس، وفى أثناء إقامة ابن سعيد فى تونس التقى بالعديد من العلماء منهم الكاتب الأديب أبى العباس الغسانى فقد كان كاتباً للأمير أبى زكريا الحفصى ،
وكان شاعراً بليغاً وصاحب خط رائع وكانت لهما جلسات شعرية عديدة وظلت هذه المراسلات مستمرة بينهم اثناء أرتحال ابن سعيد إلى المشرق.

الرحلة الثانية:-
توجه ابن سعيد مع والده إلى مصر، وكان سلطان مصر فى ذلك الوقت الملك الصالح نجم الدين أيوب 637-647هــ/1240-1249م، فوصلا إلى الإسكندريه فى عام 639هـ ، وهناك ترك ابن سعيد والده الذى أنهكه االسفر ورحل إلى القاهرة دار السلطنه ومركز الثقافه، ولكنه اضطر للعودة إلى الإسكندرية بعدما إشتد التعب على والده وتوفى والده عام 640هـ ،فعاد ابن سعيد إلى القاهرة وظل بها ثلاثة سنوات حتى عام 643هـ /1242م استطاع فى خلال هذه الفترة أن يكون صداقات عديدة مع شعرائها وأدبائها وعلمائها، وأثناء إقامته فى القاهرة تمكن من إعداد مادة الجزء الخاص بمصر من كتابه المغرب .
وممن لقيهم ابن سعيد فى القاهرة كمال الدين بن العديم ،الذى قدم إلى مصر وأستطاع ابن سعيد أن يكون معه صداقة قوية، فقد ذكر له ابن العديم أخبار الملك الناصر يوسف ملك حلب 634- 659هــ/1263-1261م ومدى تشجيعه للعلم والعلماء ، وشجعه على أن يرتحل معه إلى حلب وبالفعل رحل ابن سعيد بصحبه ابن العديم ،فوصلا حلب وتعرف ابن سعيد بالملك الناصر وأصبح من مجالسيه الذين يستمع إليهم ويحادثهم فى جلساته العلمية والشعرية، وأغدق عليه بالكثير من العطايا.
ثم رحل من حلب وتوجه إلى دمشق، والتقى بملكها توران شاه (647-648/1249-1250) وحضر مجلس خلوته، كماالتقى بالعديد من أهل الادب والعلم والشعر وظل بها لمدة سنه مابين (647-648ه )، ثم رحل من دمشق وكانت زيارته لدمشق حلماً من أحلامه منذ أن كان يلتقى بالرحالين الأندلسيين العائدين من المشرق ، فيصفون له جمال المدينه وروعتها ،وزار مدينه صور وأشار إلى حصانتها ومناعتها، وأيضاً بيروت وذكر أنها ميناء دمشق وأرتحل من دمشق إلى بغداد ومنها إلى البصرة ،ثم قام بالحج وزيارة الروضه الشريفة، وقد اشتاق ابن سعيد للعودة إلى المغرب بعد غياب فترة طويلةعنها ، فقبل عودته لتونس مر بحلب لتوديع الملك الناصر يوسف وقد عز على الملك ترك ابن سعيد يرحل فيخسر بلاطه عالماً جاء من الأندلس فلم يفتح له فى السفر باباً فناشده إلى أن حضر عنده فأنشده
بالله ياأكرم من قد رأت
عيناى بالمغرب والمشرق
///
انظر لقولى منصفا مفكرا
حينا وعوق بعد أو أطلق
///
قضيت خير العمر فى أرضكم
فمتعوا أهلى بما قد بقى
وقد رق قلب الملك الناصر لهذه الأبيات، وتركه يرحل واعطاه مايكفيه من الإحسان فأخذ فى السفر وجرى مع القدر. وصل ابن سعيد إلى تونس وكانت الإمارة الحفصية فى ذلك الوقت تتسم بالإزدهار بعد تولى الأمير أبى عبد الله المستنصر(647-675ه/1249-1277م)، وقد أتسعت نفوذه وكان مشجعاً للعلم والعلماء، فأقام ابن سعيد فى كنفه ونال عنده درجة رفيعة، وفى عام 666هـ ارتحل ابن سعيد من تونس إلى المشرق، وكان قد قضى أربعه عشر عاماً فى تونس فوصل إلى الإسكندرية وأول مافعلة هو السؤال عن الملك الناصر فأخبروه أنه قتل على أيدى التتار، وقتل أيضاً صديقه ابن العديم وبعد أن فقد ابن سعيد الكثير من اصدقائه فكان هذا فاجعه بالنسبه له ، ولكن كان لابد أن تكتمل المصنفات وتسجل المشاهدات وتأخذ الرحلات مداها ، فأكمل ابن سعيد رحلاته واتجه ناحيه خراسان وسار مابين عبادان وقزوين ، واخترق بلاد العجم من جنوبها حتى أطرافها الشمالية ، ثم عاد إلى تونس عام 675هـ ويذكر أنه فى هذه الفترة انتهى من كتابه القدح المعلى الذى أهداه إلى الأمير أبى زكريا الحفصى الثانى قبل توليته الحكم 675هــ/1277م ، وفى هذا الكتاب يذكر تاريخ الوفيات حتى عام 681هــ وتوفى ابن سعيد فى تونس عام 685هـ/1286م.

