النظام الأبوي تخلف وتبعية وإحجام عن التغيير.. خطورة إقصاء الجماهير الشعبية
بقلم: سعيد مضيه
شعوب في أميركا اللاتينية ومناطق أخرى من العالم تحركها طموحات، تلهمها إرادات العدالة والتقدم، تشكل جبهاتها الديمقراطية، تنتخب لسدة الحكم رواد الديمقراطية والكرامة الوطنية والشعبية، الذين بدورهم يطلقون طاقات الشعب الإبداعية والبناءة؛ وفي العالم العربي نظم أبوية تفرض الطاعة وتزجر بالإجراءات البوليسية كي تقمع الرأي المخالف وتنفرد بسلطة القرار وتحافظ على التقاليد العريقة، تقاليد الجبرية وتبخيس الهيئة العامة وازدراء الرأي العام.
النظم الأبوية وريثة فكر الاستبداد ” من يحكم يطاع”، ركيزته خصلتان مزمنتان في الأنظمة الأبوية العربية، استفحلتا عبر قرون الظلام : أولاهما، والأخطر، جبرية برأت الأنظمة من مآسي الشعوب، إذ أحالت البشر سوائب مهدورة العقل والتفكير والإرادة ، تميل حيثما مالت االريح، مصائرها معلقة بمشيئة علوية موكولة للسلاطين، تجسدت في حاكمية سلطوية ابتدعها معاوية الأموي: “هذا ما أراده الله ، ولو أراد غيره لفعل”؛ جبرية أجازت الأساليب المنحرفة والخدع الملتوية والاغتيالات المسكوت عنها.
وثانية الخصال الموروثة استنها معاوية أيضا حين أراد توريث ولاية العهد لولده يزيد، إصرارا منه حتى آخر حياته على تقويض صرح المقاصد العامة للشريعة، استفز بها كل ذرة إيمان بالدين الجديد تبقت في الضمائرحين حول الخلافة ملكا عضوضا؛ حاشية السلطان مُسِخت من مجلس شورى ينصح ويحذر الى وصوليين نفعيين تجمدت منهم الضمائر، “حدسوا ” بما يجول في خاطر السلطان وأهدوه خاطره بإجماع شورى ، به تحققت مشروعية خلافة المتهتك يزيد بن معاوية؛ جزت على إثرها الرقاب وتكدست الجماجم. أحدث معاوية ردة عن قويم الدين، أعادت نظم الحكم الى أبوية عصر الجاهلية سلطوية متفلتة من المقاصد العامة للشريعة.
المصدر الإلهي للسلطة وحاشية “تحدس” بخواطي الرئيس “الملهم”، تشير اليه بما يريد، .. معْلَمان يميزان الحضارة الأبوية في انحدارها التعس، أفضيا في الزمن الراهن الى لا عقلانية ترفض معطيات العلم وتورط تبعا لذلك في عجز مزمن. اكتسب التخلف القابع في أعماق الحضارة الأبوية المتوارثة، بالتماس مع الامبريالية، منعةً في تحديث زائف – تحديث مستحدث أو محدث بمحفز خارجي- جمدت أوصال بنية المجتمع وافراده، “ينتقل الجمود من جيل الى جيل كالمرض العضال نتقبله من غير وعي ، ونتعايش معه كما الموت نرفضه ونتناساه في آن” حسب توصيف المفكر العربي الراحل هشام شرابي؛ ويضيف، “عجزت اليقظة العربية وجهود التنوير عن تفتيت أشكال النظام الأبوي وعلاقاته”، وذلك رغم ان “النظم الأبوية مهدورة الطاقات متميزة بضروب شتى من التخلف والتبعية متجسدة في الاقتصاد وكذلك في التنطيم السياسي والاجتماعي والثقافي”، مثقفوها عاجزون عن التخطيط وحل المشاكل، يعطلون قوة التغيير. أسوأ مضامين التحديث الزائف ثقافته المنافقة للدين وللعلم وللسياسة؛ وأخطر ما فيه، كما تبين لشرابي، “كان لاستعمار الوعي (وكذلك اللاوعي) نفوذ أوسع من الاحتلال العسكري والهيمنة السياسية في دفع عملية تطور بنية الابوية المستحدثة… الذهنية الأبوية في نزعتها السلطوية الشاملة ترفض النقد ولا تقبل الحوار، إلا أسلوب فرض رأيها فرضا . إنها ذهنية امتلاك الحقيقة الواحدة التي لا تعرف الشك ولا تقر بإمكانية إعادة النظر. من هذا المنطلق فان التفاعل والحوار بين الأفراد والجماعات لا يرمي الى التوصل الى تفاهم واتفاق وجهتي النظر.”
