لا أنسى ولا أتذكر
بقلم: ياسمين كنعان
لا أنسى ولا أتذكر؛ وأقول حين يشتد بي وجع الغياب” لكل نص موسيقاه، وأنا أحاول أن أتمرد على قلبي، وعلى النص، وعلى موسيقاه..!”
أكتب متجاهلة حضور أطيافك المتعددة في ليلي، أغير إيقاع الليل على نحو يربك المرايا وهمس الحنين كي تهتز الصور وتتداخل ولا أعود أراك..!
لا أنسى ولا أتذكر، أحاول اعتياد اليومي وأحاول نثره في نصي..!
أقفز خطوة واحدة من رصيف إلى شارع، وأعبر الطريق الذي يحفظ خطاي..!
لا ساعة في معصم يدي وأعرف أني بعد قليل وفي المكان ذاته سألتقي بائع الجرائد الذي حفظت هيأته عن ظهر قلب، وصرت أسمع وقع أقدامه وهو ينتعل الحذاء الكبير المتسخ ذاته..وأستطيع أن أميز وقع خطواته من بعيد..!
سأشتري الجريدة لا لشيء إنما كي أتكلم بضع كلمات مع أي عابر طريق..سأقول “صباح الخير، وشكرا..!” وأكتفي بابتسامة ترتسم على وجهه وأمضي..!
لا أنسى ولا أتذكر، أعيش لحظة غيابك مثل أبد، وفي انعدام حضورك واستحالة غيابك أعيش ما تتنازعه نفسي من احتمالات ولا أحتمل هذا الاشتباك اليومي مع نفسي..! لا أقرأ ولا أحلل المشاهد، ولا أبحث في رماد الصور المحترقة عنك؛ أعرف جيدا أن صورتك لا يطمرها رماد..!
لا أنسى ولا أتذكر، أتابع سرد اليومي بلا روح، وأتعب حين أقف في حضرة من يطلب صوتي؛ أبحث عنه طويلا، وحين أعثر عليه، وحين أجرب استخدامه مجددا لا أسمع فيه رنة صوتي القديم، ولا أسمع اهتزاز الفرح على أوتاره..!
يقلقني غيابي؛ أثبت نظري في نقطة واحدة وأغيب، أدخل قوقعتي وأغلق علي الباب الأخير، ولا أسمع من يناديني من خلف ستائر الغياب، ولا أرى إلا أشباح بشر..!
لا أسمع ولا أرى..أغيب تماما وأكتم أنفاسي وأموت في نفسي بلا مقاومة ولا ضجيج، ولا نداء أخير..!
لا أنسى ولا أتذكر..يقول صديقي” متى أخرج إلى فضاء أكثر رحابة، متى أغير لغتي وأبتكر لغة أخرى، ومتى أكف عن كتابة الحزن ورسم الموت..؟!”
وأقول له ” حين أخرج من القوقعة..!”
وحين يسألني “متى؟!”
أدخل مرة أخرى في صمتي وأفقد صوتي ولا أجيب..!
لا أنسى ولا أتذكر، أعاين وجع غيابك مثل طبيب هرم مرتجفة أصابعه، لا يقوى على تحسس الوجع؛ فلم تعد تسعفه أصابعه؛ومهما أرهف السمع فلن يسمع إلا صوت حشرجاته ولن يسمع إلا هذا اللهاث..!
لا أنسى ولا أتذكر..أكتب كي أنساك..!