الخاتمة:-
1- كانت حياة ابن سعيد حافلة بالحركة والأحداث.
2- عرف عن ابن سعيد انه رائد علمى الجغرافيا والتصنيف التاريخى.
3- يعد ابن سعيد من كبار الرحالة الأندلسيين الذين جمعوا بين ثقافتى المشرق والمغرب.
4- احتل ابن سعيد مكانه هامة عند أهل العلم والشعر فى المغرب والمشرق.

قائمة المصادر والمراجع
أولاً المصادر:-
1- ابن الخطيب:لسان الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله ت(776هـ /1374م): الإحاطة في أخبار غرناطة،تحقيق د.محمد عبد الله عنان،ط2،مكتبه الخانجى، القاهره،1973م.
2- ابن سعيدالمغربي: أبو الحسن على بن موسى بن محمد ت(685هـ/1286م):اختصار القدح المعلى فى التاريخ المحلى،تحقيق ابراهيم الابيارى،الهيئه العامة لشئون المطابع الاميريه،القاهره،1959م
3- كتاب الجغرافيا،تحقيق،إسماعيل العربى،ط1،المكتب التجارى للطباعة،بيروت،1970م
4-رايات المبرزين وغايات المميزين،تحقيق،محمد رضوان الداية،ط1،دار طلاس للدراسات،دمشق،1987م.
5- المغرب في حلي المغرب،تحقيق د/شوقي ضيف،ط4،دار المعارف،القاهره،1993م
6-ـ الغصون اليانعه فى محاسن شعراء المائة السابعة،تحقيق إبراهيم الإبيارى ،دار المعارف،مصر،2009م
7-المقرى(احمد بن محمدالمقرى التلمسانى)ت1041هـ/1631م : نفح الطيب من غصن الاندلس الرطيب، تحقيق د.احسان عباس ،دار صادر،بيروت ،1968م.

ثانياً المراجع:-
1- الأنصارى (محمد) ابن سعيد المغربى حياته وآثاره ،بيروت،1966م.
2- حسن (زكى محمد) الرحالة المسلمون فى العصور الوسطى،دط،دار الرائد العربى،بيروت،1981م.
3- سالم (السيد عبد العزيز)التاريخ والمؤرخون العرب ،ط1،القاهره،1967م.
4- عوض (محمد مؤنس )الجغرافيون والرحالة المسلمون فى بلاد الشام،ط1،عين للدراسات والبحوث الإنسانية،القاهرة،1995م.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى