هل اخترع الفينيقيون الرياضة والأولمبياد؟

بقلم: توفيق شومان 
تنشًد أنظار العالم كل أربع سنوات إلى “اولمبياد” كرة القدم ومنها إلى سائر الألعاب الرياضية المعروفة، وإذا كان هذا الحدث الدولي الحديث يتصل بجذوره إلى بلاد الإغريق كما هو شائع ومعروف، إلا أن ثمة دراسات واتجاهات حديثة ترى بأن الفينيقيين كانوا أول من عرف الألعاب الرياضية وأنشأوا لها المسابقات والمنشآت والملاعب .
للمفكر والباحث السوري في علم الحضارات، قاسم الشواف، كتاب بعنوان “الفينيقيون والألعاب الأولمبية” يساجل فيه نزعة التمركز الغربية التي أسقطت الحقوق الملكية للفينيقيين في ابتكار وإشاعة الألعاب الرياضية ونقلها إلى بلاد الإغريق ، ومن الأسئلة الإشكالية التي يطرحها المؤلف : هل أدت ممارسة الفينيقيين للمباريات الرياضية في منطقة أولمبي اليونانية إلى الألعاب الأولمبية ثم العالمية ؟ وهل الفينيقيون الذين نقلوا الأبجدية إلى بلاد اليونان هم الذين نقلوا إليها تقليد الألعاب الأولمبية ؟.
الإجابة التي يخلص إليها قاسم الشواف تتموضع عند اليقين القاطع بأن الألعاب الأولمبية ذات منشأ فينيقي بلا ريب ، ومثل هذا اليقين كان انتهى اليه اللبناني لبيب بطرس عام 1974 عبر بحث مستفيض أصدرته دار “قدموس ” في ذلك الحين بعنوان ” الرياضة الفينيقية وتأثيرها في نشأة الالعاب الأولمبية ” يقول فيه :
” في مدينة عمريت ـ السورية ـ ملعب فينيقي قائم بجانب معبد المدينة الذي اعتقد العلماء بأنه حلبة لسباق الخيول ، الإحتفالات الرياضية في عمريت ارتبطت بحقوق العبادة تكريما ـ للإله ـ بعل ، وكانت تُجرى في الملعب منافسات الجري ، الوثب ، الرمي ، المصارعة، الأدلة الأثرية تظهر بأن الملعب استخدم قبل قدوم الحضارة الهلنستية ـ اليونانية ـ للساحل الفينيقي ، وهذه الحقائق دلتنا على بناء الملعب حوالي القرن 15 ق.م ، وصلة الملعب بالمعبد تكمل توضيح العلاقة بين الرياضة وحقوق العبادة لـملقارت إله مدينتي صور وصيدا ، والتي (الرياضة) بدأت في فينيقيا وانتقلت عن طريق الفينيقيين إلى اليونان “.
وخلال محاضرة “من صور الى أولمبيا على خطى قدموس” للبيب بطرس أيضا، نشرت صحيفة “الديار” اللبنانية (24-7- 1996) بعضا منها وحيث أكد بطرس “أن الألعاب الأولمبية ليست الأولى والوحيدة في المهرجانات الإغريقية القديمة، بل هناك عدة مهرجانات سابقة لها، منها ألعاب قدموس في كورنثوس وألعاب ايلوسينيا في أثينا وألعاب أوديبوس في كورنثوس وألعاب هيرا في اولمبيا وألعاب ملقارت في كورنثوس ، وقد أقامها الفينيقيون موسميا في إغريقيا القديمة، وأن قدموس ابن أغينور ملك صور، وبعد مروره بجزر المتوسط وإنشاء المستوطنات فيها وصل الى كورنتوس على شاطئ اغريقيا واقام فيها احتفالاً دينياً كبيراً تكريماً للآلهة تخللته مباريات رياضية في ست مسابقات متنوعة منح فيها القائد الفينيقي ستة أكاليل من الغار”.
وعلى رأي إيمان الخفاف في كتابها ” اللعب ” الصادر في العاصمة الأردنية عمان ” أن المدن الفينيقية في البحر المتوسط وشواطىء الإغريق قد بلغت ذروتها ما بين القرن العاشر وأواسط القرن الثامن قبل الميلاد ،أي قبيل انطلاق الألعاب الأولمبية في اليونان عام 776 ق.م ،ومن الدلائل على ذلك ان مدينة عمريت وهي إحدى المدن الفينيقية العريقة على الساحل الفينيقي الشمالي والتي أنشئت قبل القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، قد أقيمت فيها الألعاب الأولمبية ، ويظهر أن ألعاب عمريت تضمنت الألعاب المائية، فعلى شاطى البحر مكان مُعد لإقامة ألعاب رياضية لها علاقة بالبحر ـ مثل ـ السباحة والغوص والتجذيف “.
