من أدب العزلة في زمن الكورونا

محمد موسى العويسات| القدس – فلسطين

عقوق الكورونا

ـ لا لن أسمح لكم بالخروج ولو متنا من الجوع، الوباء يضرب العاصمة بشدّة، أنا من سيجلب لكم الخبز…  قبل أن تخرج في الصّباح لتجلب الخبز بنفسها، تفقّدتهم واحدا واحدا… ترفع الأغطيّة عن وجوههم… قائلة في ابتسامة عريضة: نومة الهناء يا أحبّائي، فداكم أنا…

خرجت تقصد المخبز الذي لا يبعد عن البيت أكثر من مائتي متر… وصلت المخبز… وقبل أن تدفع ثمن ربطة الخبز… وجدت نفسها في القيد… سيارة شرطة ومعهم اثنان بألبسة فضائيّة ألقوا القبض عليها… صرخت… تفلّتت… لكنّها لم تستطع المقاومة أو الإفلات…

 ـ إلى أين؟

ـ إلى الحجر الصحيّ؟

ـ لكنّني لست مصابة..

ـ إنّه التحوّط والاحتراز

ـ وأبنائي، والخبز، وبيتي، و…!

ـ هاتي رقم التلفون لنخبرهم..

كان للخبر على أبنائها وقع الصّاعقة… اهتزّ له البيت مع قلوبهم المتصدّعة… لوقع الصّدمة لم يتبيّنوا الخبر… لم يفرّقوا بين حجر صحيّ احترازيّ… أو حجر إصابة… والشّرطة من قبلهم لم تميّز بين مصاب أو خارج على أمر الحظر… كلّ شيء ملتبس… أخذ الابناء وزوجاتهم يحمدون الله أنّ حالة أمّهم قد اكتشفت مبكّرا… طلبوا طبيب العائلة فجاءهم بعد استئذان الشّرطة واللّجنة الصّحيّة في الحيّ والمكونة أصلا من بعض المخبرين الذين توقّف عملهم بسبب الحظر المفروض، أجرى لهم الفحوصات اللازمة، كانوا كلّهم معافين… فرحوا بذلك… لم يستطيعوا التّواصل مع أمّهم… مرّ أربعة عشر يوما… أجريت الفحوصات اللازمة للأمّ العجوز فتبيّن أنّها احتجزت خطأ… وأنّها لم تكن مصابة ولا حاملة للفيروس… وقد أصابها الشّحوب والهزال… أطلق سراحها… فعادت تحمد الله أنّها نجت… وصلت البيت… طرقت الباب… لا أحد يردّ… وطرقت مرّة أخرى… سمعت ضجيجا من وراء الباب… جدلا بين ابنيها وزوجتيهما… أنفتح لها الباب أم لا ؟… اتكأت على الحائط… في أنفاس متصعّدة…

ـ افتحوا الباب، أنا أمّكم، ها أنا ذه قد عدت بسلام.

قد اتخذوا القرار بأن لا يُفتح لها الباب… وأن تعود من حيث أتت… من يجرؤ فيخبرها… وقع الاختيار على ابنها الأكبر …

بصوت متحشرج… أجشّ…

ـ أمّي، اعذرينا، فلن نتمكّن من استقبالك، إنّه وباء معد…

ـ ماذا تقول؟! ماذا… ابني! لست مصابة… كان خطأ…

ـ لا يا أمّي، المعذرة…

بصوت ضعيف هزيل متراخ حزين…

ـ أين أذهب إذن؟!

سمعوا شيئا ما قد سقط على أرض السّلّم… ارتطام عنيف في أصوات متكسّرة… فتح أحدهم الباب بسرعة… وجد أمّه ملقاة على الأرض… تلفظ أنفاسها الأخيرة…

أكّدت الشّرطة أنّها لم تكن مصابة… أكّد الطبيب أنّها قضت في نوبة قلبيّة… بسبب موقف انفعاليّ ما…

فُتح الباب للكورونا على مصراعيه…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى