طيور الفينيق
عبد الناصر صالح | فلسطين
( إلى “كفر قاسم “حاضنة الشهداء)
في زَمَنِ الخَوْفِ /الرقِّ
الخِصْيانِ /الجُبَناءْ
في زَمَنِ سلاطين القَهْرِ
وغَطْرَسَةِ الأعداءْ
في زَمَن الأحياءِ المَوْتى
والمَوْتى الأحياءْ
في زَمَنِ أُفولِ الحقّ وزَحْفِ الباطِلِ
شيّدتُ حُصوناً في فَلَوات الأرضِ الرَّحْبَةِ
أرسَيْتُ قلاعاً في وجه الّليلِ
وأعلَنْتُ أمامَ طُغاةِ التّاريخِ
بأنّكِ أسلحةُ الفُقَراءِ
وخُبْزُ الفُقَراءِ
ومأوى الفقراءْ
عَمَّدْتُكِ روحي وَدَمي
نادَيْتُكِ : جَسَدي مِتْراسٌ
جَسرٌ للرَّغباتِ المنفيَّة في الصَّحراءْ
وكتابٌ للأفكارِ الثَّوْريةِ
فليقرأ كلُّ المنفيينَ بأمرِ الأممِ المتَّحدهْ
كلُّ المضَّطهدينَ بأمر سلاطينِ العَصْرِ
وكلُّ المقتولينَ بسيف الدُّخلاءْ
نادَيْتُك:
هذا سيفُكِ مَعْروضٌ للبَيْعِ على شَرَفِ الزُّعماءْ
هذا جِلْدُكِ صارَ الموطئ للْغُرَباءْ
هذي فَرَسُكِ تَتَقاذَفُها الرّيحُ
إلى مُدُنٍ شاحبةٍ جرداءْ ..
نادَيْتُكِ والحزنُ نَديمي
آلهةٌ رسَمَتْها الأَيْدي الموبوءةُ
أعطاها الحقدُ المُتَجَذّر مِفْتاحَ التَّكوينِ
وأدْخَلَها دُنيا الأعباءْ
جَزّأَني الوَقْتُ
فأصبَحْتُ بلاداً لا تَحْمِل عُنواناً
لغةً لا تَحملُ مَعنى
أسقطُ في حُلُم ٍيَصِلُ الشَّرْقَ بأعصابِ الثَّوْرةِ
ما خَفَّتْ في اللَّيْلِ مَوازيني
ما خَفَّ جناحي
شاهَدْتُ سَحاباً يحملُ مَطَرَ نَبوءاتٍ
فَصَرَخْتُ : بلادي
وفَتَحْتُ نَوافِذَ عِشْقي السِّريَةَ
أبْحَرْتُ بأعماقِ المَوْجِ القادمِ مِن عَيْنَيْكِ
فأدْرَكَني دَمُكِ المنثورُ على الأصدافِ وَجَبْهاتِ الماءْ
ناديْتُكِ:
ماذا قالت عنقاءُ الجُثَثِ المصلوبةِ فوقَ تُرابكِ ؟
ماذا قالت أسرابُ الفينيقِ المَحْروقةُ فوقَ صُخورِك
أشلاءً أشلاءْ ؟
ماذا قالت أرواحُ الشُّهَداءْ ؟
ماذا قالت؟
قالت:
يَلْجُمني وَقْعُ دَمي / دَمُكِ
وَدَقّاتُ السّاعاتِ الأولى منذُ الميلاد
رأيتُ الفاشيينَ بأقنعةٍ عمياءَ
يَدوسون الإنسانْ
ورَأيْتُ الطّوفانْ
ورأيْتُ جُموعَ الشُّهداءِ مَتاريسَ
على أبوابِكِ ..
ورأيْتُ الأشبالَ على طُرُقاتكِ أشجاراً تَكْبُرُ
ورأيْتُ على مَرْفأ عَيْنَيكِ الأسطورةِ
أطفالاً في الشَّمسِ
وأشباحاً في النّيرانْ
ورأيْتُ طيورَ الفينيقِ على مَذْبَحِهِمْ قَتلى
ورأيتُكِ…… آهٍ
رأيتكِ
عَمَّدتُكِ جَسَدي ودَمي
ووَهَبْتُكِ عُمْري الباقي في اللَّوزِ وفي الزّيتون ِ
مَنَحْتُكِ نَهرَ دَمي الجاري
ماءً صافية لِسُهولكِ
قلبي تُفّاحَةَ عَصْرِ الفُقَراء
وقنبلةَ الزَّمنِ الآتي ..
هل صِرْتُ لموتكِ عُنْواناً؟
أم مأوىً للحُزن الماطرِ من عَيْنَيْكِ؟
انشَقّتْ كُلُّ بِحارِ الغُرْبَةِ
وابْتَلَعَتْني
هل أعشَقُ في وَطَني ؟
جُمهورُ الفُقَراءِ يَعُدّ العُدَّةَ للفَجْرِ
يُواصلُ في عُمْقِ الأَرض مَسيرَتَهُ
يقتلِعُ جذورَ الخَوْف الصُّوَري ِّ
فهل أخْتَرِقُ قوانينَ الزُّعماءِ الأنذالِ
وأبني صَرْحاً للثّورة ؟ِ
يَحْرقني نَبْضُ الشوق إليكِ
ونَبْضُ الثّورةِ
يَحْرِقُني نَبْضُ العِشقِ
وحبّاتُ المَطَرِ الرّافض تَقْرَعُ نافِذَتي
تَنْهَمِرُ على جَسَدي المُغْتَرِبِ
وتَلْثُمُني
هذا المَطَرُ الرافِضُ يَلْثُمني
يَلْثُمني
لا أذكرُ كيفَ كَتَبْتُ إليكِ مع المَطَرِ
رسالةَ حبٍّ
فيها لونُ الزَّيتون المُتَفَتّحِ
فيها لونُ الرّمل ولونُ البحرِ الهادرِ
لا أذكر كيف بَكَيْتُ
وعانَقْتُ المَطَرَ الرّافضَ
لا أذْكُرُ كَيْفَ تَسَلقْتُ حِبالَ الحُزْنِ
وأعلَنْتُكِ أيْقونَةَ هذا العَصرْ…
الآنَ انْزَلَقَتْ مِنْ أَهْدابِ اللَّيْلِ غُصونُ المَوْتْ
الآنَ بَكَيْتْ
وشَرِبْتُ مَرارةَ حُزْني
نادَمَني الحُزْنُ/السِّجْنُ /المَوْتُ/الميلادْ
وبَصَقْتُ على التّاريخ المَرْصوف بباقاتِ الزَّيْفِ/
القتل الدّائمِ/
وسِياطِ الجَلاّدْ
الليلةَ زُرْتُ بِلادي
الليلةَ زارَتْني كلُّ طيورُ الفينيقِ
بأجنحةٍ خَضراءْ
الليلةَ زارَتْني حبّاتُ المَطرِ الرّافضِ
واختَلَجَتْ دَقّاتُ القَلبِ الرّاجفِ
قلبي المشلول من الحُبّ/ السّجنِ/ المنفى
يَنْقُلُهُ المَوْتُ إلى المَجهولِ
إلى المَنْفى
ويَراكِ
يَراكِ
يراكِ
سراباً في الّلوْن الأزْرَقِ
بَيْتاً مهدوماً مُقْفِرْ
الرُّؤيا تَهْرَمُ في المَهْجَرْ
النَّظْرَةُ تَهْرَمُ في المَهْجَرْ
وعيونُكِ في المَهْجَرِ/لا أدري
هل أعشَقُ في الهَجْر عيونَكِ
هذا الرمل المُخْضَوْضَرِ يوشكُ أن يَتَعَرّى
يوشِكُ أنْ يَتَجَمَّدَ هذا الرَّملْ.
…….
الليلةَ نِمْتُ بكامل حُزني
الليلةَ ايقَظَني وَجَعي المُمْتدُّ
من النَّهْرِ إلى البَحْرِ
وأرَّقَني صَمْتُ الصَّحْراءِ
وصَمْتُ الشُّعَراءْ
وترَجَّلْتُ
أنا الفارسُ فَوْقَ حِصانِ الوَطَنِ الجامِحِ
لم أسقُطْ
قد أنْزِفُ لكِنْ لَنْ أسْقُطْ
قد يَكْبو في اللَّيلِ جَوادي
لكنْ لن يَسْقُطْ
لنْ نَسْقُطَ يا حاضِنَة الشُّهَداءْ
عَمَّدتُكِ روحي وَدَمي
وَبَنَيْتُ عَلى شُطآنك جِسْراً
للرُّؤيا المَفْقودةِ
فليَدْخُلْ كلُّ المَحْرومينَ
المُضْطَهَدينَ
المَدفونينَ
بِأمرِ مَراسيمِ السّاداتِ الجُبناءْ
نادَيْتُكِ
فَاخْتَلِطي بِدَمي المُهْراقِ على شطآنِكِ
وانْتَشري كالوَرْدِ على قلبي
وتَعَرَّيْ من قاتِلكِ المُسْتَوْرَدِ
من أجْهِزَةِ القَمْعِ
وفَذْلَكَةِ الزُّعَماءْ