أسطر طريفة من كتب ظريفة
بقلم: توفيق أبو شومر
من المسؤول عن غياب الكتب العربية الظريفة عن مناهج التعليم في كثيرٍ من بلاد العرب؟
هناك كتابٌ غائبٌ عن كثيرٍ من المكتبات العامة، وهو كتاب، المستطرَف في كل فَنٍ مُستظرف، لمؤلفه، شهاب الدين محمد الأبشيهي، هذا الكتاب ظريفٌ، لا لقصصه الباسمة فقط، وليس للحِكم الجليلة الواردة بين سطوره، بل لأنه جاذبٌ، لا يملُّ قارئُه من قراءته.
في الكتاب قصصٌ قصيرة، ذاتُ مدلولاتٍ عظيمة، مما ورد في الكتاب هذه القصة النقدية المبطنة للحاكم الذي يظلم شعبه، ويغتصب مقدراتِه.
قصَّ جليسُ المأمون وسميرُه هذه القصة على الخليفة الأمين نفسِهِ:
“كان بالموصلِ بُومةٌ، وبالبصرة بومةٌ أخرى، خطبتْ بومةُ البصرة لابنها بنتَ بومة الكوفة، طلبتُ بومة الكوفة مهرا لابنتها: (مائة ضَيعةٍ خَرِبة)!! ردتُ (أم العريس، بومةُ البصرة): لا أستطيع الحصول على هذا المهر الكبير (مائة قرية خَربة)، ولكنْ، إذا دام حُكم والينا على بلدنا سنةً أخرى، فإنني مستعدٌ للإيفاء بالمهر المطلوب”!!
في الكتاب نفسِهِ، المستطرف ، حِكمٌ رائعةٌ، كان يجب أن تُعمَّم مثل: “أقلِلُ طعامَك يُحمَدْ منامُك، ْكُلْ قليلا تعشْ طويلا، كلبٌ جوَّالٌ خيرٌ من أسَدٍ رابضٍ، لا يَضُرُّ السحابَ نبحُ الكلاب، لا تقتنِ مِن كلبِ سوءٍ جَروا.”
أما الشاعرُ الأموي الساخرُ خفيف الظل، مروان بن محمد المُلقَّب (أبو الشمقمق) فشعرُه غائبٌ عن مناهج التدريس، لأنَّ المتشددين ظنوا أن السخرية من الواقع تحريضٌ، وأن التحريضَ مٌقدِّمةٌ للثورة على الحاكم، فألصقوا له تهمة الخروج عن الأدب! قال يصف جوعَه وهُزالَ جسمه في أوطان فساد الحكام:
ولقد أُهزِلتُ حتَّى …مَحتْ الشمسُ ظلالي.
ولقد أفلستُ حتَّى… حلَّ أكلي لعيالي !!
إنه الشاعر الذي استساغ أن يُسمَّى (أبو الشمقمق)، أي فارع الطويل، الماجن، الساخر، هو ثائرٌ على الحكام والولاة، أكثر من كونه بذيئا، فاجرا، كما أسماه المتعصبون !
ما أكثر الأشعار التي قالها، تبعث في النفوس البسمات والضحكات، وهي في الوقت نفسِه تُعلِّم الناشئين تكوين المفردات والجمل والموسيقى الشعرية !
هناك كتابٌ عربي ظريفٌ آخر غائبٌ عنا، يصفُ مِصر في القرن الثالث عشر الميلادي، أو السابع الهجري، كتبه مؤرخٌ، اسمه، عبد اللطيف البغدادي، المتوفى عام 1231م، اسم الكتاب: الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة بأرض مصر، مِن اللقطات الطريفة، يصف ثمر شجرة البامية: “الباميةُ ثمرٌ بقدرِ إبهام اليد، كأنه جَرو القِثَّاء، أي، (أنه صغير كالفقوس ، أو الخيار في بداية نُمُوِّهِ) شديدُ الخضرة، إلا أن عليه زبيرا (شوكا)، هو مُخمَّس الشكل، يحيط به خمسة أضلاع، فإذا شُقَّ انشقَّ عن خمسة أبياتٍ، بينها حواجزُ، في تلك الأبيات حَبٌّ مُصطفٌ، مستديرٌ، أبيضُ، هشٌّ، يَضربُ إلى الحلاوة، وفيهِ قَبضٌ (مرارة)، ولُعابُه كثيرٌ، يَطبخ أهلُ مصرَ به اللحمَ، يُقطَّع مع قُشوره، ويكون طعاما لا بأس به”!!
هل يُعقل أنَّ إبعاد الكُتب العربية المُشوِّقة والطريفة بسبب الغفلة عنها، مثل المرجع الأدبي المعروف، الأغاني لأبي فرج الأصفهاني، ومئات الكتب الأخرى؟
أم أن هذا التغييب مقصودٌ، يقع ضمن خطةٍ ترمي إلى إبعاد أبنائنا عن هذه الكتب الظريفة، والأشعار الباسمة الرقيقة، واختيار النصوص الصعبة، والأشعار المُنفِّرة، حتى يكره أبناؤنا لغتهم، وينصرفوا عنها إلى غيرها، بحُجَّة أنها لا تصلُح للعصر، ولإخفاء الهدف الرئيس وهو، إفساد انتمائهم لوطنهم ولغتهم، لكي تسهُل قيادتُهم، وتطويعهم!!