الزوجة التي تبيض ذهبا
منجد صالح | فلسطين
سعيد بوشنب، شاب أسمر أجعد الشعر، متوسّط القامة، يعمل ملحقا ثقافيّا وصحفيّا في سفارة بلاده، إحدى الدول من دول المغرب العربي، دول شمال أفريقيا، في لندن، مدينة وعاصمة الضباب.
مُثقّف وديناميكي وإجتماعي من طراز رفيع. “مسحوب من لسانه”، لديه قُدرة فائقة على “سحر” مُحدّثه والتأثير عليه، وهذا ما فتح له آفاقا رحبة في عمله ومُحيطه وفتح له أبوابا كانت تبدو موصدة.
زوجته أميمة، إمرأة شابة سمراء جميلة جذّابة، “مزيينة”، “تحفونة”، مليحة القدّ، “فتّانة العينين، مُكتنزة الشفتين، و”نغشة”.
تزوّجا منذ ثلاث سنوات ولم يُنجبا أطفالا حتى اللحظة، بدعوى رغبتهما في تأخير “الخلفة” حتى يتمتّعا بشبابهما ونضارتهما.
من خلال عمله وديناميكيّته المشهود لها، تعرّف على أمير خليجي يعيش في لندن. “راحت صحبة بين الإثنين”، بين سعيد بوشنب والأمير الخليجي … “شو لمّ الشامي على المغربي؟
الأمير “مريّش”، بطران، جيوبه مُكتنزة “مدبوزة” بالجنيهات الإسترلينية والشيكات، أمّا الملحق الثقافي والصحفي، بدوره، فلديه ثروة من نوع آخر، من نوع فريد “مُستتر”.
لديه سرّ، “كنز دفين”، “يتلصص” عليه الأمير خلسة، من تحت نظارته الشمسية داكنة اللون.
فقد رأى الأمير مرّة صُدفة زوجة الملحق الثقافي والصحفي عبر صورة لها يحتفظ بها زوجها في محفظته، ف”جحظت عيناه عليها”. لم ينم نوما هنيئا من يومها. لم تبرح صورتها مُخيّلته، كانت تقفز إليها في نومه وفي صحوه.
ومع أنه غني بالتجارب الوفيرة مع النساء، عديد العلاقات السابقة والحالية، إلا أن “الشمال أفريقية” “لحست” عقله، “لخبطت كيانه”، لكنه حافظ على هدوء خبيث، وآثر أن “يطبخ الطبخة على نار هادئة!!!”.
في جلسة صفاء وأنس بين “الصديقين”، إقترح الأمير “الجريء” على الملحق “المُتحفّز” عشاءً فاخراً في أحد مطاعم لندن الراقية، على أن يصطحب زوجته، “لتوطيد” العلاقة بين “الصديقين”.
“الشمال أفريقي” رحّب بالإقتراح دون تحفّظ، واعتبرها خطوة إيجابية حتى لا تبقى زوجته “ترفل” في وحدتها في البيت، أثناء تغيّبه الدائم بسبب ملابسات طبيعة عمله.
وهكذا كان، في الزمان والمكان. يا سادة يا كرام ويا أفاضل، أصحاب الرأي السديد والعمر المديد والفضول الأكيد.
سال لعاب الأمير على زوجة “صديقه” الجميلة الكحيلة الفاتنة “النغشة”. وتوالت اللقاءات والعشاءات والإنسجام بين “الأصدقاء”.
طلب الأمير من صديقه أن يأتي لوحده في المرّة القادمة. استغرب المُلحق، و”احتار دليله” فيما إذا ما أنّ هنالك خطب ما، أمر ما، جديد ما، لكنه لم يطلب تفسيرا من “صديقه” الأمير، بل ترك الرياح تهب على طبيعتها وتُسيّر السفينة حسب ما تشتهي.
خلال العشاء وشرب الكأس .. كاسك كاسك، صُعق المُلحق من إقتراح “صديقه” الأمير: “أن يتخلّى له عن زوجته لليلة واحدة مقابل نصف مليون جنيه إسترليني”.
وأردف الأمير و”زاده من الشعر بيتا”، بأنّه لا يُريد جوابا منه الآن، وإنما:
– “فكّر في العرض وشاور زوجتك”.
غضب الملحق ووقف و”سند طوله”، وفي لحظات ترك الأمير وراءه دون حتّى همسة عتاب ولا “كلمة وداع”.
