شحرور خريف

طالب هماش

روحي الشاردُ شحرورُ خريفٍ

مرتحلٌ في الريحِ

وقلبي الراهبُ قدّيسُ غروبِ الشمسِ

وضائعةٌ في التيهِ الموحشِ أيَّاميْ !

 

إيقاعي إيقاعُ غديرٍ يترقرقُ بالماءِ الطيّبِ

والموسيقى صوتُ الماءِ المتموسقِ

بين كؤوسي وسلالمِ أنغامي .

 

هي ذي الديماتُ الورديَّةُ فوق حفافي الوادي

تتهادى كقوافي بيضاء على كتبي

وتسافرُ في الريحِ شرائطَ للأحلامِ .

 

ما بينَ خريفٍ وخريفٍ

أتامَّلُ شيخوخةَ هذا البحرِ الراحلِ بالأمواجِ

وأتركُ للشطآنِ المهجورةِ

أسرابَ همومي ، ورواحلَ أعوامي !

 

طقسُ المغربِ قدَّاسُ حنينٍ

لتذكُّرِ أحزانِ الغيَّابِ

وتنهيداتُ البحرِ الراحلِ إيقاعٌ

لبكاءِ الأحبابِ

وشتواتُ الليلِ أجمِّعُهَا في قدحِ الدمعِ

لأغسلَ جرحَ الأغرابِ الدامي !

… … …

روحي شحرورُ الحزنِ الشاردُ عند نهاياتِ الأشجارِ

وقلبي قدّيسُ الدمعِ الراهبُ في أجواءِ المغربِ

والناياتُ شفاهي المحروقةُ بالآهاتْ !

 

أتأمّلُ كالناسكِ عند نهايات البحرِ الموحشِ

غربةَ من لوَّحَهُ الموتُ من الأحياءِ

ووحشةَ من أضناهُ الضيقُ من الأمواتْ .

وأصيخُ السمعَ بحزنٍ موؤودٍ

لعذاباتِ البشرِ السّودْ …

 

ما أصعبَ أن تسمعَ أغنيةً باكيةً

عن بلدانٍ ضاعتْ

وغناءً مكسوراً عن بلدٍ مفقودْ !

ما أصعبَ ما يخلقُهُ الفقدانُ من الوحشةِ في القلبِ

وما يتركه في النغماتِ المجروحةِ

طعمُ الحسراتِ الظامي !

… … …

روحي فزَّاعةُ حزنٍ في حاكورةِ ريحٍ

وقفتْ تتطلّعُ في قلقِ الأمواجِ الغامضِ

فوقَ ذراعيها أقلاميْ ..

 

وشعاعُ الشمسِ الغاربُ

يملأُ كلَّ حقولِ اليأسِ

ويغرقني في بحرِ جراحٍ دامِ !

… … …

روحي شحرورُ خريفٍ

قلبي قدّيسُ غروبِ الشمسِ

وساكنةٌ كالرّهبانِ على سطحِ المغربِ

أسرابُ حماميْ وضياعيْ !

ومواعيدُ رحيلِ الغيمِ مواعيدُ وداعيْ !

علَّمني عمري الضائعُ

كيفَ أتابعُ إيقاعَ الطرقاتِ غريبَ القلبِ

وكيفَ أرقرقُ في توديعِ الأيّامِ دموعيْ !

علَّمني الغيمُ الراحلُ

كيفَ أقطِّعُ بالغصَّاتِ مطالعَ أبياتي ..

ورأيتُ الأسرابَ مسافرةً في فصلِ الحسراتِ

فغامتْ عينيْ بالعبراتِ

على موحشِ أيامي !

آهٍ من هذا البحرِ الضائعِ

أرخى كلَّ ضفائرهِ الزرقاءِ على عينيهِ

وغطَّ حزيناً ..

وأنا فوق الشاطىءِ أقرأُ في الأمواجِ

ضياعي وبقيَّةَ أعواميْ .

 

روحي شحرورُ خريفٍ

روحي شحرورُ رحيلْ

وأنا بينَ الغربةِ والوحشة ِ

كشراعِ الحيرةِ

حيثُ تميلُ بيَ الأمواجُ أميلْ .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى