نقد أدبي: في الشكل والمضمون
د. خضر محجز | فلسطين
يميل الأيديولوجيون دوماً إلى الاحتفال بالمضمون أكثر مما يحتمل الأدب، فيما يميل الشكلانيون إلى هجاء المضمون بما يوحي أنهم يتوخون نصوصاً بلا معنى.
والحقيقة أن الفريقين متطرفان، فلا شكل بلا مضمون، ولا مضمون دون شكل. فالشكل هو شكل لمضمون. و”عيب الشكل ينتج غالبا عن عيب المضمون” كما يقول هيجل. أي أن المضمون الجيد يكتشف شكله الجيد.
والحق أن هذا الاختلاف أكاديمي بحت، وإلا فيستحيل أن يُوجد نص جيد قائم على علاقات الشكل وحدها، فمهما حاولت تطبيق وصايا النقد الحديث، فلن تنجح في كتابة نص جميل إذا لم تكن مسكوناً بمضمونِ ما تقول.
ومعنى ذلك في الأدب أنه لا يوجد مضمون قبيح وآخر جميل، إنما نحن نعرف جمال نصك من جمال شكله، ولا يكون شكله جميلا، إن لم تتمثل مضمونه وتهضمه ويسكن روحك، فتبدو لنا روحك من خلال شكلِ ما تقول.
سأضرب لكم مثالاً:
“مذكرات الكونت دي ساد”: لو حاكمنا نصوصها من خلال مضمونها وحده لكانت قبيحة. فما الذي جعلها جميلة في عين النقد؟
لأنها أخرجت مضمونها في شكل جيد، فرأينا من خلاله كوامن النفس، ودوافع الشرّ، ولوعة الضعف، وقوة الرغبة، وتناقضات ما يجمع بين الضحية والجلاد. فتأملنا النص بمتعة من يستكشف، لا من يتشفّى.
بإمكانك أن تكتب قصةً جميلة عن حبٍ جمع بين نملة وصرصار، وبإمكان آخر أن يكتب نصاً قبيحاً عن بطلٍ قتل الاعداء ورفع العلم.
ما الفرق بين الحالتين؟
في الحالة الاولى اكتسب كلٌ من الصرصار والنملة وعياً بشرياً واقعياً. أما في الثانية فحمل النص أيديولوجيا لاواقعية جعلت القارئ لا يقتنع بإمكان الحدوث.
بإمكان الأيديولوجيا أن تتوسل بالشكل الجميل فتنتج نصوصاً جميلة. لكنها تسقط بالتأكيد حين تكون معتمدة عل مضمونها فقط.
هوذا سر من أسرار جمال النصوص: إمكان الحدوث الواقعي.
بقي أمر هام: هل معنى ذلك أن كل نص يمتع فهو فن، بغض النظر عن أضراره الاجتماعية؟
وجوابي: نعم للأسف.
ولكن منذ متى كان الأدب كله خير؟ ومنذ متى لم يكن الجمال فتنة تغوي وتقف في صف مقابل للأخلاق؟
فإن سألتني: فما العمل؟
لأقولن لك:
دع الناس يكتبون، وسلط سيف النقد على إنتاجهم. ودع الأمر يستمر هكذا. فتلك سنة الحياة.
فإن حدث هذا بصورة متوازنة، راقب الفن نفسه خشية الفضيحة، وتساهلت الضوابط في مراقبته فمنحته من الحرية ما لا يضر قليله.
هي الحياة يا أصدقائي.