في مديح خير الورى
د. خضر محجز | فلسطين
﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ (البقرة/253)
﴿رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ (آل عمران/53)
لا إله إلا الله محمد رسول الله. اللهم ادخر لي شهادتي هذه عندك إلى يوم ألقاك، فأحيني بها وأمتني عليها، وارزقني أن أنطق بها عند الموت، ويوم ألقاك. وصل بي على حبيبي، وأذق قلبي ولساني حلاوة المديح، مديح أحب المخلوقات إليك، رحمتك المهداة. وارحم من قال، فما قال إلا بألسنة كل العشاق على مدى الدهور:
أبا الزهراءِ قد جاوزتُ قدريْ
بـمدحـك، بَـيْـدَ أنّ ليَ انتـسابا
مدحتُ المالكينَ فزدتُ قدراً
فحينَ مدحتُك اقتدتُ السحابا
سألـتُ اللهَ فـي أبنـاء دينـي
فإنْ تَـكُـنِ الوسيلةَ لـي أجابـا
فيا رب، يا رفيع الدرجات ذا العرش، يا من لا تحب شيئاً كالرحمة، ارحمنا، وصلِّ على نبينا الذي به اهتدينا.
يا رب،
قد علمنا والله، أنك أرسلت الرسل، فأمرتهم أن يأمروا الناس بالإيمان والتصديق والشهادة والعمل. وما علمنا أن أحداً منهم قُرن اسمه باسمك، في النطق بما آمن القلب؛ سوى محمد صلى الله عليه وسلم.
فأيّ الرسل أرفع درجة؟
وعلمنا يا ربنا، أن موسى في السماء السادسة، يبكي أنْ لم يبلغ أهلُ الجنة من أمته ـ التي فضلتها على العالمين ـ ما بلغ أمة محمد، التي جعلتها خير أمة أُخرجت للناس.
فأي الرسل أرفع درجة؟ وأي الأمم خير الأمم بما كانوا ينتسبون إلى محمد صلى الله عليه وسلم؟
وعلمنا يا ربنا، أن أبا الرسل والأخيار في السماء السابعة، يسند ظهره إلى بيت البيوت المعمور هناك، يفرح بما وصل إليه ابنه الخاتم، ولا يحزن إذ يتجاوزه إلى سدرة المنتهى، مصداقاً لما أودعت من فطرتك في الآباء، من محبة أن يتفوق عليهم الأبناء.
فأي الخلق أرفع درجة؟ وأي الناس أولىٰ بإبراهيم؟
وعلمنا يا ربنا، أنك رفعت محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى سدرة المنتهى، حيث لا يعلم أحدٌ شيئاً سواك، فعلّمته من علمك، ودنوتَ به إليك، حَتَّى كَانَ مِنْك قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى، فثَمّ أوحيتَ إليه الصلوات. فما كان بينك وبينه مخلوق ـ وكيف يكون مخلوقٌ وقد انتهت علوم الخلق؟ ـ فعلمته كيف يصلي، وأوحيت إليه دون وحي: فجبريل من الخلق، والخلق لا يصلون إلى هنا.
فأيّ الخلق أرفع درجةً: أَمَنْ كلّمتهُ على الأرض، أَمّ مَنْ كلّمتهُ في السماء؟
وعلمنا أن كل نبيٍّ يقف يوم الحشر عند رُتْبَتِهِ، وعلمنا أن محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتجاوز كل المراتب حتى يسجد تحت العرش.
فأي الرسل أرفع درجة؟
وعلمنا يا ربنا، أنك حين يسجد حبيبك تحت عرشك للشفاعة ـ حيث لا يجرؤ النبيون ـ تُلْهِمُهُ من التحميد والتسبيح والثناء، ما لم تُلْهِمْهُ أحداً من خلقك، ثم تقول له: يا مُحَمَّد، ارْفعْ رأسك، وقُلْ يُسْمَعْ لك، وسَلْ تُعْطَهْ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ.
فأي الخلق يبلغ ما بلغ الحبيب؟ وأي الرسل يستطيع ما استطاع، إذ منحته أن يستطيع؟
وقيل: كلُّ نبيٍّ عندَ رُتْبَتِهِ
ويا محمدُ هذا العرشُ، فاستلمِ
فلك الحمد يا رب..
أهذا النبي نحن أمته؟ يا لسعدنا به! ويا لسعد المخلوقات به! ويا لسعد أهل السماء به! ويا لسعد من صلى عليه!
حبيبي، يا حبيبي، يا حبيب الله:
تَتِيْهُ بك الأنبياءُ على الأنبياء: إذ أنت الخاتم، فأقربهم إلى الله ـ بعدك ـ من كان أباك، ثم يليه من كان أخاك من ظهره.
ويَتِيْهُ بك البشرُ على الخلق، إذ أنت بشرٌ. والملائكة سجدت للبشر.
وتَتِيْهُ بك الجنة، إذ أنت ساكنها، ولا تٌفتح إلا لك وبك.
ويتيه بك العرش إذ تسجد تحته، ولا يسجد تحته إلّاك.
وُلدت في أطهر بقعة. واشتاق إليك ربك، فاستدعاك فَلَبّيت. ودُفنت حيث يتوق الأولياء أن يُدفنوا. وسكنتَ من قبل البعث بجوار الجنة. وسلّمتَ على كل من سلم عليك.
ووالله لا أدري ما أقول وكيف أعبرّ! فصلى عليك الله، وصلت عليك الرسل والملائكة والأولياء. وصلى عليك كل من يرجو شفاعتك.
اليوم قيل يوافق يوم مولدك يا حبيبي. فالخير في الذكرى، حتى لو أخطأت التواريخ. فوالله إننا لمشتاقون إليك يا حبيب كل من أحب الله.