سوالف حريم.. رحلة
حلوة زحايكة | فلسطين
اللوحة للفناة: سونيا مارشال
بعد استشهاد أخي وصديقي ورفيق طفولتي محمود موسى الحصيني، لم يعد لي نفس بشيء من بعده، ولم أخرج في أيّ رحلة عائلية منذ ثلاث سنوات على وفاته، لأننا كنا لا نخرج في رحلة الا ويكون هو وزوجته وأولاده رفاقنا، ولكنني قلت بيني وبين نفسي ما ذنب أطفالي كي يعاقبوا بناء على مشاعري؟ فقررت أن آخذهم في رحلة حتى يرفهوا قليلا في العطلة الصيفية، وبالفعل انطلقنا متوجهين في رحلتنا الى يافا، ذهبنا بداية الى القدس من أجل أن نشتري فطورا لنا، توقفنا عند مطعم شعبي في شارع الرشيد لشراء ساندويشات فلافل، فقال ابني البكر:
من هنا آخر مرة اشترى لنا خالي محمود السندويشات!
بلعت رقي انا وزوجي، وأكملنا السفر، وعند وصولنا إلى منطقة الشيخ جراح واذا بابني الأصغر منه يقول:
وهنا آخر مرة قامت الشرطة السير الإسرائيلية بمخالفة خالي محمود! ترقرقت الدموع في عينيّ، وبلعت ريقي أنا وزوجي كل منا يحاول امساك نفسه عن البكاء، حتى الأطفال ما زالوا يذكرون كل شيء، سرنا وواصلنا السير على الشارع السريع بين القدس وتل أبيب، كنت صامتة لا استطيع الكلام، كنت اشعر بوجود محمود معنا، ويسابقنا بالشارع كما كنا نفعل في كل رحلة ونتجاوز بعضنا متمازحين. فقلت لزوجي:
اقسم بالله العظيم أنني أرى محمودا يسير معنا، هنا لم يستطع زوجي اكمال الرحلة، لأنه كان يحسّ نفس الشعور، ولم يستطع هو الآخر البوح بمشاعره، استدار بالسيارة وعدنا الى بيتنا خائبين.
كل هذا أعادني إلى هذه الحرب اللعينة التي حصدت الآلاف من أبناء شعبي وخاصة من أبناء قطاع غزة، فكيف سيكون حالهم وهم يتذكرون ذويهم وأصدقائهم وأحبتهم الذين حصد المحتلون أرواحهم، خصوصا في المحرقة الأخيرة.