ورش الإبداع والصالونات الأدبية.. فن صناعة الإبداع والنقد

بقلم: زيزيت سالم | أديبة مصرية

 اللوحة للفنانة: سونيا مارشال

على مدى عصور كانت العلاقة بين المبدع والقارئ علاقة قداسة، لا يجد القارئ طريقة لأن يقترب من كاتبه أو يبثه رأيه فيما يكتب سواء بالسلب أو الإيجاب سوى فيما ندر، فقد بنيت العلاقة بينهما في الأساس على الكتاب الورقي فقط، وصارهو نقطة الالتقاء الوحيدة بينهما، حيث كانت دار النشر هي الوسيط المتاح وقتها وربما الوحيد بين الكاتب والقارئ .

الآن وبعد انتشار التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة وحفلات التوقيع والصالونات الأدبية، خرج القارئ من منطقة الظل إلى حيز الضوء وأصبح قادرا على الاتصال المباشر والحي مع المبدع،  إذ استطاع أن يتحاور مع الكاتب ويصادقه ويروج لكتبه وقد يتجرأ ويهاجمه أحيانا كثيرة، وصار الكاتب يعتمد بشكل أكبر على رؤية القارئ ومحاولة استقطابه عن طريق استشارته فيما يكتب، وبالتالي تحول القارئ إلى ناقد فاعل له تأثير ملحوظ على انتشار مقروئية الكتاب ونسب مبيعاته، بحيث يمكننا القول أن الكاتب ربما يستفيد من نقد القارئ العادي الذي يبدي رأيه دون دراسة أكاديمية لأنها تنبع من احساسه المباشر بما يقرأ دون إضافة المصطلحات الأكاديمية التي يتحلى بها النقاد الدارسون .

وخير مثال على ذلك هي “ورشة الزيتون” بقيادة الكاتب والشاعر “شعبان يوسف”، إذ تتيح الورشة لكل الحاضرين دون استثناء ودون التقيد بدراساتهم أن يبدوا رأيهم الحر في مناقشة الأعمال الابداعية المطروحة والاتصال المباشر مع الكاتب، بل وتمنح الورشة روادها الفرصة لادارة الندوات فيما بعد دون تمييز.

 فورشة الزيتون بالفعل هي اسم على مسمى، هي ورشة لصناعة نقاد متمرسين والتدريب على التفاعل الحر مع الكِتاب والكاتب وفتح حلقات نقاشية تتسم بالود وبث الوعي المعرفي بين القارئ والمبدع، إذ يصبح القارئ هنا شريكا في صناعة الحدث، فقد اتبعت الورشة نهجا ثابتا حيث لا تحجر على رأي أي قارئ وتمنح الفرصة كاملة لتعقيب المبدع، وفي ذات الوقت يكتسب المبدع مهارات جديدة عن طريق الاستفادة من الآراء المباشرة وإدراك قيمة ما تم استيعابه من النص لدى القارئ.

ولا أحد ينكر أن الحضور المتكرر لهذه الندوات يمنح المتابعين دفعة قوية للتعلم والاستزادة من القراءة والمعرفة، وهو ما أعطاني دفعة قوية لدراسة الأدب والنقد بشكل أوسع وأعمق حين قررت الالتحاق بدبلوم الابداع والنقد الأدبي بجامعة القاهرة حيث بحثت قبلها على جوجل عن كورسات تعليمية لدراسة النقد فساقني البحث إلى حلقات يديرها د.”محمود الضبع” أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة قناة السويس تحت عنوان “ورشة نقد وابداع” على اليوتيوب وهي بالمناسبة حلقات متاحة للجميع .

في تلك الحلقات يقوم د. محمود بتدريب طالبات الدراسات العليا على النقد بطريقة اعطاء الأمثلة الحية على كتاب بعينه أو رواية بعينها واختيار مقطع من الرواية مثلا وعمل تطبيق عملي عليها، وما أدهشني حقا وجعلني أستمر بمتابعة الحلقات جميعها هو اتساع صدر د. محمود باعادة صياغة رأي كل طالبة وتدريبها على كيفية الالقاء دون أن يحظر على رأيها أو يسفه منه، ومنحهن ثقة فيما يعرضونه من أفكار وتطويعها بما يتناسب مع أصول النقد دون تكلف، فيقول لهم:

انظروا للنص بقلوبكم وتفاعلكم معه وبما لمسه فيكم، كونوا مبدعين لتكتبوا ابداعا وليس شيئا نمطيا، تحرروا من صرامة المدخل النقدي والكتابة المتكلفة النظرية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى