شَامةُ الدُّنيا وَتينُ الخَليل
فايز حميدي | فلسطين – السويد
-١-
السَّماءُ مُربدةٌ بالغيومِ
وأنا أجلِسُ على شَاطئِ الحَياة
يَرتَشُفُني الحَنينُ
مُصغياً إلى وَشوشةِ المَساءِ
وَهمَساتِ النَهرِ الصَامتِ
والزُّهورُ تُفعمُ الجَوَّ بأرِيجِها الشَذيَّ
وأسرابُ البَجعُ الأبيضُ والأَوزُّ
تَتراءىَ من بَعيدٍ أيبةٍ الى البُحيرةِ
في قَلبيَّ غَابة عَواصفٍ
تَستسلمُ لريَاحِ المَصيرِ
وَأصداءٌ بَعيدةٌ من لُهاثِ الأعوامِ
المُوجعةُ تُضيئهُ الأحزانُ
والعقودُ الكَئيبةُ
والأهدابُ المُرتجفةُ
والشَّوارعُ الوَجلةُ وَبراري التيهِ
عُراةٌ نحنُ يا أمّي تَلسعُنا الرّيحُ
السَّماءُ خَيمَتُنا مُمددةٌ على الجُرحِ
وَطنٌ مُقسمٌ
حَجرٌ مَيتٌ
لم يَبق منهُ غيرَ الدَّم والفَضاء القَتيلا
وَطنٌ ذَبحَ تَاريخهُ
وَسَرقت الصَحارى والأمواجُ أسْرَارهُ
والشَواطئُ مِيراثهُ
وَطنٌ مُضرجٌ بِحُزنهِ يُوغلُ
في غُربةِ المَصيرِ !!
-٢-
إلىَ مَتى
تَتشظىَ رُؤانا وَتُعانٍدُنا أَكفّنا
والضَياعُ يَقودُ خُطانا
نَتعثرُ
نَتشتتُ
نَتألمُ
فوقَ ذَاكرةِ الطَريقِ؟!
إلىَ مَتى
نَبصرُ نَزيفَ دَمُنَّا
والرَدى يُسَاجِلُنا وَيتسلقُ ظِلَنا؟!
الجَمعُ يَتساءَلونَ عن أَطلالِ
أُمةٌ كَانت تُكنىَ بِالعَرب !!!
هَرِمَ الأهلُ وَأسِنَ الحَقلُ
بأعراسِ اليَباب !!!
فَضَاؤنا دُروبُنا !!
هَل انطفأَ المُصباحُ والصباحُ في رُؤانا؟!
تَوقي إلى شَامةِ الدُّنيا وأرضِ كَنعان
يُربكُ دَمي
كَالبَحرِ مَدُّ
حَنينٌ مَريضٌ
فَراشةٌ مَحرُوقةُ الصَدى!
-٣-
خَريفُ العُمرِ يَخطو يَا أمي
وَهامَتي على وِسادةٌ من حَجرِ
تُدَاهِمُني أسرابَ التَداعياتِ
بِوَجهها المُغضّنُ وَجُرحِها البَليغُ
مُوغلةٌ في عَراءِ الشَّجنِ
وَسِهامٌ تَترَجلُ من صَهوةِ السَّعيرِ
تَقطعُ الأَحشاءَ
لا أعرفُ مِنْ أينَ تَأتي !!
والعدلُ مَلحفةٌ للبُكاء
كَفناً للأَسئلةِ!
أُمنياتُنا ، إقَامَاتُنا، عُبورُنا للسَفرِ
بَسيطةٌ كَالماءِ
مَلمحٌ أحتلهُ أسىً لهُ ظِلالٌ في بلادِ العَربِ !!
تَمضي إلى شَهيقِ المَصيرِ
ضَجيجٌ عَالقٌ في حُنجرةِ الزَّمنِ
حَقائبٌ مَليئةٌ بالسَّرابِ
تَشيخُ في ذُلٍّ وَانكسارِ
في سَعيرِ الخَواءِ وَسَديمُ المَنافيَّ!
-٤-
يَا أحِبائيَّ !!
أيُّها الحَيارى في غَابةِ الليلِ
المَارونَ فوقَ بَسمةِ الشَّجنِ
لِكُلِّ مُحتلٍ زَوال
وَلِكُلِّ طَاغيةٍ أَجَل
أيقِظُوا لَهيبَ الرَعدِ
كَما بَاشقٌ كَليمٌ يَنتفضْ!!
وَدمدَمةُ الرّيح
وَتباشيرُ الأَمَل
وَكَنِسوا بِشموخٍ الرُّكامَ والدُّجى
وَاهجُروا خُبزَكِمُ الذي أنضَجتهُ
أيَاديَّ الأخَرين !!
يَا بَلد العِشقَ المُتفَحم
وَالأهازيجَ الحَزينة
وَاللهفةَ الخَجُولة
أنا الكِنعانيُّ ألحَّ بيَ الحَنينُ
صَباحُ الخَيرَ يَا شَامة الدُّنيا
صَباحُ الخَيرَ يَا تِينَ الخَليل
-٥-
الغُبارُ يَقرعُ الأَجراسَ وَالعدّلُ اختَفى
والليلُ يَا شَامةَ الدُّنيا رَمى سِهامهُ
وَخزةُ الشَّوك في الزَمنِ السَّفيه
والحَقُ في عُقولِ الظَالمينَ كُفروا !!
يَا أيُّها العَالمُ الضَرير
الغَافي البَصيرة
لَسنَا الهُنود الحُمر
ولا ظُهورَنا مَوشُومةٌ بحوَافرِ الغُزاة
دَيمومةَ التَّاريخُ لحظةٌ مُتوقدةٌ
يَنفذُ سَناها كَالضوء في الدُّجى!!
يَا أَحبَّتي !!
أنتُمْ سُلالةُ الوَهجِ في قَهرِ الشَّدائدِ
وَصناعُ الفَجرِ والصُبح البَهيج