سكون
نهى الطرانيسي | القاهرة
– الطبيب: هدوء.. !! ألا تتذكرين أي أصوات؟
– أنا: غريبة.. أصوات تباينت بين الحدة والارتفاع المفاجئ، تزامن معها ارتفاع نبضات قلبي، نعم كانت مختلطة لا تتبين منها صوت من يتحدث، حالة صدمة تولدت لدي، كل ما أذكره انفراج جفني، أما الوجه فلا يعكس أي شيء.. كنت في محاولة للفهم، وكأن كل شيء حلّ عليه الصمت، وتوقف، حتى العقل لم يستجب.
°°°
مع إشراقات الصباح، وتتابع القمر، تكررت الأصوات حتى اعتدت عليها، لا أتذكر متى بدأت، ولكن كلما استهلت قمت منسحبة بهدوء إلى غرفتي، أغلق الباب، ألعب مع الدُّمى بصوت واضح أعلى من الطبيعي.. بعد فترة تمر أمي قبالة الغرفة لتعجب من صوتي، تدخل في محاولة لفهم ما يحدث.
عيد ميلادي .. يداي تتعرقان، وخزات تنقر أسفل قدمَيّ، أصوات أصدقائي ووالدي تعلو بالغناء، أحاول متسللة لدخول غرفتي، لكن هباء! يد أمي متشبثة بي لالتقاط الصور وتقطيع الكعكة، تفتر شفتاي بالابتسام لأفلت من قبضتها، علل شتى للهروب إلى الغرفة لأظل بها حتى تنتظم أنفاسي وتجف يداي.
ازداد شعري طولاً مع قامتي فأصبحت أحب التباهي به أمام المرآة.. اختلاط تلك الأصوات يفسد لحظتي كتحطم مفاجئ للمرآة، فأجمع الدمى المحشوة حولي فوق السرير وأدندن أيَّ لحن أذكره، والأنامل كعصا المايسترو.. أدرك اضطراب حدقتي، وعدم الثبات نسبيًّا على شيء.. رويدًا رويدًا ينتظم اللحن ويحلّ النعاس.
أهدتني إحدى خالاتي سماعات لأستطيع بها سماع ما شئت بدون إزعاج أحد، لجأت إليها كثيرًا بل دائمًا، شعرت بانغماسي داخل الطرَب، وكأن الخارج يمشي على وقعه يمثل كلماتها، كأنني أشاهد حكايا سريعة من نافذة المركبة.. تلك لحظاتي التي استمتعت بها خلال ذهابي وإيابي.. سماعات ومشاهد وكأنه فيلم سريع على الطريق.
فنجان حليب مشبع بالقهوة المدخنة، أشاهد الفقاعات الصغيرة التي تعلوه، وانعكاس الضوء عليها، واختفاؤها واحدة تلو الأخرى، والصديقات ينغمسن بالحديث، ومحاولة إشراكي معهن حتى يئسن وقررن المغادرة.. انتهيت من مراقبة الفقاعات المنطفئة، والسماعات فوق رأسي وإن كانت بلا صوت، لكنها تشعرني بالراحة.
°°°
زيارات متتابعة أخذتني إليها أمي لذلك الطبيب النفسيّ لاستشارته حول حالتي التي لا أرى أي ضير بها، تظل تحتد عليّ لهدوئي المبالغ فيه وعالمي الذي تكور في غرفتي.
خلال سردها أمام الطبيب شاكيةً، تنهدتُ وأغمضتُ عيني، وأدرت الموسيقى حتى تنتهي من شكواها.
- الطبيب: هل نستطيع التحدث؟
- أنا: تفضل.
- الطبيب: طفولتك.. أخبريني عنها.
- أنا بابتسامة متواضعة: هدوءٌ ودُمَى.