أدب

التجييلُ.. منهجٌ نقديٌّ جديد

قراءة في كتاب "تجييل الكتابة الشعرية في العراق بين التنظير والإجراء" دراسة في شعر الجيل التسعيني" للناقد العراقيّ الأكاديميّ د.سعيد حميد كاظم الوناس

أ.د. وضحى أحمد يونس 

جامعة تشرين/ كلية الآداب/ اللاذقية / سورية

   تُعدّ فكرةُ التجييل الشعريّ والنقديّ فكرةً جديدةً على مستوى الوطن العربيّ والتجييل منهجٌ نقديّ في دراسة الشعر يتابع التحوّلات النوعيّة في بنائية الشعرالموضوعيّة وليس التجييل مجرد تراكم كميّ ضمن زمن محدّد كما اتُهم من لدن بعض الدارسين والباحثين، بل هو منهجٌ شغل حيزاً في المدونة النقديّة وحفر وجوده بجدارة، ومصداق قولنا على نجاح هذا المنهج وجدّته وجدواه ماقالت به الدراسة النقديّة الشاملة والمعمّقة التي بزغ فجرها من العراق الشقيق فكانت من إنجازالأستاذ الدكتور سعيد حميد كاظم الوناس) وقد فازت تلك الدراسة النقديّة ضمن مطبوعات بغداد عاصمة الثقافة العربيّة عام 2013م تحت عنوان (تجييل الكتابة الشعرية في العراق بين التنظير والإجراء، دراسة في الجيل التسعينيّ) وهي فكرةُ تصنيف المنجز الشعريّ و النقديّ في أجيال وقد صنعت تلك الفكرة حركة منافسة بين الأجيال الأدبيّة فأفرزت عن أجيال متنوعة ومتعدّدة وسمت بمنجزها الإبداعي ضمن إطار زمني/ تاريخي، وهذا ما خصّ به المؤلف الجيل التسعيني في العراق بمحاكمة منجزيه الشعريّ والنقديّ بناءً على فكرة “التجييل” فحدّد إطارها وتابع أصولها ونشأتها ومحطات سيرها البارزة تتبعًا لملامح الأصالة والإبداع ومكامن التقليد والاتباع تقييمًا وتحكيمًا، وقد بدأ المؤلف دراسته باحثا في إشكالية تعدّد المصطلح عند الشعراء و النقاد من جانب صلاحيته في التنظير والإجراء فضلًا عن تناول معيار التجييل كمفهوم متنوّع ومتباين.


ولا شك أنّ المشروع الجيليّ مُبَشّرٌ به منذ العقد الستيني استجابةً لنداء التجريب و التجديد ليس في الشعر فقط بل في الحياة الفكريّة والفنيّة عمومًا، وهذا ما أفصح عنه كتاب الناقد العراقيّ من أنّ العقد الستيني قد مثّل هوس التجريب انطلاقًا من تقديرالشعراء للفكر رغم الهوة الواسعة بادئ ذي بدء بين الطموح المنهجيّ و واقع اللامبالاة العبثية التي تجذرت في نفوس الشعراء في الثقافة العراقيّة المعاصرة ،وصولًا إلى ما استدركه الدكتور سعيد الوناس وهو يلاحق النتاج الشعريّ العراقيّ مصنّفًا إياه من الجيل الخمسنيّ بدءًا من جيل الرواد وهم شعراء مدرسة الشعر الحر(قصيدة التفعيلة) حتى الجيل التسعيني وعلى وفق منهجية علمية دقيقة في كتابه (تجييل الكتابة الشعرية)حيث الموضوع الرئيس هو دراسة النتاج الشعريّ التسعينيّ حاضنةً وأُطراً رصد فيه التأثر و التأثير بين الجيل التسعينيّ والجيلين السابق واللاحق حيث وجد الدكتور سعيد الوناس أنّ بنياتٍ ثلاثٍ أوضحت هذا التأثر وهي(النزوح الصوفي،و التنافذ الأجناسي، والتشفير الفني،و…)، وسار البحث سيراً منطقياً فانتقل المؤلف إلى دراسة بنية التجاوز ذاكرًا بنيات الافتراق بين الأجيال المدروسة وذلك تحت عنوانات فرعية مهمة(الفضاء الضديّ، وتمجيد السؤال، والخطاب المعرفيّ، والتشكل السيرذاتي، ومجانية التغريب، والهم اليومي) واختتم بدراسة البنى الشعرية المُبدَعة من لدن الجيل التسعيني و قد سمّاها ( قصيدة الشعر، و قصيدة الومضة، والقصيدة التفاعلية) كما خصّ المؤلف الشعراء التسعينيين أي النصوص المكتوبة في العقد التاسع )معتمداً على تارخ الكتابة لا تاريخ النشر.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ كتاب الناقد العراقيّ”الوناس” يُعدّ مرجعًا مهمًا من حيث السبق إلى منهج التجييل ،والريادة فيه سبقاً إيجابياَ مؤيّداً لسمته العلميّة وهذا ما أشار إليه النقاد العرب ومنهم (الناقد المغربيّ أ.د.عبد المالك أشهبون، والناقد الجزائريّ أ.د. يوسف وغليسي، والناقدة السوريّة أ.د. فاطمة شيخو أحمد، والناقدة الجزائرية أ. د. آمال بو لحمام، والناقدة العراقيّة أ.د. نضال مهدي، والناقد العراقيّ المغترب أ. عدنان حسين أحمد، والناقدة الجزائرية أ.د. وهيبة سقاي، والناقدة العراقيّة أ.د. أمل سلمان،والناقد العراقيّ أ. علي حسين الخباز و….) وهم يطالعون الكتاب ويتابعون تفصيلاته حتى أشاروا بأنّ ” وناس” ناقدٌ متمكن يمتلك أدواته النقديّة بارعٌ في منهجه النقديّ و هو منهج علميٌّ ناجع في تمييز المراحل الشعريّة في العراق، ولعليّ لا أضيف جديدًا عمّا أجادوا في وصف لغته النقدية واستنتاجاته العميقة للنصوص الأدبيّة سوى أن أضيف له بأنّه الناقد الفذ وهو يتناول سمات كلّ جيل بلغة نقدية مائزة ، فقد تجلّى تأكيده على ضرورة الكشف عن المشروع الأدبيّ الذي يتبناه الجيل التسعيني حيث درس ما لا يقلّ عن أربعين ديواناً دراسةً عمودية معمّقةً و شاملةً من دون توسّع زائد بل بأسلوبية الإيجاز الدال و التكثيف المميز، وهو –تمامًا- كما وصفه الناقد الجزائريّ الأستاذ الدكتور يوسف وغليسي (من آيات اختلاف سعيد كاظم عن غيره من النقاد اختلاف فهارس كتبه عن فهارس كتب الآخرين فلا تحنيط و لا تنميط وإنّما هناك مخططات دراسية غيرمعهودة حيث التجاوز،والتجاور، والفعل الجمالي ،وبنية الصمت ،والوعي الشعري ،وهلامية الزمان ،وتعويم المكان، وما شاكلها من المباحث المضادة لمألوف الخطط النمطية المهيمنة على السائد النقدي) وهذه القناعة هي ممّا انتهيت إليها وأنا أطالع كتابه الجديد بمضمونه وموضوعاته وقد سار بنحوٍ جديد نحو مجترحاته التي قال بها “وناس” .
ولم ينسَ بأن يناقش المفاهيم التي اقتربت من مصطلحه”التجييل” حتى ذكربأنّها تتراوح -أي مفاهيم الجيل حسب الدكتور وناس- بين الحركة ،والتيار، والجماعة الأدبية؛ أما منطلقات النظر النقديّ إلى التجييل في هذا الكتاب فهي ثلاثة التجييل العقديّ ،والتجييل التاريخيّ ،والتجييل الإبداعيّ.
فأمّا العقدي فهو الآراء النقدية المعارضة لمعيار التجييل ؛وهي كثيرة وذات تحفظات مختلفة أبرزها – حسب المعارضين – أنّ عشر سنوات لا تُشكّل جيلاً ، وأنّ الجيل يتعلق بالرؤى ؛لابالزمن، وانّ التصنيف الزمني لا يراعي أسلوبية الشعراء، وأفكارهم الخاصة.


