أنا والطفل الدّاخلي.. سجين يستنجد بغريق!
رشيد مصباح (فوزي)| الجزائر
نسمة هذا الصباح تذكّرني بنسمات زمان، على الرّغم من أن بلدتي اليوم لم تعد كما كانت في سبعينيّات وثمانينيّات القرن الماضي. ومناخها العام قد تغيّر كثيرا ولم يعد نفس المناخ الذي تعوّدنا عليه. يبدو ثقيلا هذه الأيّام، بفعل بالرّطوبة وكثرة السّدود. ويظهر ذلك جليّا في الأغطية التي فوق أسطح المباني التي تندّت حتّى تبلّلت، والقلوب العليلة، والأغوار التي تكدّرت.. ولم يكن الأمر كذلك قبل أعوام.
ليس المناخ وحده من تضرّر، بل حتى الإنسان. ولأسباب عديدة؛ كحب الدنيا وموت الضّمير، ناهيك عن التي لها علاقة بالبيئة.
شموس الأصائل، ونسمات الأبكار والصباح.. تذكّرني بالماضي الجميل وأيّام الشباب؛
كنتُ كالطّير في السّماء، لا أكترث لما يجري في أرض الواقع. لم أعد أنعم بالحريّة كما في تلك الأيّام، فقد تم استدراجي لأكمل بقية حياتي كالحسّون في القفص:
” الطير الحر إذا اتّحكم ما يتخبّطش”
ــ يقول المثل ــ
كل شيء هنا في بلدتي قد تغيّر؛ المباني، والشوارع، والسطوح، والعمران…. والوجوه القديمة أو العتيقة هي الأخرى قد تغيّرت، فقدت نضارتها بمرورالزّمن. وحتى الشّموس التي كانت تنشر المحبّة وتبثّ الأمل، لم تعد تأتينا بالبشارة كما كانت تفعل من قبل.
كل الملامح العتيقة الجميلة تغيّرت، بدءا بالمباني التي انتشرت كالورم في الجسد، مشوّهة المنظر العام. وانتهاء بالبشر، والذي ولأسباب كثيرة، لم يعودوا بتلك الطيبة.
للزّمن سلطة على كل شيء، إلّـا على الطفل الذي بداخلي؛ هذا العنيد الذي لا يعترف بسلطة غير سلطته، ولا بزمان غير زمانه.. وحين يكلّمني، أتساءل إن كنتُ حقّا قد تجاوزتُ الستّين؟
هرمتُ، وشاب رأسي وابيّضت لحيتي، و”ساكن الأعماق” الطفل المدلّل العنيد لا يزال في غيّه؛ يبكي ويتألّم ويشتكي، وما به من داء سوى الوحدة التي فُرضت عليّ كما فُرضت عليه: أ سجين يستنجد بغريق؟!