حكايات شهريار و قصة يعقوب (1)
شرين خليل | مصر
اللوحة للفنان إيميل مونيير
أشرقت شمس الخميس ودقت الساعة السابعة صباحا .إنه اليوم المنتظر. اليوم الذي ستنتهي فيه غربتي وأعود إلي بلدي ..سأعود كما جئت فلقد فقدت كل ثروتي التي أنهكت روحي ونفسي في العمل لكي أجمعها ..
دفعت ثمن غربتي وعمري الذي ضاع في الغربة في مقابل أن يكون إبني معي أشتريت إبني وقررت أن أترك الغربة وأرجع لوطني فالحنين يقتلني والندم يؤلمني ..
ذهبت إلي المطار ومعي إبني وإنتهيت من الإجراءات وجلست في ساحة الإنتظار وإبني بجانبي نظرت إلي المكان ورجعت بذكرياتي سنين وسنين وتذكرت فرحتي بسفري إلي أوروبا والحلم الذي كنت أحلم به منذ الصغر ولهفتي وشوقي وأمنية حياتي التي فقدت الكثير بسببها وضحيت بالكثير لكي أحققها وكانت النهاية أنني فقدت أعز الناس وفقدت نفسي أيضا ..
أغمضت عيني لأتذكر نفسي وأنا شابا في العشرين يدق قلبه حبا لزميلته التي كانت تخجل أن تنظر إليه حتي لا يظهر شوقها وحبها له فالجميع كان يعرف قصة الحب التي جمعتنا ببعض ولكن حال بيننا الفقر ومنعنا من الإرتباط فهل ستنتظر الفتاة الحسناء الشاب الذي لايملك شئ فهو لا يزال طالبا في الجامعة . وجاء خبر خطبتها ليحطم قلبي وكنت أتمني أن يكون خبرا كاذبا وأرسلت لها أختي لتسألها لماذا وافقت علي هذة الخطبة وبالفعل ذهبت أختي وتحدثت معها وأخبرتها أنها أحبتني ولن تنساني ولكن بعد وفاة والدها ساءت الحالة المادية وأصبحت أسرتها تعاني وكالعادة تحمل أخوها الأكبر المسؤلية وعندما جاء لخطبتها من يجد فيه أنه سينقذهم من هذا الوضع السئ كان لابد لها أن توافق فالأمر، كما قالت، خارج عن إرادتها .أدركت وقتها أنني لاشئ وليس لي قيمة وأن المال هو كل شئ فمن يمتلك المال يمتلك كل شئ ..وتزوجت وتركتني بعد قصة حب دامت سنين وسنين .
كان زواجها من غيري بمثابة نقطة تحول في حياتي .
وقتها كان لابد من الهروب إلي مكان أجد فيه نفسي وأصنع لي كيان وأجعلها تندم لأنها تركتني ..
وبينما أنا غارق في ذكرياتي سمعت صوت بكاء بجانبي ..إنه إبني يبكي وبشدة وعندما سألته عن سبب هذا البكاء ..جاء الجواب ليمزق قلبي فهو يبكي لأنه سيشعر في الغربة وهو معي وسيبتعد عن أمه التي تركته مقابل المال فالمال عندها أهم من إبنها .ضممته إلي صدري ولم أشعر بنفسي وأنا أيضا أبكي ..ماذنب هذا الطفل البرئ أن تكون له أم بهذه القسوة والأنانية . حاولت أن أجعله يشعر بالطمأنينة وأني لن أتركه وحيدا فأخوه ينتظره بالتأكيد في المطار إبني الاكبر الذي تركته أمه أيضا وذهبت ..فأنا حياتي مليئه بالقصص المؤلمة أعلم جيدا أنني أخطأت عندما تزوجت أكثر من مرة ولكني دفعت ثمن هذا الخطأ وندمت أشد الندم ..
بدأ إبني يهدأ وسألني سؤال غريب سألني عن طفولتي وأنا في مثل عمره وكيف كانت علاقة أبي بأمي وعلاقتي بأخوتي ومن هنا شعرت أنني أتحدث مع صديق وأريد أن أحكي مابداخلي وبدأت أحكي له قصة حياتي منذ طفولتي من اليوم الذي أنجبتني أمي والفرحة العارمة التي عمت البيت كله فلقد جاء أخيرا الولد فأمي أنجبت البنات أولا ناريمان ومنال وليلي وكعادة الأرياف فإن المرأة التي تنجب البنات أولا تتعرض للوم وعتاب وكأنها هي السبب في إنجاب البنات ..كان إبني يستمع لي وهو مندهش وكأنه يشاهد أحد الأفلام وعندما علمنا أن الطائرة سوف تتأخر عن موعدها بسبب الظروف الجوية رأيت السعادة في عينيه لكي أكمل له القصة فهو يريد أن يعرف قصة حياتي وكل أحداثها قبل الوصول إلي القاهرة طلبت لنا مشروبات ساخنة وجلست لأحكي له منذ أن رأت عيناي الحياة فعلي عكس المتوقع كانت أمي تتعامل معي بشدة حتي لا أكون طفل مدلل وكانت دائماتعنفني علي أي خطأ ولو بسيط تريد أن تجعل مني رجل وأنا لم أتجاوز المرحلة الإبتدائية أما أبي فكان هين لين مهما فعلنا لا يغضب مننا . كان أبي شديد الطيبة والكرم أيضا يعطي الأموال ببذخ ويعطف علي الجميع كان يمتلك ثروة جيدة ولديه أعماله الخاصة والناجحة أيضا ولكن بسبب إسرافه الشديد فقد كل شئ ولم يتبق معه سوي القليل فطيبة أبي أضاعت حقه في كل شئ ،في عمله ،وفي ميراثه ،وفي حياته معنا أيضا .أعتقد أنني مثل أبي في بعض الصفات .تعرض أبي لصدمات كثيرة ومن أخطرها عليه وهي فقدان عمله بسبب حادث سير تسبب هذا الحادث في حدوث كسر مضاعف في الرجل اليمني لأبي مما أثر علي قدرته علي الحركة، لم يتلقي أبي الرعاية الكاملة والعلاج الصحيح بسبب تكاليف العلاج الباهظة .بدأت الحياة تشتد علينا وتضيق فأنا وإخوتي في مراحل دراسية مختلفة وأمي أنجبت لنا ولد أخر وبنت أخري.. أصبحنا ستة من الأبناء ..وبدأت الحياة تأخذ مجري آخر