وأما التاريخي فهو مرتبط بالظروف الاجتماعية، والسياسية، والثقافية المؤثرة بالشعر ما يجعل الشعر التسعيني المقصود في الدراسة التجييلية متأثراً بأحداث دولية كبرى مثل (انهيار الاتحاد السوفييتي) و(غزو العراق للكويت) وقد تراوح الموقف من هذا التجييل بين القبول والرفض.أما الإبداعيّ فهو فكرة كونية عامة تؤمن بأن البشر منذ بدء الخليقة كلهم جيل واحد محكوم بالحياة والموت ،وما بينهما ؛وبذلك تُعَاملُ القصيدةُ المفردةُ على أنها نتاج جمعيّ وأن قيمة الشعر تكمن في الإبداع وحسب ،و يبدو أن الدكتور سعيد أميل الى هذا النوع من التجييل ،أي التجييل الإبداعي .
وفي أثناء دراسة شعر الجيل التسعيني يهتم الناقد الدكتور سعيد بالحاضنة الاجتماعية والاقتصادية التي أطّرت أشعارهم من أزمات الحرب والحصار و آلام الحرب العراقيّة ،وما قابلها من طغيان الشعر الشبابي، ومواكبة النقد له بغزارة لافتة كما يذكر الناقد الدكتور سعيد كاظم العقبات التي حالت دون انتشار هذا الشعر بسبب مقص الرقيب، وصعوبة النشر في ظل قمع المؤسسات الثقافية التابعة للمؤسسة السياسية،وفد تميّز نقد الدكتور بالجرأة والموضوعية في أثناء عرض الظواهر الشعرية التسعينية التي تبنّت خطاباً مضاداً للسلطة احتوت عليه غالبا قصائد النثر، والقصائد الحديثة المنطوية على تجربةٍإبداعية ذات سمات محددة شكلاً و مضموناً.


أشار الدكتور سعيد إلى أن ظاهرة التجييل التي اختلف النقاد حولها فيما إذا كانت أصيلةً،أو وافدةً على تراثنامن ثقافات أخرفهي ظاهرة تنتمي إلى تقسيم الأدب العربي إلى عصور، وتقسيم الشعراء إلى طبقات فهي أصيلة وبالتالي انتهى الأمرإلى فترة التحقيب إلى عقود ؛إذ لكلّ جيل سمات وخصائص، ولكلّ جيل بيانه الشعري الخاص و كان بيان جيل التسعينات هو قصيدة النثر التي تمّ الدفاع عنها من قبل كُتّابها ،وإثبات قيمتها الإبداعية الموازية للقيمة الإبداعية للقصيدة العمودية. لقد أصرّ الدكتور سعيد على اختيار الجيل التسعيني لتميّزه بكونه نتيجة تراكم أجيال مرتبطة بتحولات كبرى على مستوى العالم ،و العراق و كأنه الجيل الذي يتحمل تبعات قرن كامل وقد حرص الدكتور على تكوين قناعاته النقدية بالاستعانة بالواقع النقديّ و الشعريّ في العراق .
وفي الفصل الثاني و تحت عنوان (بنية التجاور) أوضح الناقد مقصده من استخدام هذا المصطلح و هو التجاور الجيلي أي تأثر الأجيال اللاحقة بالسابقة متذكرا مقولة الشاعر التسعيني (باسم فرات) في إحدى قصائده : (منَ منّا لم تبلّله أنشودة المطر/ و تُغرق سُفنَه في بويب) فقد تأثر الجيل التسعيني ببدرشاكرالسيّاب رائد الهدم والبناء في الشعر العربيّ الحديث،رائد الحداثة في إنجازيها:
الأول: منح القصيدة العربية الحديثة بُعداً قومياً تاريخيا حضارياً أعاد إنتاج الماضي .
الثاني: منح القصيدة حساسية العصر.
واتّخذ التأثر بالسياب عند الأجيال التالية له إلى نوع من التقديس إلى درجة أن بعض الشعراء وثَّقوا مفرداتٍ شخصيةً من حياة السياب في شعره من مثل قصيدة الشاعر عبدالسادةالبصري في نصّه المُهدَى إلى السيّاب روحاً لن تغيب:
حينما جلست إقبال عند الموقد
تقلب وريقات الذكرى
داعبت خصيلاتها القصائد
و شاكستها وفبقة
أكانت تغار منها أم
من المرض رفيقك المستديم
(ابنة الجلبي)باعت شناشيلها
و اشترت شمعدانا

