مشكلات الترجمة من العبرية (1 / 2)
نهاد أبو غوش | فلسطين
لطالما كانت قضية الترجمة عن المواقع العبرية وإليها قضية إشكالية على الساحتين الفلسطينية والعربية، لما تثيره هذه القضية من شبهة “التطبيع”، وهو الأمر الذي اثار جدالا صاخبا في شهر تشرين الثاني/ نوفمر 2022 بعد الكشف عن قيام دار نشر إسرائيلية بترجمة رواية وزير الثقافة الفلسطيني، الروائي عاطف ابو سيف “مشاة لا يعبرون” ، في إدانة فعل الترجمة باعتباره تطبيعا اشار المنتقدون إلى المقابل المادي الذي يتقاضاه صاحب العمل المترجم من دار النشر علما بأن الوزير أبو سيف نفى موافقته على ترجمة روايته. وفي المقابل ذكّر المدافعون عن فعل الترجمة بان أعمال أبرز رموز الثقافة الفلسطينية وبخاصة محمود درويش وسميح القاسم وغسان كنفاني ترجمت إلى العبرية، كما أن الشهيد غسان كنفاني كان من أوائل من عرفوا الجمهور العربي عموما على ما يسمى الأدب الصهيوني في ستينات القرن الماضي (1).
في التراث العربي الإسلامي بما فيه الموروث الشعبي ثمة كثير من المقولات التي تحض على تعلم لغة العدو، مقولات مثل ” اعرف عدوك” و”من تعلم لغة قوم أمن مكرهم”، حتى أن البعض ينسب القول الأخير للنبي محمد من دون سند قوي، أما في مضمار السياسة والنضال الوطني الفلسطيني فالمسألة محسومة : حين تحارب عدوا عليك أن تعرفه جيدا، وأن تعرف تفاصيل حياته وتناقضاته ونقاط ضعفه وقوته، وليس سرا أن المشروع الاستعماري الصهيوني سبقته إرساليات وبعثات “علمية” لدراسة المجتمع العربي الفلسطيني وخصائصه، تماما مثلما فعل الاستعمار الأوروبي تجاه البلدان التي استعمرها، وما زال مثل هذا التنوع من الدراسات متطلبا إلزاميا لكل دارسي الأمن وعلوم الاستخبارات.
من البديهي أن الموقف من قضية الترجمة يرتبط بموقف المثقف/ المترجم وموقعه من قضية الصراع بشكل عام، فلا يخطر في بال أحد من النقاد أن الشهيد غسان كنفاني مثلا تابع الأدب العبري أو نقل بعض مضامينه انطلاقا من الإعجاب بهذا الأدب، أو رغبة منه في التعايش مع الاحتلال والمشروع الصهيوني واعتباره أمرا طبيعيا، ولا شك أن النقاش يزداد حدة واحتداما مع ما تمر به القضية الفلسطينية ومسيرة التسوية في اعقاب مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو وبروز اتجاهات سياسية وثقافية لقبول الإسرائيلي والتعايش معه، وخصوصا أن من الأهداف المعلنة لعملية التسوية ومموليها هو تحقيق السلام والتعايش بين “الشعوب” وفي سائر الميادين ومن بينها على وجه الخصوص الحياة الثقافية والفنية، وهي نشاطات تتخذ أسماء وصفات متنوعة من بينها كسر الجليد ومبادرات شعب لشعب وبذور السلام وغيرها، ولكنها في الجوهر تتفق على قبول الإسرائيلي كما هو، أي في ظل استمرار الاحتلال .
يستند الموقف من قضية الترجمة وممارستها إلى وجهات نظر متباينة إذن تتراوح بين الرفض المطلق للتعامل مع الإسرائيلي مهما كان موقف هذا الإسرائيلي والتعامل مع جميع الإسرائيليين اليهود باعتبارهم كلا واحدا ولا فروق بينهم وانما هم يتبادلون الأدوار ويوزعونها بينهم لخدمة الأغراض الاستعمارية للحركة الصهيونية، وبين الانبهار بالإسرائيلي والشعور بتفوقه على العربي / الفلسطيني ودونية الأخير تجاهه، ويعبر ذلك عن نفسه من خلال الانبهار بكل منتجات الإسرائيلي من اشكال تنظيم الدولة والمجتمع والحداثة وأشكال الديمقراطية في المجتمع الإسرائيلي مقابل تخلف العربي، ولا شك أن ثمة من يرى الفروق والتمايزات في صفوف الإسرائيليين كما يلاحظ نقاط القوة والضعف في المجتمع الإسرائلي. ينسحب موقف الرفض المطلق لكل ما هو إسرائيلي على كل الفئات والاتجاهات والأفراد الإسرائيليين حتى الصحفيين والمفكرين الذي تظهر أعمالهم معاداتهم للصهيونية والاحتلال، لسان حال هذا المنطق يعبر عن نفسه باعتبار أن اليهودي الجيد هو ذاك الذي يغادر فلسطين ويرفض العيش فيها لأنها وطن الفلسطينيين، امتد هذا المنطق ليشمل المؤسسات العامة حتى تلك التي يشارك فيها فلسطيينيون الداخل مثل انتخابات الكنيست، ويكاد هذا الموقف أن يخلص إلى أن الإسرائيليين لا تنطبق عليهم قوانين البشر والمجتمعات الإنسانية.
ولا شك أن التحدي البارز هو مع من يقر بوجود التباينات ولكن لا يبني عليها نتائج في التعامل المتمايز مع الفئات الإسرائيلية، وصولا إلى من يقر بوجود تمايزات، لكن اقرار بهذه التمايزات لا يكفي لتبني سياسات موحدة تجاهها، فالحدود التي توضع بين الفئات المختلفة ليست قاطعة، ولعل ذلك هو ما شجع المؤسسة الرسمية الفلسطينية، ممثلة بلجنة التواصل مع المجتمع الاسرائيلي، على التعامل مع مختلف الأطراف اللإسرائيلية بحجة إحداث اختراقات للمجتمع الإسرائيلي.