لم يدُر بخلده مُطلقا أنّه من الممكن أن يضعه أحد في مثل هذا الموقف المُعضلة، صحيح أنه منفتح ومتفتّح ويعتبر نفسه مُتحررا وليس “محافظا ولا مُنغلقا ولا مُتزمّتا ولا مُتحجّرا”، لكن أن تصل الأمور إلى هذا المصاف والمطاف، فهذا ضرب من الجنون، فهو لا يخون، ويعتبر نفسه أيضا رجلا “حمشا”، لا يقبل مثل هكذا إقتراحات تحت أيّة ظروف كانت أو حكايات.
ثلاثة أيّام بلياليها والمُلحق واجمٌ مهمومٌ، ولم يُفاتح زوجته بعرض الأمير. كان يُجدّف في بحر متلاطم الأمواج في قارب صغير يخاف أن ينقلب به وعليه ويبتلعه الموج وربما تبتلعه سمكة قرش جائعة تفترسه بأسنانها الحادة كشفرة الحلاقة.
لكن في اليوم الرابع “شرب من حليب السباع” وفاتحها بعرض الأمير:
– “نصف مليون جنيه إسترليني مقابل ليلة “أُنس” واحدة!!!”، ما رأيُكِ؟؟
رفضت الزوجة الجميلة بشدّة واستنكار، وذكّرت زوجها بحبّهما الكبير وأحلامهما وخططهما للمستقبل، منذ أن كانا “يعومان” في “سحلب” الحب والغرام أيّام الخطوبة وفي شهر العسل، وتخطيطهما اللاحق كي يكون لديهما، بمشيئة الله وقدره، ثلاثة أطفال.
وجم المُلحق “وجوما على وجوم” أمام كلمات زوجته وإصرارها على رفض “المقترح” جملة وتفصيلا.
لكن “الشربة دارت مع الملحق”، شربة النصف مليون جنيه إسترليني، فلو “عاش العمرين” وقطع مياه محيطين وبحرين ونهرين لما لمّ رُبع هذا المبلغ.
إذن ما العمل، وكيف يكون التدبير، وما هي “الدوبارة”؟؟ كيف يستطيع ان يفتح ثغرة صغيرة في جدار صدّ وتمنّع زوجته؟؟؟!!!
المُلحق أخذ يُلحّ عليها ويُزيّن لها العرض ويُبسّطه ويُخفّف من تبعاته:
– “ليلة واحدة، مجرّد ليلة “يتيمة” تمرّ سريعا، و”تنغسل بدوش حمّام ماء ساخن”!!! مقابل النصف مليون جنيه إسترليني”.
تقول الحكمة الشعبيّة أنّ “الضربات المُتلاحقة من أصغر فأس في العالم كفيلة بأن تُطيح بأكبر شجرة في العالم”.
أخيرا، و”بعد الضربات المُتلاحقة”، يعني “الزنّ عالودان” وإصرار وإلحاح و”شحططة” الملحق، وافقت الزوجة، “الشجرة الكبيرة”، على مضض، لكن تحت شرط واحد وبند واحد: “أن تستلم هي باسمها الشيك، شيك النصف مليون جنيه استرليني.
وافق المُلحق “الذكي المُتذاكي” على طلب زوجته الحبيبة، فلا فرق بينه وبينها، حسب ما يعتقد وحسب ما هو متأكد ولا تُساوره ذرّة من شك!!!
وهكذا كان، و”إلّي كان صار وكان”، وربما يذهب أحد ما ويصبح في خبر كان؟؟!!
قضت الزوجة السمراء ليلة حمراء بين أحضان الأمير في “سويت” فاخر في الفندق. وبقي المُلحق “المُلحق” في البيت ينتظر بزوغ الفجر بفارغ الصبر، ينتظر “كثرة الشحم واللحم”، ينتظر “كنوز مغارة علي بابا والاربعين حرامي”!!!
وفي الصباح سلّم الأمير الزوجة شيكا بإسمها بنصف مليون جنيه إسترليني. “ويا دار ما دخلك شرّ!!!”.
التقت الزوجة مع زوجها المُلحق “المُتلهّف الملهوف”، الذي كان فرحا ويفرك يديه للمبلغ الكبير و”الخير العميم”، قال لها:
– “حبيبتي سأقدّم استقالتي من عملي ونعود أدراجنا إلى بلدنا لنفتح مشروعا “تجاريّا” كبيرا”.
فردّت عليه الزوجة:
– “سأعود أنا لوحدي وأفتح مشروعا تجاريّا خاصا بي، فالشيك حصلت عليه “بمجهودي وعرقي”، أمّا أنت فإبق هنا فلا حاجة لي بك بعد اليوم”.
وحزمت حقائبها وعادت إلى بلادها لوحدها في نفس اليوم.