توغّل الناقد في سمات الشعر التسعيني تأكيدا لأهميته وتـأثيره وركّز على كونه شعر يهتمبنشر المعرفة والقيم الإنسانية الرفيعة وتصديق ذلك يتوضح في النزوع الصوفي المهيمن على الشعر التسعيني والمتجسّد بالاندماج الروحي و الرؤيا الكونية. كما توقّف الناقد عند التنافذ الأجناسي الذي يتسم به الشعر التسعيني ويعكس مرونة أشكاله التي تسمح بتداخل الأسطورة والحكاية الشفهية كل ذلك في مواجهة الرقابة.
لقد أشاد الناقد مع الشعراء التسعينيين إعجابا ًبشعرهم ،واستيعاباً لقضاياه الفنيّة والموضوعيّة وتجلّى تعاطفه غالبا بذوق رفيع في اختيار الشواهد الشعرية على أفكاره النقدية مكثرًا من الشواهد المعبرة عن واقع الحال العراقيّ في عصرنا الحاضر من ذلك اهتمامه بـ(كتاب الموتى) ديوان مازن المعموري ومن قصيدته (ترتيل) يختار الدكتور سعيد مايلي:
ألمس الظلام / أقبع في الظل /أسحب خوفي داخل كيس من رماد/ذلك الشفق/ يلوح بالنهاية /الظلمة والعالم الآخر).
ومن الشواهد الجميلة التي أجاد الدكتور “سعيد الوناس” في اختيارها وعرضها الشاهد التالي للشاعر أحمدعبد الحسين وهو شاهد على الفضاء الضديّ الذي أكثر الشاعر التسعيني من التحليق في ارجائه من قصيدة (جنة عدم) يختار:
إن تكن جيوشٌ تكن الموازينُ مترفةً،و منسيةً كحدائق أنضجها
القحطُعلى مهل
والحكمة ُهذه الكنوزُ السوداءُ في فم الذئب تلجئك
الى قرينٍ حيّ يرفعُ حديدَه الصديء عالياً
تحيةً للعدم )
استنبط الناقد أهم السمات التي شكّلت هوية للشعر التسعيني في العراق و في مقدمتها غلبة السؤال لأنّ السؤال هو مفتاح الحقيقة وهومواجهة و معاناة و مكابدة للفقر و الجهل فكثرت عنوانات من مثل: (بيوض الأسئلة) (خريف الأسئلة) (ما يتعطل من الأسئلة) (سؤال بسيط جدا ) (سيمياء الأسئلة) الخ الخ … ومن المهم ذكره تأكيد الناقد على أن الخطاب المعرفيّ المحمول على الشعر منذ الخمسينات من هذا القرن هو نظير الحداثة الشعرية فيما أسس من رؤى التغيير و التجديد .
ويؤكد الناقد أن الجيل التسعينبي يشكّل مرحلةً مفصليةً في تاريخ الثقافة العراقيّة و ليس في تاريخ الشعر العراقيّ وحسب ما يدفعنا الى عدّ مشروعه النقديّ هذا مشروعاً متكاملًا و ذلك لتعدّد الأشكال،وتباين الأنماط،، و حجم التجريب ،والنضوج ،والتطور، و استحسان جمهور القرّاء، و ابتداع أشكال كتابية بصرية استثمرت بياض الورقة، وتشكيلات الحبر، و طريقة رسم الكلمات كل ذلك الغنى أتاح لهم التشفير الفني تجنبا للخطر المحدق بهم حتى كادت أشعارهم برموزها و انغلاقها تحاكي الصمت يقول ياس السعيدي:(وكم صمتوا /و بعضُ الصمت حبٌ /إني أرى دمهم يحاربهم / إني أراهم /يُقتَلون فيكبرون)

