حكايا من القرايا.. ” الحردانة “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
الحرد هو الزعل الممزوج بالقهر والغضب… وحالة الحرد للمرأة هي الحالة الواقعة بين الزواج والطلاق… وإذا طالت مدة الحرد (مدة خروج المرأة من بيت الزوجية ومكوثها في بيت الأهل) وصفوها وقالوا: فلانة معلقة… لا مزوّجة ولا مطلقة…
والله، هناك نساء مسكينات، ومسكينات جداً… (بدهن السترة)، يتحملن المسبّات والإهانة وحتى الضرب من الزوج المبجّل… ويسكتن (غلب بستيرة ولا غلب بفضيحة) يتحملن خوفاً من الفضيحة، ولأجل تربية الأولاد وعدم الانقطاع عنهم… ومن هؤلاء المستورات من زعلت وراحت لدار الأهل، لكنهم لم يدافعوا عنها، ولم يقفوا إلى جانبها، وأقنعوها بأن بيتها الأساس هو بيت الزوج… وهات لعين الحرسي يحترم أهل زوجته الذين أعادوا إليه زوجته… لعين الحرسي يرى نفسه إمبراطورا متجبرّاً… ويا أرض اشتدي ما عليك قدي، ويقولون ” مشاطر جحا على زوجته”. يوم عيد الله، كان يضربها ويستشيط غضباً وهي تطلب رحمته، والأولاد يتصايحون، وهو كالمجنون… يصيح… وعندما أتى أخوها من البلد البعيد ليعيّدها، وجد أمامه طوشة غير متكافئة… ربط حماره بالشجرة، ووضع الهدية على الأرض، وراح يحاول الحجز بين الفرقاء المتحاربة، ويطلب وقف العنف… وإذ بالطاووس الشقي المتعنتر يهاجمه كالقضا المستعجل… يضربه ضربة غدر، يتلوى النسيب منها ويقع أرضاً، ثم يطرده هو وأخته (وقيطها… أطفالها) من البيت…
الحماة أم صبري حفيت أرجلها، وهي تطارد تحاول نسب دار الفلاحة، وعندما وقعت بنتهم في بيتها، أرتها العجب العجاب، غارت منها، وكذبت على لسانها، وأخذت ذهباتها بحجة أنها تحتفظ بهن في خزانتها خوف الضياع والسرقة… وعندما أوغرت بطن ابنها على زوجته، واحمر وجهه غضباً، وبانت عروق رقبته… هجم على زوجته الرقيقة، وانقضّ عليها انقضاض الواوي على دجاجة… في ركل، وضرب بالأيدي مع ما صاحب ذاك من سباب… والحزينة تصيح… وبعد جولة التعذيب طردت من البيت لا فوقها ولا تحتها… وفيما بعد أنكرت أم صبري ذهبات كنّتها… وأبو صبري حزين لا يقوى على قول شيء، أو إبداء أي حركة لأن أم صبري تقف له بالمرصاد…
وتشتغل لجان الإصلاح، وتروح وتجيء في روحات مكوكيّة، للمّ الأطراف… ويتعالى صوت المجتمعين، وتكثر الأيمان… وحلف الطلاقات… ويبدو الناس كلهم ملائكة… والحق بجانبهم… فمن المذنب إذن؟ يردّونها إلى بيتها، ويتعهد كبارية الصلح بمعاملة الزوج الطيبة لها، وبالحياة الكريمة في بيت زوجها… كم أحزن عندما أسمع أنه ضربها وعذبها وقتلها… بأي ذنب قتلت…؟ لا ذنب لها سوى أنها أنثى… تذهب إلى المحكمة فترى العجب وتسمع العجاب… طلاق… نفقة… شاهد… بيت شرعي… مهر مؤجل… أطفال قصّر… الله يجيرنا مما نحن فيه… يا رب… أتمم علينا نعمك وأصلح حالنا… وهدّي بالنا…