الميتا فيرس وإمبريالية المعرفة
بقلم : عدنان الصباح
لقد اعلنت فيس بوك أن اسمها سيصبح ” ميتا ” وهو تعبير عن انتقالها إلى عالم ما بعد الإنترنت أو ما وراء الإنترنت وهو الانتقال من عالم الصورة إلى عالم التفاعل من عالم الخيال إلى عالم الواقع الافتراضي بالدمج بين الواقع والخيال وهو ما سيعني ثورة جديدة في عالم الاتصالات تشبه الثورة الأولى في العالم الرقمي إن لم تكن أخطر فأنت عبر عالم (الميتا فيرس) لن تكون بحاجة كثيرا للانتقال في الواقع إلى حيث تريد بل أنت ستحضر الواقع إليك وكذا سيفعل الآخرون بحيث تلتقون فعلا في اجتماع حقيقي وملموس دون الحاجة للانتقال جسديا وهذا سينطبق على السلعة التي ستأتيك ولا تذهب إليها وحتى على صناعتها بحيث تتمكن من تشغيل آلة المصنع وأنت في فراشك وبالتالي ستصبح كإنسان مكون صغير من مكونات اقتصاد المعرفة وعبد غير مدرك لعبوديته في عالم ” الإمبريانولوجي ” أي إمبريالية المعرفة.
صحيح أن التطور التكنولوجي مطلوب والبشرية بحاجة له على قاعدة رفاهية البشرية والاكتفاء وإلغاء المجاعات والحروب في كل بقاع الأرض إن أمكن وإن الوصول بالاقتصاد العالمي إلى اقتصاد القيمة الفائضة التي توفر مبيعات لشركة أمازون في الربع الأول من عام 2020 حوالي 90 مليار دولار بأرباح وصلت إلى 5.2 مليار دور للميزانية الربعية وهذه الأرباح نفسها كانت أيضا من نصيب شركة فيسبوك وبعكس ما ستبدو الصورة فإن الإرادة الإنسانية إن وجدت ستجعل هناك فرص عمل أكثر توفر دخلا أكثر للعاملين وجهدا أقل ومن المفروض رفع نسبة الضرائب على هذه الشركات العملاقة بشكل كبير كشركات خدمات هوائية 90% من أرباحها بدون أصول ومصروفات عدا القليل من المصروفات الجارية وعلى هذه الضرائب أن لا تكون حكرا على البلد الأم لفيس بوك وجوجل وأمازون وما شابهها بل لكل دول العالم التي تستخدم هذه المواقع في بضاعة عابرة للبيوت وليس للقارات وبالتالي لا يجوز مثلا أن تستفرد الولايات المتحدة الأمريكية بضرائب هذه الشركات لصالحها بينما فحسب تقرير صندوق النقد الدولي فإن دخل الفرد السنوي في جمهورية جنوب السودان 884 دولار في عام 2020 وهذا يعني أكثر من دولارين بقليل لليوم الواحد طبعا إذا اعتبرنا أن هناك توزيع عادل للثروة ففي الولايات المتحدة التي يسجل نفس التقرير دخل الفرد الواحد فيها على أنه 63051 دولار في العام إلا أنه وحسب تقرير مقرر الأمم المتحدة المعني في الفقر المدقع وحقوق الإنسان فيليب ألستون فقد أدان بشدة في تقريره عام 2018 ” الثروة الخاصة والبؤس العام»، معلنًا أن ولاية ألاباما تمتلك «أسوأ معدل فقر في العالم المتقدم ». صدر تقرير ألستون في مايو 2018 وأبرز التقرير أن 40 مليون شخص يعيشون في فقر، وأن أكثر من خمسة ملايين يعيشون «في ظروف العالم الثالث “
ما سنذهب إليه إذن ليس رفاهية البشر بل مواصلة النهب والاستغلال بشكل غير مباشر, ان عالم الميتا فيرس الجديد القادم يشبه بشدة عالم النشالين خفيفي اليد والسحرة الذي يسرقك وانت تراه دون ان تكون قادرا على اتهامه بذلك او مطاردته فمن الطبيعي اذن ان نكون بحاجة لأقصى درجة من التطور واستخدامات التكنولوجيا لكن الاهم من ذلك تحديد الاهداف فاذا كان هذا التطور يعني ايدي طويلة لإمبرياليي عصر المعرفة للوصول الى الجيوب عن بعد ومواصلة افقار الفقراء وزيادة عددهم عبر شركات تعبر القارات للسرقة بدون حماية الدبابات ام اننا بحاجة لفقر عابر للقارات ليحصل على حقه بالقيمة الفائضة من اقتصاد العالم الجديد لصالح الحق بالعمل والتنقل والمأكل والملبس و المسكن والعلاج.
يجب ان يتوقف مع عصر الميتا فيرس عصر الحدود وجوازات السفر وتأشيرات المرور فما دمت قادرا على الدخول الى غرفة نومي بلا استئذان فمن اعطاك الحق بمنعي من الوصول الى أي بقعة في الارض للحصول على الخبز.
سيصبح بإمكان فيس بوك او ميتا الجديدة وجوجل وغيرها التلاعب بالبشر ولكن عليهم ان يدركوا اذا قرر الفقراء وحدهم عدم شراء خدماتهم فسينهارون بيوم واحد فالإمبريالية أيا كانت مسمياتها يجب ان تدرك ان في الجريمة نفسها مهما اكتملت فإن بذرة هدمها التي تشبه حجر سنمار موجودة دائما.