في الفصل الثالث المعنون بنية التجاوز يثبت الدكتور “سعيد الوناس” انقطاع القصيدة التسعينية عن أبيها و التحاقها بأمّها ؛أيّ المعاناة بصدقها الفني و الموضوعي ما يؤكد أن التجاوز سمة كلّ جيل في نظرته إلى الجيل السابق له وهي نظرة تمثل واقتداء و في نفس الوقت هدم و تجاوز في مستوى الاداء الشعري و كلّ هذا مطلوب في الحداثة سمة التجييل.لأن العلاقة بين الأجيال الشعرية هي امتداد حي وتفاعل بديهي نظراً للمشتركات بينهم؛ الغنائية الرومانسية ،و الموضوع الإيديولوجي، والموضوع التاريخي مع الحفاظ على الاختلاف ومراعاته ؛فتنوع الشعر دليل عافية؛ و المهم في نظرة الدكتور “الوناس” إلى التجييل هو علاقة الأجيال بعضها ببعض وهي علاقة تمثّل ،واقتداء؛ علاقة هدم وبناء في آن معاً في مستوى الأداء الشعري
وفي محور آخر من محاور البحث الهامة محورالتغريب يتابع الدكتور “سعيد الوناس” علامات التجاوز في مستويي الموضوع والبناء الشعريين حيث شكّل الشاعر التسعيني في هذا المحور مفارقة عن طريق الاستعارة التي يطغى عليها معنى المعنى و تعرّض الشعر فيه الى المراوحة بين الحفاظ على الأصالة وبين الانبهار بالنموذج الغربيّ ما قاد الناقد الى التعريج على الغرائبية الخصيصة التي لازمت شعرهم بسبب الخوف والقهر وطغت بالتالي فكرة البحث عن مصير الشعر و الشاعر؛وهنا يقف الناقد عند الشاعر نوفل أبورغيف القائل :
( أنا العراق سماواتٌ موزعة
على الجهات و ممتدٌ و لا أمدُ
أنا الحروب التي تنسى خسائرها
لتستمر و قتلاها لها مدد
لأحملّنك فجرا أستفزّ به
ليلَ القوافي و من أطرافه أفدُ )
لقد نجح التسعينيون حسب رؤية الناقد العميقة بإضافة الكثير من الملامح التجديدية رغم الحفاظ على أصالة التراث العربيّ القديم الذي نهلوا منه اللغة ،والصور ،والأساليب وقد تمّ رصد التجديد في مركزية الإيقاع الشعريّ في متن القصيدة جمعاً منهم بين الصور الواقعية والرؤى الخيالية مع الإفادة من التناص و التكثيف.. و لايخفى فقد عرّج الناقد في نتاج التسعينيين على قصيدة الومضة أحد أهم امتيازاتهم رغم ما لها من جذور و إرهاصات قبلهم على نحو ومضة الشاعر ماجدالشرع: (وجهك عشب / لذلك يبرق / موسيقى مدمرة)
وقد برع التسعينيون حسب الناقد في القصيدة التفاعلية التي تحررت من التكرار والتقليد، و مالت بقوة نحو الخصوصية الذاتية و رائدها الشاعر (مشتاق عباس معن) الذي تميّزت تجربته بالإبداع،و التجريب ،و التجديد وحمل في قصيدته مشروعه الخاص الذي أفضى به الى ابتكار النص التفاعلي الرقمي العربي الأول (تباريح رقمية لسيرة بعضها أزرق) حيث جاءت مواكبة لتطورات العصر هادفة إلى تفعيل حواس المتلقي ،و شكّلت رافدًا للحركة الشعرية وتميّزت بجدّة الشكل و المضمون و فرضية الخيال الكامل حيث توفر لها النص الحرفي ،و الموسيقى، و الأداء الفني،و المساحة اللونية، و اللوحة المرسومة ،و الصورة الفوتغرافية المعبرة.
خاتمة
انتهى الدكتور سعيد إلى الاستنتاج بأنّ مشرو ع الشاعر التسعينيّ هو مشرو ع يرفد مسيرة الأدب العراقي و الى التأكيد على أن هناك أسبابًا كثيرةً اقتضت دراسته أهمها ضخامة النتاج الأدبيّ التي تقتضي بالضرورة تبدلات شعرية في المشهد الشعري، و في الثقافة،و تمايزاً بين الأجيال كما رفدت النقد أيضاً حيث استنفرت المدونة النقديّة كل ذلك بلغة نقدية تنثال عذوبة سلسة تواكب منهجاً علمياً دقيقاً في دراسة تفصيلية بأدوات حجاجية واستدلالية ناصعة مؤكدًا على أن الاقتصار على الإطار الزمني يضعف رصانة التصنيف الجيلي الذي يتكامل بثلاثة عناصر هي الزمني والأسلوبي و الفكري خاتمًا رؤيته بالتجييل الإبداعيّ، و ممّا رسخ قناعة الدكتور بأن النتاج التسعيني ما يزال مهيمناً على الساحة الأدبية متسيّدا لها لترسيخه عناصر البقاء في القصائد الشعرية و الومضات التفاعلية .

وفي ختام قولي إنّ كتاب الناقد العراقيّ “أ.د.سعيد حميد الوناس” يُعدّ منهجًا نقديًا مؤسسًا ينهل منه الدارسون والباحثون جدته وجديده منهجًا وتحليلًا ولغةً نقديّة مائزةً و كلّ ذلك لما فيه من الغنى و الرصانة التي انماز بها هذا الكتاب النقديّ الرائد الذي تملؤه المتعة والفائدة و التشويق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى