ضلالة هداية.. الثائر المتمرد (١٢)
رضا راشد | الأزهر الشريف
سبق أن رجحت أن محمد هداية في تحولاته الكبيرة من النقيض للنقيض لم يكن ذلك العالمَ المجتهدَ المتجردَ للحق الدائرَ مع الدليل حيث دار، بحيث يقول الرأي ثم يظهر له خطأ استدلاله فيدفعه تجرده للحق إلى المجاهرة بخطئه والاستعلان بتحوله، كما هو دأب العلماء من أهل الحق غير مبالين بما يترتب على ذلك من نظرة الناس إليهم .
لم يكن هداية ذلك الرجلَ، بل كان الرجلَ المستخفيَ بهدف خبيث يتحرك بين جوانحه كأفعى تتخفى بين الأحجار حتى لا يحس بها أحد؛ التماسا لغفلة فريستها لتنقض عليها انقضاضة واحدة فتنفث فيها سمومها فترديها قتيلة. وكذلك فعل محمد هداية:كان يمشي الهوينى -في طريقه لغايته- كما يمشي الوجِي الوحِل(والوجي: هو الذي يشتكى حافره، وذلك مما يبطئ سيره، فإذا كان يمشي في الوحل فهو أبطأ لسيره) فظل يراوغ -في بداياته – مستخفيا بالتقية، يغازل الناس بما يعتقدونه، وإن كان يغالبه -أحيانا- تكتمه فيتفلت منه ما يدل على مكنون قلبه، بقصد أو بلا قصد، وكما قال ربنا: {ولتعرفنهم في لحن القول } [محمد:٣٠] كان محمد هداية يفعل ذلك؛ تربصا وانتظارا للوقت المناسب الذي يستطيع فيه أن يخلع عن نفسه رداء التَّقِيَّة (وهي عقيدة شيعية يراد بها أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن لدواعٍ معينة ) ويستعلن بقبيح فكره وخبيث عقله وقلبه؛ كما خلعه الآن أصحاب العمائم السوداء من كبار مراجع الشيعة، فاستعلنوا بقبيح عقائدهم؛ اطمئنانا إلى أنه قد مضى زمن التقية !!.
وقد واتت هدايةَ الفرصةُ أخيراً، فانطلق لسانه من أَعِنّٓة (جمع عِنان، وهو: اللجام الذيتمسك به الدابة)التقية والحذر، فتقيأ على الناس قيحا وصديدا ..وتمثلت هذه الفرصة في حدثين:
أولهما:ثورة الخامس والعشرين من يناير(سنة٢٠١١م)، تلك التى قوضت أركان أقوى نظام في العالم العربي آنذاك، في مهمة كادت تكون مستحيلة. هذه الثورة كانت لها آثار عديدة في شتى الجوانب، منها أنها شجعت الناس على التمرد على كل نظام سائد وعرف قائم :(حسنا كان أم سيئا) كان يُظَنُّ به أنه لا يمكن تغييره؛ إذ ما كان يُظَنُّ أنه مستحيل قد غدا ممكنا.
في هذه الآونة – لمن عايشها – تمخضت الأحداث والصراع الدائر-كان- عن مصطلحين كانا يترددان بكثرة على مسامع الناس، وفي الصحف والمجلات والبرامج التليفزيونية التي تحولت كلها-حتى الرياضية منها- إلى برامج سياسية ..هذان المصطلحان هما (الثورة) و (الثورة المضادة)..يعنون ب(الثورة): ما قام به الشباب من تمرد على نظام الحكم في مصر ؛ إزالة لفساده، وتنفسا لنسائم الحرية، واستبدالا لنظام صالح عدل بنظام فاسد جائر=كما كانوا يعنون بـ(الثورة المضادة): ما كان يقوم به فلول النظام السابق من محاولات مستميتة دفاعا عن بقائهم، باستعادة زمام السلطة من جديد ..وكان صراعا مرا في كل الميادين، وبينما كان مصطلح (الثورة) محمود السيرة حسن السمعة يتصف به كل مُضَحٍّ بنفسه من أجل بلده، كان مصطلح (الثورة المضادة) سيئ السمعة قبيح السيرة؛ إذ كان يتصف به حينذاك كل فاسد مفسد(من أصحاب الطابور الخامس) لا يبالى أن يقذف بالبلاد في جحيم الفتن؛ حفاظا على مصالحه الخاصة .
هنا وجدها محمد هداية فرصة سانحة ليقدم نفسه للناس على أنه (الثائر المتمرد )، مسقطا مصطلحات الواقع السياسي ومفاهيمه على الواقع الدعوي (ولم لا؟! أليس هو من قدم للناس على أنه الداعية الإسلامي ذو الفكر الجديد؟! ) ليعلن ثورته على الدين الذي طالما تعبدت به الأمة(سلفها وخلفها) لربها على مدى خمسة عشر قرنا: بثوابته، ومسلماته، وما هو منه معلوم بالضرورة.
ففي الحلقة الثانية من برنامج (هل يختلفان ، الجزء الأول، الدقيقة الأولى ) قال المذيع: “إننا في عصر الثورة حضرتك عملت لنا ..فقال هداية-ضاحكا-: ثورة، ليواصل المذيع:ولكننا نخشى أن تكون هناك ثورة مضادة، فقال هداية:بكل تأكيد، ليواصل المذيع: المهم أن تكون ثورة سلمية فقال هداية: إن شاء الله” انتهى الكلام.
وهذا رابط الحلقة: https://youtu.be/_A_EqCSgB84
فهذا الذي كان بين المذيع- المريب، كما رجحت من قبل- وبين محمد هداية لا أظنه وليد الصدفة المحضة، بل هو عندى مما يرجح أنه كان بترتيب مسبق (في الإعداد للحلقة) أراد به هداية الاحتياط لنفسه بالتمسح بالثورة؛ تزيينا لفكره من ناحية = وتشويها لأهل الحق (من العلماء الذين حافظوا على دين الأمة وعقيدتها وصحة مفاهيمها طوال خمسة عشر قرنا من يتوقع منهم أن يقفوا لهداية في ضلالاته بالمرصاد؛ ذبا عن دين الله) من ناحية أخرى، بإضفاء مصطلح (الثورة المضادة) – سيئ السمعة – عليهم؛ جريا على المنهج الإبليسي القائم على تزيين الباطل (دعوة له) وتشويه الحق (صدا للناس عنه) .
وفي ذلك تلبيس أي تلبيس.فشتان شتان بين ثورة قام بها الشباب تمردا على نظام ظالم جثم على صدور الناس عقودا ثلاثة، وببن دين حق جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، دستوره القرآن والسنة بلسان عربي مبين، فهمه أهل هذا اللسان وقدموه للناس في تفاسيرهم وشروحهم للحديث، فهدوا به الناس من الضلالة وأرشدوا به من الغواية،عنوان هذا الدين :(لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وشتان شتان بين فلول نظام فاسد ثار الناس عليه حتى أسقطوه بدمائهم، فرأوا في نجاح تلك الثورة نهاية لهم، فاستماتوا في الدفاع عن كراسيهم بكل وسيلة، وأشعلوا نيران الفتن استعادة لزمام السلطة= وبين علماء نذروا أنفسهم حراسا أمناء على دين الله فهم بالمرصاد لكل من تسول له نفسه التسور على هذا الدين الصحيح بالمفاهيم المغلوطة كما يفعل هداية، هداه الله.
لبَّس هداية على الناس بتسمية ما يقوم به من تدمير لمفاهبم الدين الصحيحة: ثورة، ثم بتسمية ما سيقوم به أهل الحق بيانا لأغاليطه ودفاعا عن دين الله:ثورة مضادة.
في انتهازية خبيثة لا يقوم بها إلا أمثال هداية؛ مغازلة للناس، بدليل ما كان يعلق به على الأحداث وقتها في نهاية الحلقات تعليقا يتبنى مفاهيم الثورة.
فهل كان محمد هداية ثائرا حقا؟!
يجيب شيخنا الشعراوي رحمه الله بقوله:”الثائر الحق: هو من يثور ليهدم الفساد، ثم يهدأ ليبني الأمجاد”، فأي فساد كان في الدين ثار عليه محمد هداية؟! وهل هدأ بعد ثورته ليبني الأمجاد؟!
لقد انتهى به أمره إلى أن ثار على السنة فأنكرها، وثار على الصلوات الخمس فزعم أنها ثلاث ثم كأنه خشي مما سماه (الثورة المضادة) فانقلب على عقبيه خاسئا وهو حسير، وثار على شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم فأنكرها، وثار على المعراج فأنكره، وثار على خروج عصاة المؤمنين من النار فزعم أن العاصي من المؤمنين مخلد في النار أبدا ..وهلم شرا وشرا وشرا. ثم إنه لم يهدأ بعدُ حتى الآن، ليقدم للناس مفهومه المزعوم للدين؛بل كان كأ من ثور هائج قيد طويلا، ثم فك عنه قيده أخيرا فهو لا يزال يركض هنا وهناك مفسدا لكل ما يأتى عليه عابثا بعقيدة الأمة وثوابتها بذريعة الثورة على الدين الحق ثم كأنه لم يجد من تلوقت بعد ما يجعله يهدأ ليقدم مفهومه المزعوم للدين، دينا يعطل مهمة النبي صلى الله عليه، ويقوم على الهوى بحجة الفهم المستنير، فينتهي بصاحبه إلى أن يتخذ إلهه هواه غيخلد في نار جهنم أبدا.
أرأيتم كيف استغل محمد هداية حدث الثورة ليتفلت من قيود الخوف وأغلال الحذر التى كان من قبل متقيدا بها متقلدا سيف شجاعة في الباطل؟!
هذا عن الحدث الأول الذي شجع محمد هداية على خلع رداء التقية الذي كان يرتديه استخفاء بخبيث فكره وعفن مذهبه..فماذا عن الحدث الثاني؟ هذا هو موضوع المقال القادم إن شاء الله تعالى.
يتبع