هل دعاء نبي الله سليمان كان أثرة وأنانية؟
رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأحَدٍ مِنْ بَعْدِي
بقلم: خالد رمضان
الرسل والأنبياء صفوة الله من خلقه وعباده، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، منزهون عن الخطأ والخطيئة، وقد أوتوا من العلم والحكمة ما لم يؤته أحد من العالمين، بهم تشرق الظلمات، ويستقيم على هداهم أمر المحيا والممات، فيقتفي أثرهم الشاردون، وينتهي بأمرهم الفاسقون .
هم حبل الله الوتين، وميثاقه المتين الذي أرسلهم الله تعالى إلى عباده الضالين ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن درك الشقاء إلى دار السعادة والحبور، وليطهرهم من دنس الضلال والغواية إلى نور الطاعة والهداية ؛ فتستقيم حياتهم، وتحسن خاتمتهم .
لطالما ذاقوا العذاب ألوانا فاتُهموا وطردوا وشردوا وقتلوا تقتيلا، فصبروا وتحملوا وكانوا أولي عزم وجَلَد عظيم .
والسؤال هنا : طالما كانوا كذلك منزهون ومبرؤون ولا يطمعون في الدنيا ودناوتها ولا زخرفها وزينتها فلماذا قال نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام: وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ؟!
هل هو حقا حبٌ للذات؟
هل ذلك أثرة وأنانية ؟
هل هو شعور بالأفضلية على غيره ؟
هل وهل وهل ؟
تساؤلات وافتراضات وكلها لا أساس لها في عالم الرسل والأنبياء.
حاشاه عليه السلام أن يكون من هؤلاء .
إذن فما السر وراء هذا ؟
أولا فلنعلم جميعا إنه من سوء الطالع أن تخوض في حق الأنبياء ولو ببنت شفة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رُبّ كلمة تخرج من فيه ابن آدم لا يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم سبعين خريفا ”
فاحفظ لسانك أيها الإنسان
لا يلدغنك إنه ثعبان
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الأقران
ولا تكن كالحجاج بن يوسف الثقفي الذي قال في حق سليمان عليه الصلاة والسلام: إنه لحسود؛ فليس ذلك من خلق الأنبياء.
أستغفر الله من قوله وعلى حد قول القائل : ناقل الكفر ليس بكافر .
ليس هذا مستغربا من شخص سجد الإمام الحسن البصري حين سمع خبر وفاته ، وهو الذي حبس وقتل أكثر من مئة وعشرين ألفا، ويكفيه قتل سعيد بن جبير وجرأته على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نستبعد منه مثل هذا .
وهنا نقول :
هل كان يوسف مغرورا حين قال : اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ؟
هل كان موسى شاكا في خالقه ووجوده – حاشاه – حين قال: رب أرني أنظر إليك؟
هل كان زكريا محبا للدنيا متشبثا بها حين قال: رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين ؟
إن الرسل والأنبياء عزفوا عن الدنيا وابتغوا ما عند الله، فلا يسكن قلوبهم إلا حب الآخرة وما عداها سراب يحسبه الظمٱن ماء، يرجون رحمة الله ويخافون عذابه، فوجلت قلوبهم، وخشعت أبدانهم، واقشعرت جلودهم رغبة ورهبة لله تعالى .
وأقوال المفسرين في تلك الٱية كثيرة ومنها :
إنه أراد أن يكون ذلك حجة ودليلا على نبوته عليه الصلاة والسلام.
ومنهم من قال : إنه أراد أن يعرف هل قُبلت توبته أم لا ؟
لأنه قبلها طلب المغفرة فقال : رب اغفر لي وهب لي.
ومنهم من قال : إنه علم بوحي من الله أن هذه هبة لا تكون إلا لرجل اصطفاه الله فأراد أن يكون ذلك الرجل، فدعا بذلك .
أما الحسد الذي وصفه به شقي بني أميه الحجاج فإنه محرم في حق البشر، فكيف به في حق الأنبياء ؟
ولذلك وُصِف الحجاجُ بالجهل، ومن العلماء من وصفه بالفسوق.
ونقول والله أعلم:
إن نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام إنما طلب ذلك الملك ، وخص نفسه بانفراده حبا لعباد الله قاطبة، وحرصا عليهم من تلك الفتنة وسطوتها ؛ فلطالما قرأنا عن ملوك غرتهم الحياة الدنيا فضلوا وأضلوا، رغم ضحالة ذلك الملك مقارنة بملك سليمان للإنس وألجان والطير والدواب.
كان سليمان كيوسف أعلم بتملكه لنفسه، وقربه من ربه، وعون الله له عن سائر خلقه فدعا بذلك الدعاء .
الأمر الثاني وكأن سليمان أراد أن يكون قدوة لكل ملوك الأرض من بعده فيخط بيديه طريق الهداية والعدل والوقاية والسلامة .
تأمل هذه الشخصية الفريدة الحازمة الصارمة في دقة الأحكام وفصل الخطاب، ولذلك قال تعالى في حقه: “ففهمناها سليمان”
وفي مسألة الملكة بلقيس ما تردد ولا تلعثم إنما سرعة البديهة وانطلاق السليقة في قوله: “أتمدونني بمال فما ٱتاني الله خير مما ٱتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون”
ثم التوعد بقوله: فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون ”
ثم استدعاء السلطة التنفيذية بقوله: “أيكم يأتيني بعرشها ”
والنتيجة معلومة للجميع وهي إسلام ملكة سبأ بلقيس .
ما كان سليمان محبا للدنيا وزينتها فقد نشأ في بيت النبوة التي هي أشرف وأسمى من ملك الدنيا وما عليها، فما رأيناه يعيش عيشة الملوك وإنما حياة الدعوة لدين الله وتبليغ رسالته ، فكأنه بلسان حاله يقول: الله رب لا أريد سواه، هل في الوجود حقيقة إلاه
تأملوا القرآن الكريم، وعيشوا معه فما علمتم فعلموه، وما جهلتم فاطلبوه، ذلك الكتاب الذي لا تنتهي عجائبه، ولا تنقطع فضائله، فمن أراد أن يكلم الله فليفزع إلى لصلاة ، ومن أراد أن يكلمه الله فليقرأ القرآن.
اللهم اجعلنا خيرا مما يظنون واغفر لنا ما لا يعلمون .