حكايات شهريار.. قصة يعقوب (5)
شرين خليل | مصر
اللوحة للفنان يوجينيو زامبيجي
دخلت فتاة رائعة الجمال تسأل عن صاحب العمل فلقد قرأت إعلان في الجريدة عن وجود فرص للعمل وجاءت من أجل ذلك ..فأنا أصبح لدي سلسلة مطاعم و نشرت هذا الأعلان لكي أكون سببا في فتح بابا للرزق لأشخاص كثيرة تحتاج إلي عمل ..
قابلتها وهي لا تعلم أني صاحب العمل قدمت لها نفسي تعجبت بشدة . فأنا أرتدي زي العمال العادي وأعمل معهم كأننى واحد منهم قلت لها هذه طبيعة العمل معي فأنا أراعي الدقة والضمير والعمل معي سيكون شاقا عليكي ..
قالت لي أنها تحتاج إلى العمل فهي إبنة وحيدة ليس لها إخوه وتعيش مع أمها حياة بسيطة وسوف تتفاني في العمل وعرفتني بنفسها وأن إسمها روزيلا ..
وجدت نفسي أنجذب لها ولا أستطيع إخفاء إعجابي وإهتمامي بها .
فأنا لأول مرة منذ أن جئت إلى هذه البلد يدق قلبي حبا بهذه الشدة. أخبرتها بإنها ستكون تحت التدريب لفترة وبعد ذلك سوف يكون العمل بشكل رسمي ..
إعتبرت فترة التدريب إختبار لمشاعري وليست لكفاءتها في العمل .
كنت أراقبها معظم الوقت وفي أخر اليوم أقوم بتوصيلها الى منزلها .
وأصبحت جزءا من حياتي أتحدث معها بإستمرار وتعددت خروجاتي معها إلي أن صارحتها بحبي لها وهي أيضا تبادلني نفس الشعور ..
لذا لن أنتظر وطلبت منها الزواج فلأول مرة سأتزوج بقلبي..
قررت أن أرسل رسالة إلى أمي لأخبرها ولكني وجدتها تخبرني بأن أم ويعقوب قد ندمت ندما شديدا وإنفصلت عن زوجها وتريد أن تأخذ يعقوب وذهبت لأمي وأخبرتها ان بعض الأشخاص هم من أثاروا الفتنة و بيني وبينها والغريب أن هؤلاء الأشخاص من أصدقائي الذين مددت إليهم يد العون ولم أتأخر عنهم في أي مساعدات سواء مادية أو معنوية لكن الغيرة والحقد هي من دفعتهم بفعل ذلك.
طلبت أمي مني أن أعود لأم يعقوب فهي لم تستطع العيش بعيد عن إبنها وفي مقابل ذلك تنازلت عن كل حقوقها لزوجها حتى ينفصل عنها ويتركها . كانت أمي سعيدة بهذا الخبر فهي تريد أن يتربى يعقوب بين أمه وأبيه ولكني صدمتها حين أخبرتها بإنني لن أعود إليها و سأتزوج من روزيلا فهي فتاة أحلامي ولن أتركها فأنا لست لعبة في يد أم يعقوب ولن أتنازل عن مبدأي .
غضبت أمي غضبا شديدا وإتهمتني بالأنانية وهددتني أنها سوف تقاطعني لو تزوجت من هذه المرأة وجدت نفسي أنفعل على أمي وأرد عليها بلهجة غضب شديدة فانا من حقي أن أعيش حياتى كما أريد .. تزوجت من روزيلا وسافرنا لقضاء شهر العسل وكنت أشعر أنني أمتلك العالم فروزيلا حقا إسم على مسمى فهي جميلة كالورود مشرقة كلما أقترب منها أشعر بالحياة التي لم أشعر بها من قبل أحببتها بكل جوارحي وجدت فيها كل ما أتمناه ،خففت آلامي وداوت جراحي كان لديها من الحنان ما يكفيني ومن العطاء مايغنيني ونسيت معها كل شيء حتى أمي وإبني وبعد فتره وجدت رسالة من أخي يخبرني أن أم يعقوب أخذت يعقوب فهو من حقها الأن وأمي غاضبة فهي التي قامت بتربيته منذ أن كان طفلا رضيعا فأمي تشعر أنها هي أمه ولكنها في نفس الوقت تتعاطف مع يعقوب ومع أمه وتري أن الولد لابد أن يشعر بحنان أمه وعطف أبيه وأخبرني أيضا أن أم يعقوب بسبب ظروفها المتعسرة تعمل في إعداد المأكولات لطلبة المدارس تستيقظ مبكرا من بعد أذان الفجر وتبدأ في تجهيز المأكولات المختلفه وجميع أنواع السندوتشات وتأخد يعقوب معها وتقف علي عربة صغيرة أمام مجمع المدارس وهذا الأمر يغضب أمي كثيرا لأنها تخاف علي يعقوب بشدة ولا تريده أن يتربى بهذه الطريقة وعلي الرغم من مساعدات أمي لها وأهتمامها بها وبيعقوب إلا أنها تصر علي هذا العمل ..
لم أهتم لرسالة أخي فأنا أعلم جيدا أن أمي تريد أن تجعلني أتعاطف مع أم إبني وأرجع لها فبالتأكيد هذه حيلة منها وأنا مطمئن على يعقوب فهو مع أمه .
مرت أيام وشهور وأيضا سنين وأنا أعيش في هذا السلوان وجاء خبر زاد من سعادتي فزوجتي حامل كنت أخاف عليها من كل شئ وأراعيها حتي يتم الحمل علي خير .و قررت بعد أن تلد وتسترد صحتها بأن نسافر إلي مصر لكي أتصالح مع أمي فهي بالتأكيد عندما تري طفلي الصغير ستفرح كثيرا وتنسي كل شئ .فهي لم تتركني فدوما ترسل لي رسائل شديدة اللهجة فيها من الإهانات مايكفي .
وجاء اليوم المنتظر وأرسلت لأمي رسالة رجوتها أن تدعو لروزيلا لإن ولادتها متعسرة وبالفعل دعت لها أمي وبدأ قلبها يحن ويتعاطف معي .وأنجبت روزيلا ولدا رائعا يشبهها في جمالها .
ويعد عدة أشهر سافرت أنا وروزيلا وإبننا إلي مصر وكانت أجازة رائعة أمي فرحت بطفلي الصغير وأهتمت بروزيلا وعاملتها معاملة جيدة علي عكس المتوقع ولكن هذه أمي أعرفها جيدا تظهر أحيانا القسوة ولكنها لديها قلب من أجمل وأرق وأطيب القلوب .
جاء يعقوب ليقضي مغي فترة إقامتي في مصر أحضره أخي .
كان يعقوب حديث البلده . يتحدث أهل البلدة عنه فهو يجلس بجوار أمه ويساعدها وهي تعد المأكولات وتبيعها .
الجميع يتمنى أن يكون له ولد مثل يعقوب .هذا الصغير الذي لم يتجاوز عمره العاشرة من يراه ينجذب له تجد فيه براءة الاطفال وأيضا رجولة تسبق سنه . متفوق في دراسته محبوب بين أصدقائه . شخصيته تختلف عن شخصيتي فهو منذ الصغر إعتاد علي تحمل المسؤلية ..
لم يترك أمه وهو معي وكان شديد الإهتمام بأخيه ..رأيت في يعقوب الأمل والسند ..
سافرت وأنا أشعر أنني تركت جزء من قلبي ولكن ماذا أستطيع أن أفعل فيعقوب وجوده مع أمه أفضل من وجوده معي.
وبعد فترة مرضت أمه مرضا شديدا وتوفت.
ذهب يعقوب لأمي مرة أخرى شعرت وقتها بالذنب فسبب مرضها الشديد هو إستيقاظها المبكر في الأيام الشتوية الباردة فهي كانت تعاني من إلتهاب رئوي حاد . مررت بفترة نفسية سيئة و بدأت روزيلا تتضايق وتشعر بالغيرة قررت أن أحضر يعقوب إلى هنا ولكنى وجدتها ترفض بحجة أنها تشعر أنه عنيف في تصرفاته بسبب وجودة في الشارع لفترات طويلة ..
أمي أيضا رفضت وقالت لي ماذنب يعقوب أن يعيش مع زوجة أب لا تفهمه ولا يفهمها ..
بدأت أعاني من الحيرة قررت عدم الإستمرار في الغربة من أجل إبني فهذا هو الحل الوحيد ولكن روزيلا أقنعتني أن يعقوب مازال صغيرا وأن والدتي سترعاه جيدا والحياة في بلدي ستكون صعبة علي في الوقت
الحالي فأنا لم أستعد لها الأستعداد الكافي .
مرت أيام وشهور وأمي ترعي يعقوب وتقوم بتربيته بنفس الطريقة التي ربتني بها فهي لاتعرف أن هناك إختلاف في الأجيال .لا يمر يوم وأمي تشتكي منه وأنا لا أستيطع أن أنهره فهو بعيد عني وبدأ يعقوب يشتكي هو الأخر ويطلب مني أن أعود أو يأتي هو ليعيش معي فهو لم يعد صغيرا فلقد أصبح في المرحلة الثانوية وهي أيضا مرحلة مراهقة وفترة صعبة .كان يبكي وهو يتحدث معي ويخبرني أنه يفتقدني وأنه لايجد من يحبه فأمه رحلت ولا أحد بجانبه ويشعر أنه عبء علي جدته وأنها تمنعه من الخروج مع أصدقائه وتراقبه بإستمرار وتعامله بقسوة شديدة ودائما ماتضعه في مقارنات مع الآخرين ودائمة الشكوي منه ومن تعبها معه
كنت أراضيه وأخبره أنني لن أغيب عنه كثيرا وأن غربتي هذه حتي أصنع له مستقبل جيد فغربتي من أجله هو وأخيه وأنا جدته تحبه حبا شديدا وكل ماتفعله معه بسبب خوفها الشديد عليه .
بدأت روزيلا تتضايق وتشعر بغيرة شديدة تجاه يعقوب ووجدتها تخبرني بأنها لن تعيش في مصر ولن تترك بلدتها ولو قررت في الإستقرار في بلدي فيكون الإنفصال هو الحل ..
لم أصدق كلامها وتعجبت لافعالها فمنذ البداية وأنا أخبرتها أنني لن أعيش العمر كله هنا وسأعود لبلدي من أجل إبني وهي وافقت ..
حاولت إقناعها بشتي الطرق من أجل إبننا ولكني تفاجأت بها تخبرني أنها ممكن أن تترك إبني معي في مقابل أن أتنازل لها عن كل ما أمتلك هنا ..حتي أنتي ياروزيلا يامن وهبتها قلبي وعقلي وروحي كنت أراكي مختلفة عن الجميع ولكنك كنتي الأسوأ وثقت فيكي وكل طلباتك كانت مجابة أنتي وأهلك أيضا . جعلتك ملكة وكنت أسيرك .هل حبك لي إنتهي أم كان زيفا من البداية ..عندما كنت أعود من العمل أجدك في إنتظاري كالملاك الذي يحنو علي ويخفف من الضغوطات التي كنت أمر بها كنتي تمتصين غضبي وتتحملين عصبيتي .أنتي تعلمين جيدا أنني أحببتك حبا لن تجديه مرة أخري .لماذا قررتي أن تتركيني وأنتي تعلمين أني أحتاجك معي .لو أخطأت في شئ فلتعاتبيني ولكن لا تهجريني ..حاولت معها كثيرا ورجوتها ولكن دون جدوي ..هل أنا أخطأت في إختياري كعادتي ؟ هل كنت أعمي القلب عندما أحببتها ؟ أم كان عقلي عليه غشاوة ؟ لماذا لا تكتمل لي قصة ؟ ولماذا لا أعيش حياة مستقرة ؟ هل كلام أمي عني بأني لا أحسن التصرف وليس لدي من الدهاء مايجعلني أعرف من يحبني ومن يقوم بإستغلالي ؟ هل لدي خلل في شخصيتي ؟ أم لأني أنساق وراء أهوائي ؟ أما الآن فأنا أريد أن أنقذ ماتبقي مني .فلا وقت لدي للتفكير وافقت روزيلا ونفذت لها ماطلبت وأخذت إبني وقررت الرحيل فلقد أكتفيت من هذه البلدة ومن هذا العالم الذي كنت أتمناه بشغف فلقد كان عالما زائفا ..وها أنا أنتظر الطيارة التي تأخذني إلي موطني لكي أحتضن إبني فأولادي هم حقا ثروتي الحقيقية ..
نظر لي إبني نظرة كلها حنان وإحتضنني وقال لي أنا أحبك يا أبي ولن أشعر معك بالغربه وأنا ايضا فخور بك وأحب أخي يعقوب …
وصلت الطائرة أخيرا وجاء موعد الإقلاع وأنا أشعر وكأنني أنتهيت من عملية جراحية مزقت قلبي وأخيرا وصلت إلي وطني
وجدت أخي ينتظرني ولكن …أين يعقوب
أين ابني
لماذا لم يأتي
ماذا حدث
أين يعقوب؟؟؟؟