تلك هي حال المجتمعات العربية، ومن ضمنها المجتمع الفلسطيني في كنف النظم الأبوية المحدثة: رئيس يطاع يشار عليه بما يجول بخاطره، شيوع الجبرية بين الجموع، تبخيس الشعب وتركه يكابد حرمانات العصور القديمة، إقصاؤه عن النشاط السياسي وعن القرارات المتعلقة بالمصير الوطني، إغفال قضاياه ومصالحه وحاجاته.. مواقف يؤطرها وعي الاستعمار الثقافي ، ثقافة الليبرالية الجديدة، الداروينية الاجتماعية، عنصرية التفوق العرقي للبيض، رفض التكافل الاجتماعي وما تفرضه على جماهير شعوبنا من معايشة للجهل واللاعقلانية بوعي أبوي زميت هجين قاصر متملق يرفض معطيات العلم، يملأ فراغها بالأوهام وبالخرافة وبالشعوذات السياسية والاقتصادية؛ وعي يجهل التفكير الاستراتيجي وما يتفرع عنه من تخطيط وتنظيم وإعداد ومراجعات نقدية ، مستعيضا عن ذلك كله بالارتجال وردود الفعل العفوية الانفعالية، بها تصدى لمخططات العدوان الإسرائيلي أعدت بتفكير علمي استراتيجي، الأمر الذي تمخض عنه انتكاسات مصحوبة بالإحباط والإرتباك والعبث السياسي، تتكاثف وتملأ الفضاء تضغط على الأعصاب وتعمي العيون، مثل الطوز في مدن الملح، يتسرب الى الغرف الداخلية يثير القرف والإزعاج.
من هنا نبدأ
من هذا المستوى المتدني يتوجب تامل الواقع الاجتماعي، والمهمة الأساس هي تخليص الجماهير الشعبية من فلاحين وكسبة وحرفيين ومهنيين من ثقافة الأبوية المحدثة، ومن سلطويتها وما يكتنفها من مهانة الجبرية والتبخيس والإقصاء. وهي مهمة ملحة في المجتمع الفلسطيني، في ضوء نهج الاقتلاع المشهر في نهج الفاشية التي اعتلت السلطة بقوة ونفوذ في إسرائيل. وإذا بات بناء المصد الشعبي، المنظم والواعي، قضية بدهية – مهمة ثورية آنية تفرضها ضرورة الحفاظ على البقاء، فإنها تفرض على الماركسيين الاضطلاع بوعي وتنظيم بمهام النشاط في أوساط الجماهير واكتساب ثقتها مصدر قوة سياسية ووسيلة استنهاض لحراك شعبي متصاعد . الشعب المنطلق من قيود النظام الأبوي ومن التجهيل ومن علاقات العصور الخوالي ضرورة ملحة للمقاومة الفلسطينية المكافحة باقتدار، سواء كانت سلمية أو غير ذلك. فالصدام المسلح لا ينجز مهماته بدون جماهير ثورية تغذيه وتستمد زخم النهوض من منجزاته. القطعات المسلحة لا تشكل قوة ثورية ما لم تستند الى حراك شعبي واع ومنظم.
الماركسية نظرية ثورية والماركسيون ثوريون، قضية بدهية، أفرادا او جماعات؛ تتجلى ثوريتهم في إدمان وإتقان العمل في أوساط الجماهير، يضعون نصب الأعين مهمات تحرير الجماهير من الأنظمة الأبوية وثقافتها، ومن تخلف القرون ومن التجهيل والإقصاء والمهانة. فكرامة الوطن ورفعته من كرامة أبنائه ورفعتهم، وبالذات جماهير الشعب ممن عانوا قسوة العلاقات الاجتماعية الجائرة عبر أجيال متتالية. الثورية لا تتحق بحمل السلاح ولا بالانقلابات او بمجرد تغيير الحكم بالقوة او بأسلوب سلمي؛ الثورية لا تكره الجماهير او ترهبها، فذلك مؤشر خلل العلاقة مع الجماهير قصر في التربية السياسية والتعبئة . الثورية تتجسد في نقل الوعي العقلاني الى الجماهير ورفعها الى مستوى المناضلين بوعي وتنظيم للدخول في الحضارة الإنسانية العصرية.
يقتضي الموقف الثوري التخلص من ثقافة استعمار الوعي، ثقافة الليبرالية الجديدة التي تسربت الى الوعي الاجتماعي عبر الأنظمة الأبوية، وبالاخص من خلال مثقفيها ممن تخرجوا من المعاهد والجامعات الغربية؛ فهؤلاء يصفهم هشام شرابي أنهم وطنيون سياسيا وحاملو فكر البرجوازية الاستعمارية ثقافيا، بصفتهم دعاة التطور الرأسمالي. فهذا النهج يبقي على التخلف والتبعية، يعيق تطور برجوازية وطنية ويعطل نمو طبقة عاملة تحمل اعباء الثورة الاشتراكية.
استعصاء الاتفاق
في مذكرات إدوارد سعيد، “خارج المكان”، يستهل الفصل التاسع بالحديث عن جهد قام به عام 1993، استبق به مؤتمرمدريد؛ إذ دعا عددا من الفلسطينيين المقيمين في مختلف الأقطار لعقد مؤتمر فلسطيني في لندن. تمخض النقاش عن خيبة امل مريرة ؛ الكل متمسك برأي قديم، تكرار لآراء متضاربة، لم يخرج عن المؤتمرإلا ما يهيئ النفوس لاستقبال كارثة اوسلو . تلك الآراء المتضاربة العاجزة عن الاتفاق هي بعض مظاهر تسرب الثقافة الأبوية الى المثقفين الوطنيين؛ بل إن المدعوين الى مؤتمر لندن هم من مثقفي الأبوية المحدثة ، البعيدين عن التفكير العلمي في القضايا الاجتماعية.
العبث السياسي الفلسطيني ولد تضاربا في الأراء لا يستند أي منها الى معطيات العلم . في الحقيقة لم يلحق الاستعمار الثقافي بمثقفي النظم الأبوية فقط؛ إنما تسرب الى وعي القوى الوطنية وقوى التغيير الديمقراطي ممن اعتزلوا الماركسية واستنكفوا عن الاسترشاد بمعطيات علوم وأبحاث التخلف الاجتماعي، منجزات كوكبة من الباحثين العرب. باحثون وفق المنهجية العلمية تمعنوا في هزيمة حزيران 1967وتكشفت امام أعينهم مظاهر تخلف شامل،، وطفقوا يتقصون مظاهره . كتب هشام شرابي عن تحوله الفكري الى الماركسية ، والتخلص من ترسبات الفكر البرجوازي في دماغه ، كما يقول. وكتب مصطفى حجازي يرصد في الفكر المتخلف مجافاته للديالكتيك المادي؛ أسفرت الأبحاث العانية لهذين الباحثين وغيرهما بعد كارثة حزيران عن فكر علمي يثري النظرية الماركسية، في علم الاجتماع والتحليل النفسي والتربية والإنثروبولوجيا والاقتصاد وغيرها من العلوم الإنسانية، علوم ترشد عملية الخروج من الأزمة المستعصية لليسار ولحركة التحرر العربية، أبدعها باحثون عرب وفق المنهجية العلمية – المادية الجدلية- واغفلها السياسيون التقدميون العرب وتركت للنسيان. لما تدخل بعد ميدان الثقافة الوطنية.
وهم استجداء الامبريالية
القضية الفلسطينية بطبيعتها معقدة نظرا لآن التاريخ الفلسطيني مشحون بادعاءات متضاربة، نجم عنها العنف والنهب القرصني. الأرض الفلسطينية موضع أطماع الصهاينة بادعاء ملفق طبقا لأهواء التوسع الامبريالي بالمنطقة. مؤخرا اتخذت الجمعية العمومية للمنظمة الدولية قرارا بتحويل قضية الاحتلال الإسرائيلي الى محكمة العدل الدولية كي تعطي رايا في شرعيته، وجه المندوب الأميركي التهديدات لمن يوافق على المشروع، كما عارضته دول اوروبا الغربية صاحبة القرار، حيث أيدته من المجموعة إيرلندا وبلجيكا ومالطا ولوكسومبورغ وبولندا والبرتغال. وهذا مؤشرعلى نفاق دول تزعم تأييدها لحل الدولتين وتنتقد ممارسات إسرائيل مصادرة الأرض وتوسيع المستعمرات. بينت بالممارسة الفعلية مساندتها للمشروع الصهيوني الرامي الى تحويل فلسطين دولة يهودية.
منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 وضع مخطط إقامة كيان يهودي على أرض الشعب الفلسطيني. أيدت دول الغرب الامبرالية وعد بلفور وأقرت الانتداب البريطاني على فلسطين من أجل تنفيذ الوعد . وفي العام 1919 عقد اجتماع بدعوة من الزعيم الصهيوني وايزمن حضره روتشيلد وعدد من زعماء الحركة الصهيونية اتُفِق فيه على الاستحواذعلى كامل الأرض الفلسطينية وطرد شعبها خارج وطنه ، الى مصر وسوريا، مع إبقاء الأمر مكتوما بسرية تامة.
الصهيونية حركة امبريالية وعنصرية أنشأت دولة احتلال مسيج بالأبارتهايد إثر حرب مهدت لها بموافقة ضمنية من دول الغرب الامبريالية، وبالمكيدة والاستفزاز استدرجت الفلسطينيين الى الصدامات المسلحة غير المتكافئة . مارست العدوان المتواتر، وبالمكائد احتلت بقية فلسطين بعدوان حزيران 1967 وشرعت تنهب الأرض الفلسطينية وتبني المستوطنات؛ عجزت قوى الفلسطينيين عن وقف التوسع الاستيطاني؛ فأضافت إسرائيل باستيطانها تعقيدات عسكرية وديمغرافية فاقمت التعقيدات التاريخية.
كتب شرابي انه رحل من الولايات المتحدة ليكون مع الحركات الفلسطينية المتصدية لهزيمة حزيران. أصدر مؤلفيْن إرشادييْن للمقاومة، وألمح انه اختلف مع عرفات الذي اصرعلى المقاومة المسلحة وغادر الى بيروت. رأى شرابي أن الظروف غير مهيأة لنشاط مسلح. راحت الفصائل المسلحة تخوض الصدامات المسلحة بما تيسر من القوة العسكرية، والميسور أدنى مما يتوفر لدى العسكرية الصهيونية المدعومة بقدرات الامبريالية، تبطش بقوة متفوقة وبحقد عنصري بهيمي . في كل مواجهة مسلحة تحدث انتكاسة مصحوبة بقضم جزء من الأرض الفلسطينية وخيبات ، تعود الجماهير بحسها الوطني تنهض ُوتُستدرج الى صدام مسلح غير متكافئ.
شباب يرسلون الى حتفهم؛ وقد يتطوع فرد او أفراد، يمضون الى قدرهم التراجيدي، مستفَزين من واقع الصمت حيال مشاريع تعود بالاقتلاع ، تضيق الخناق على المدنيين في اماكن سكناهم، وتمارس الإرهاب الدموي.
اتفاق على إغفال الجماهير الشعبية
تستنكر سلطة أوسلو الصدام المسلح وتعتبره عبثية، مكتفية برفض ممارسات إسرائيل تستجدي تدخل حماة إسرائيل ، ممن تسميهم المجتمع الدولي للحفاظ على الشعب الفلسطيني؛ بينما هي بلتنسيق الأمني تحافظ على الاحتلال!” يجب ضرب هذا النظام بكل الوسائل الممكنة غير العنيفة، بقوة وباستمرار، مع إسماع صوت عال وواضح للمعارضة، سواء في الساحة الدولية أو في الساحة الداخلية الإسرائيلية”. كتب ديمتري تشومسكي في هأرتس، وأضاف: ” أي قرار قاس ومتوحش لنظام الاحتلال والأبرتهايد، يجب الرد عليه بصرخة احتجاج تدوي على الفور، وبمستوى واسع في الشبكات الاجتماعية وفي أي توثيق لخرق حقوق الإنسان للفلسطينيين، ويجب الإبلاغ عن ذلك ونشره بدون أي تأخير في وسائل الإعلام الإلكترونية بهدف طرح ’القضية الفلسطينية‘ في الرأي العام الدولي، وعلى طاولة محكمة الجنايات الدولية في لاهاي”. لكن الذهنية ألأبوية تستجدي ، وبنزعة سلطوية ترفض النقد ولا تقبل الحوار، إلا أسلوب فرض رأيها فرضا؛ مهدورة الطاقات تدير اقتصادا تابعا محدود إمكانات التطور المستقل، متميزة بضروب شتى من التخلف في التنطيم السياسي والاجتماعي والثقافي. يمكن القول ان المقاومة الفلسطينية ضعفت في ظل سلطة أوسلو ولم يعد بمقدورها التصدي.
ومعارضون لنهج اوسلو وسلطته يرفضون عبثية تكتفي برفض الاحتلال ، يلحون بطلب التغيير و واحيانا يتجرأون بالشجب والاستنكار؛ لكنهم فشلوا في استحدثا قوة ضاغطة .. تحريك مقاومة شعبية متنامية تستعصي على بطش الاحتلال وتستقطب حولها حركة تضامن دولية تحاصر إسرائيل وتفرض عليها الانصياع للقانون الدولي الإنساني والتراجع عن نظام الأبارتهايد. هذه المعارضة لا تتقن فن الاتصال بالشعب وكسب ثقته وقيادة حركته المقاومة للاحتلال. عقدت مؤتمرا”شعبيا ” بمعزل عن الشعب، والمؤتمر الشعبي لمن يريد النضال الشعبي يُستهَل بحركة ناشطة في أوساط الجماهير، تثقف وتعبئ وتوضح درب الخلاص، تستنهض الجماهير وتبلغها بالمؤتمر وتأخذ موافقتها على ممثلين بالمؤتمر الشعبي، فيأتي المؤتمر حينئذ شعبيا بحق. وخلاف ذلك يكون العبث الأخطر من سابقيْه . ولا يستغرب ان تفض شرطة السلطة هذا المؤتمر بمحض إشارة.
وفئة لحقت بها عدوى العبث ـ تدعي التغيير ولا تملك من شروط التغييرطاقة شعبية مجندة ومعبأة . التغيير تصنعه الجماهير الواعية المنطلقة في الحياة السياسية؛ بدل النشاط في أوساط الجماهير وتربيتها سياسيا وفكريا فضلت الدعاية لنفسها على المنابر الأممية تخطب وتشيد وتحلل تحليلا علميا ، وهي تدري ان علمية النضال تختبر على أرض الوطن بالنصال الجماهيري المتسع باضطراد؛ لكنها رأت في ذلك تبعة ثقيلة مكلفة امتنعت عن دفعها. تتحدث في المنابر الدولية وهي تعي ان التحرر يتحقق على أرض الوطن ولا يحرث الأرض سوى عجولها.
وفريق آخر مسه فيروس العبث،إذ اعتقد ان مقاومته المسلحة الفاعلة ضد العدوان الإسرائيلي تغني عن الفعاليات الشعبية المناصرة والداعمة. بلغ بها الأمر ان تصدت لحراك شعبي واخمدته دفاعاعن الفاسدين والمتاجرين بالوطن والمتعاونين مع إسرائيل ضد المقاومة.
عبث هو التصدي للاحتلال بدون حراك شعبي متعاظم باضطراد . جميع الفصائل المنخرطة بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي تغفل النشاط في أوساط الجماهير . وسواء انتهجت المقاومة الصدام المسلح او خط المقاومة الشعبية فإن الضرورة القصوى تقتضي إستنها ض الجماهير في حركة شعبية ديمقراطية واعية ومنظمة، تتدرج في تحقيق الإنجازات البسيطة اولا ثم تعظم مع تصاعد المقاومة وتحولها الى الهجوم والتحرير . المقاومة الشعبية تحتاج في البداية الى وضع هدف أو أهداف متواضعة يسهل إنجازها كي تمنح الجماهير ثقة بالنفس وترفع معنوياتها مطلقة طاقات مجمدة.