المدير العام الأسبق للآثار والمتاحف في سوريا عفيف بهنسي (1928 ـ2017) يتحدث في كتابه ” التراث الأثري السوري ” عن عمريت فيقول ” على الساحل السوري جنوبي طرطوس تقع عمريت ، أنشأها سكان جزيرة أرواد ،أهم آثارها المعبد والملعب والمدافن ، على بعد 300 متر يظهر الملعب المحفور في الصخر ومساحته 225م ” ، ويستفيض عالما الآثار السوريان نسيب صليبي في كتابه ” عمريت ” ومحمد رئيف هيكل في ” عمريت والإستيطان البشري في سهل عكار” بشروحات وتفاصيل ذات أهمية قصوى عن هذه المدينة وتاريخها واحتفالاتها الدينية والرياضية المتحولة إلى احتفالات رياضية عامة أخذها الإغريق عن هذه المدينة وعن مدن فينيقية أخرى .
وبناء على أجوبة بهنسي ( 11 ـ 9 ـ 2010) في حوار مع “مشروع مدونة وطن ” العائد ل “الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية ” أن ” اللقى الكثيرة التي وُجدت في الملعب تعود إلى فترات زمنية مختلفة ومن خلالها نكتشف أن تاريخ الملعب يعود إلى أبعد من تاريخ المعبد وهذه دلالة على أسبقية وظائف الرياضة الصحية ، والملعب يعود إلى فترة أقدم من الفترة الهيلنستية وكان يستخدم في بداية إنشائه كما يبدو للركض والخيل ومع توالي العصور عليه تعددت وظائفه ” .
وفي”مكانة التربية البدنية والرياضية في المدارس اللبنانية ” لجاك رستم “استنادا إلى المؤرخين اليونانيين ، يتضح أن الفينيقيين الذين هاجروا إلى اليونان بنوا فيها القلاع والمعابد وعُقد بين صور وأولمبيا رباط روحي واجتماعي عميق ، واكتشاف الآثار في أولبميا من تماثيل آلهة فينيقية أو محاربين او خيالة يعزز اعتراف بعض مؤرخي اليونان والألعاب الأولمبية بأن الفينيقيين جاؤوا فعلا إلى أولمبيا في القرن السادس عشر قبل الميلاد “.
المؤرخ الرياضي المصري الشهير عادل الشريف كتب في مجلة “العربي” الكويتية ( 1 ـ 7 ـ 1980) إن الألعاب الأولمبية القديمة “بدأت قبل عام 776 ق . م ، إلا أن هذا التاريخ هو التاريخ الرسمي لبدء الألعاب الأولمبية لأن إسم أول فائز أولمبي لم يُنقش على الحجر إلا في عام 776 ق. م ، وكانت بلاد الإغريق بلادا وثنية وكان للآلهة رب الأرباب إسمه زيوس ، وقد مزجت العقيدة الوثنية الإغريقية بين طقوس العبادة والرياضة ، ويقال إنهم أخذوا ذلك المزج عن الفينيقيين سكان لبنان القديم ، ومن هنا نشأت الألعاب الأولمبية تكريما لزيوس وأعوانه من الآلهة “.
ومثل هذه الخلاصة التي تمزج بين الرياضة والتعبد للآلهة تكاد أن تكون جامعا مشتركا بين القائلين بإنتقال الألعاب الرياضية من فينيقيا إلى إغريقيا ومنهم مصطفى عاشور في مقالة له في موقع ” الإسلام أون أون ” إذ يقول ” لجأ اليونانيون إلى المهرجانات الرياضية كنوع من الدعوة للإجتماع على إله واحد هو زيوس بدلا من تعدد الآلهة، وكانت الأولمبياد وسيلة لتحقيق ذلك، واعتقد الرياضيون أن تدريبهم يكرم الآلهة، والنصر علامة استحسان من الآلهة، لذا جرت غالبية المنافسات الرياضية اليونانية في سياق ديني، وكان الرياضيون الفائزون يتمتعون بمكانة دينية ، بل يُمنحون أحيانًا مكانة الآلهة، وأدى الجمع بين الرياضة والوثنية إلى قيام الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول بحظر الألعاب الأولمبية في عام 393 م ” .
وأما الأخذ بالأنشطة الفينيقية الدينية ـ الرياضية الضخمة فمرده إلى طموحات اليونانيين على ما يبدو لمنافسة آلهة الشرق كما يًسنتنج من ” تاريخ الحضارات العام ” في جزئه الأول لإندريه إيمار وجانين أوبوايه ، ” فالإغريق ” تبنوا بعض ألهة الشرقيين وحاولوا أن يكتشفوا فيها مظاهر آلهتهم الخاصة مثل زيوس الذي تمثلوه في كل بعل فينيقي ” وبعد أن أكثروا المعابد في المدن ” كثرت النذورات والتماثيل وأخذ الملوك والأثرياء تخصيص أموال ضخمة للأعمال العقارية فأوجدوا بذلك أوقافا يستخدم ريعها للأعياد الدينية، وفي كل مكان كانت تزداد الأعياد كانت ترافقها التطوافات والألعاب التي حاولوا نقلها من حيث أنظمة المباريات والمكافآت “.
وهذه الدورات الأولمبية ، وكما جاء في صحيفة “الإقتصادية ” السعودية ( 8 ـ 8 ـ 2011)وهي إحدى الإصدرات الشقيقة لصحيفة ” الشرق الأوسط ” وإذا عدنا إلى تاريخها القديم ” نجد أن الإغريق هم الذين ابتكروها لأنفسهم، وقدمها نبيل فرنسا البارون دي كوبرتان، هدية للعالم بعد أن انتشلها من غياهب النسيان ونزع عنها ثوبها القديم ثوب الوثنية والعنصرية والنزعة القومية وألبسها ثوب العالمية، فهي دورات تشمل جميع ضروب الرياضة بماضيها العريق الذي تمتد جذوره إلى مئات السنين قبل الميلاد، والإغريق أخذوا الألعاب الأولمبية عن الفينيقيين سكان الساحل الشرقي للبحر المتوسط هواة الهجرة والترحال الذين شيدوا أول ملعب في العالم، ومزجوا بين الرياضة وإقامة الطقوس الوثنية أي الاحتفال بمهرجانات عقائدية ورياضية معا”.
وفي مقدمة دراسة حديثة (2018) لمروة حمادة ” التطور التاريخي للعمارة الداخلية للصالات الرياضية ” صادرة عن كلية الفنون في جامعة حلوان المصرية ” تطورت الألعاب والمنشآت الرياضية منذ أقدم العصور ، ويُعد قدماء المصريون من آوائل الشعوب التي مارست الرياضة والتي تشكل أساس كثير من الرياضات الحالية ، ومارس الصينيون بعض الحركات والنشاطات من أجل مواجهة الطبيعة ولأداء بعض الطقوس الروحانية ، وتُعتبر الرياضة الفينيقية هي أساس الرياضة الإغريقية ، والدليل هو ملعب عمريت الأثري ، فهذا الملعب يزودنا بالدليل القاطع بأن الفينيقيين أجروا ألعابا دينية بقرب المعابد قبل أن يحملوا هذا التقليد إلى خارج منطقتهم “.
حول مدينة عمريت الفينيقية التالي :
ـ على موقع ” الحزب السوري القومي الإجتماعي ” : قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام شُيِّد معبد عمريت المهيب بزخرفته وتقنيّته السبّاقة لعصره فوق نبع للماء العذب، لشكر الاله الشّافي ملقارت ، وإلى جانب المعبد وعلى بُعد 200 متر، بنى أهل عمريت قبل الميلاد بمئات السّنين ملعباً، ليستقبل أكثر من 10.000 متفرج، فربّما يكون الكنعانيّون ـ الفينيقيون أسبق الشعوب إلى بناء المنشآت الرّياضيّة العملاقة ، وقد أشارت الدراسات التاريخية إلى أن ملعب عمريت هو أحد أقدم الملاعب في العالم إن لم يكن أقدمه ” .
ـ قناة ” بي بي سي” البريطانية (24 ـ 7 ـ2009): ” بنى أهل عمريت قبل الميلاد بمئات السنين ملعبا ليستقبل أحد عشرألف متفرج، وهو ينتظر عمل الباحثين والمؤرخين للتأكد من تاريخ وأسلوب بنائه مقارنة بالملاعب اليونانية، فربما يكون الفينيقيون أسبق الشعوب الى بناء المنشآت الرياضية العملاقة، وربما يكون هذا الملعب أول ما بني من ملاعب عملاقة في التاريخ”.
ـ وكالة ” سانا ” السورية (28 ـ2 ـ2021): “ملعب عمريت الأثري الذي يعده المؤرخون من أقدم الملاعب الرياضية التاريخية بقي منه قسم بطول 230 متراً ويقع على منحدر الضفة اليمنى لنهر عمريت وله 7 درجات للجلوس عرض كل منها 55 سم وكانت تجري فيه ألعاب الركض وسباق العربات وسباق الأكياس وغيرها، ومن اللافت أن هذا الملعب ضم وفقا للتنقيبات الأثرية حلبة مصارعة وصالة رياضية مغلقة كانت تستخدم للتدريب والمضمار ويطابق تصميم الملعب مثيله الموجود في أولمبيا “.
في المواكبات الصحافية لمواسم الأولبياد في العقد الأخير بعض النماذج عن ابتكار الفينيقيين للرياضة :
ـ ” اخبار اليوم ” الجزائرية 9 ـ 7 ـ 2012 :” تقع مدينة أولمبيا بأرض الإغريق اليونان حاليا، كانت مركّزا للعبادة، وفي سنة 776 قبل الميلاد أقيمت أوّل دورة أولمبية بنظامها القديم، ومن مدينة أولمبيا اشتقّت تسمية الأولمبياد أو الألعاب الأولمبية، وكانت تقام كلّ 4 أعوام وتدوم لمدّة 7 أيّام تحت إشراف زيوس كبير آلهة اليونان وزوجته هيرا. الإغريق أخذوا الألعاب الأولمبية عن الفينيقيين سكان الساحل الشرقي للبحر المتوسط هواة الهجرة والترحال الذين بنوا أوّل ملعب في العالم ومزجوا بين الرياضة وإقامة الطقوس الوثنية، أي الاحتفال بمهرجانات عقائدية ورياضية معا”
ـ “الوطن” السعودية 30 ـ 10 ـ2014: ” ابتكر الفينيقيون سكان شرق البحر الأبيض المتوسط قديماً، ما أُطلق عليها لاحقاً الألعاب الأولمبية، ليحمل الإغريق بعدهم رايتها ويبدعون في تقديمها للعالم، ولتتطور اليوم إلى تجمع رائع وعظيم ينبض بالحياة لرياضيي العالم ومحبي الرياضة، وتتويج للروح الرياضية وسمو أخلاقها وأهدافها، ويسجل التاريخ أن الطاهي “كوربوس” كان أول بطل في سباق الركض، وهو السباق الوحيد الذي احتوته أول ألعاب سجلها التاريخ”
ـ “العربي الجديد ” القطرية 16 ـ 4 ـ 2016 : ” يقول المؤرخون الرياضيون إن الإغريق نقلوا الألعاب الأولمبية عن الفينيقيين، والذين كانوا يقطنون الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، حيث أكدت بعض الروايات أنهم أول من بنوا ملعباً في العالم واهتموا بالرياضة تم مزجها مع طقوسهم وعاداتهم”.
ـ “الثورة “السورية 3 ـ 8 ـ 2016: ” يتحدث الكثيرون بأن الإغريق هم السباقون لهذه الألعاب ولهذا جاءت تسميتها نسبة لجبل أولمبا في اليونان لكن الإغريق أخذوا الألعاب الأولمبية عن الفينيقيين سكان الساحل الشرقي للبحر المتوسط الذين بنوا أول ملعب في العالم ومزجوا بين الرياضة وإقامة الطقوس الوثنية أي الإحتفال بمهرجانات عقائدية ورياضية معاً وللإشارة فقط فإن أول ملعب أولمبي تمّ اكتشافه في منطقة عمريت جنوب طرطوس”.‏‏
ـ “الوطن” السورية 11 ـ 2 ـ 2017: ” سمعنا عن الألعاب الأولمبية أو الأولمبياد بأنها أحداث رياضية دولية تشمل الألعاب الرياضية الصيفية والشتوية يشارك فيها الرياضيون في المنافسات المختلفة ويمثلون دولاً مختلفة، إن الإغريق أخذوا الألعاب الأولمبية عن الفينيقيين سكان الساحل الشرقي للبحر المتوسط وهذه معلومات يجهلها أكثر القراء ، إن الفينيقيين بنوا أول ملعب في العالم ومزجوا بين الرياضة وإقامة الطقوس الوثنية” .
ـ ” اندبندت عربية ” السعودية 1ـ 8 ـ 2021 : “عرفت عمريت في الكتابات اليونانية باسم ماراثوس ويعتقد أن كلمة ماراثون جاءت من اسم المدينة ماراثوس”.
أخيرا : شعر من فينيقيا :
فتية ملقارت
‏ الذين ما هانوا ولا استسلموا
‏ بل خاطوا للزمن وقتاً آخر
ووهّجوا بدمائهم خمائر رائحة الأزل
جعلوا حتى عشب الآفاق يرتعش
‏ والشمس تصاب بغوايات أكثر فتنة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى