الإرهاب والإعلام.. العلاقات الطفيلية
د. خالد كاظم أبو دوح | أستاذ علم الاجتماع – جامعة سوهاج
إن للإرهاب علاقة فريدة بوسائل الإعلام، ولقد تم رصدها منذ زمن طويل، من خلال عديد من التخصصات العلمية، ونظرا للتطورات الحديثة في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، ترسخت هذه العلاقة وتطورت بشكل قوي ومؤثر، وقد اتسمت بالتفاعلات المتبادلة والاعتمادية، وعد القابلية للتجزئة، ويمكن القول إن هناك تعايش بشكل ما، بين الإرهابيين والمشتغلين بالإعلام. وأحيانا يقال إن الدعاية الإعلامية بمثابة الأوكسجين للإرهاب.
من المستبعد جداً أن يعتقد الناس أن الإرهابيين ورجال الإعلام، يمكن أن يكونوا أصدقاء، لأن الأفكار الأولية هي أن الصداقة تعتبر علاقة إيجابية، في حين أن الإرهاب مصطلح ازدرائي. وبالرغم من ذلك فإن الواقع يؤشر على أن العلاقة الفريدة بين الإرهابيين وبعض المشتغلين بالإعلام، يمكن أن تكون مفيدة للغاية لكل طرف، ليس فقط لتحقيق أهدافهم النهائية، بل أيضا للبقاء على قيد الحياة، فالعلاقة بينهما علاقة طفيلية، وقد كان هذا هو الحال طوال تاريخ الإرهاب، ولا يزال مستمرا حتى عصرنا الراهن، وسيظل يتطور مستقبلاً.
وفي هذا السياق أشار أحد الباحثين إلى إمكانية أن نفهم الإرهاب الحديث على أنه محاولة لإيصال الرسائل من خلال استخدام العنف المدبر، ويستخدم الإرهابيون وسائل الإعلام كمفتاح ووسيط لإيصال هذه الرسائل إلى الجمهور من غير المتضررين بشكل مباشر من العنف. ومن المهم التأكيد على أنه منذ اكتشاف الطباعة، كانت هناك دائما علاقة بين الإرهاب ووسائل الإعلام، والتي تزداد قوة مع مرور الوقت، بسبب التطور الحديث لوسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات.
ولقد أصبح الإرهابيون على وعي متزايد بعلاقتهم مع وسائل الإعلام، وأصبحوا مؤمنين بها وبدورها، فهي ذكية في تحقيق أقصى قدر من المنافع، لأنها تلعب دوراً مزدوجاً، فهي وسيلة يستخدمها الإرهاب، ويستخدمها أيضا من يحارب الإرهاب ويكافحه. ولقد أشارت “مها عبد المجيد” إلى أن الإعلام بشكل عام بالنسبة للتنظيمات الإرهابية، ليس مجرد وسيلة لنقل المعلومات، ولكنه يمثل فاعلاً مشاركاً في عملية الصراع، بينها وبين الجهات المناهضة لها، ولذلك توظف التنظيمات الإرهابية الإعلام من منطلق الإيمان بأن استخدام وسائط إعلامية واتصالية مدروسة، لا يقل أهمية عن عملية انتقاء الأساليب القتالية، أو استراتيجيات تنفيذ العمل الإرهابي. هنا يتم التعامل مع الإعلام من وجهة نظر الإرهاب، باعتباره جزء من التخطيط لأي عملية إرهابية.
ويمتلك الإعلام قدرات كبيرة لتعزيز أو تقليل القصص والحكايات والأخبار المرتبطة بالإرهاب، كما أن الإرهابيين يدركون بأنه يتم استخدامهم من قبل وسائل الإعلام، والتي لا تقدم لهم أية ضمانات لنقل رسالتهم، ولتجنب التلاعب برسائلهم من قبل وسائل الإعلام، وجد الإرهابيون وسائل جديدة، تتمثل في شبكة الإنترنت، لتكون بدائل جديدة يمكنهم من خلالها إنتاج رسائلهم ونشرها، وحتى مع هذا الوضع، تتطوع قنوات إعلامية كثيرة لنقل رسائل الإرهاب وما ينشروه من فيديوهات وصور، ليس خدمة للإرهاب في حد ذاته، بقدر تحقيق مصالح القنوات الإعلامية في مساحة الانتشار والمشاهدة، ومصالح رأس المال الذي يقف خلفها.
ومن خلال الروابط المباشرة بين الإرهاب والعمليات الإرهابية ونجاح وسائل الإعلام، هناك من يقول بأن الإرهاب أصبح “إعلامي”، أو كما قالت “مارجريت تاتشر” رئيسة الوزراء البريطانية سابقاً: “إن الدعاية هي أوكسجين الإرهاب”، والواقع أن الإرهابيين فهموا ذلك جيدا وعملوا به. ودور وسائل الإعلام مع الإرهاب، لا يقتصر على نقل الرسائل والأحداث الإرهابية، بل يمتد إلى إنتاج الأفلام والدراما والروايات وألعاب الكمبيوتر، التي تتضمن أشياء ومعلومات عن الإرهاب وعملياته، إضافة إلى نقل الصور القوية، التي تعمل على تحفيز ردود فعل عاطفية للغاية على الحدث الإرهابي، من خلال التليفزيون والإنترنت وغيرها من تقنيات الإعلام المعاصرة.
هناك عدد من الدراسات والمقالات التي أكدت على أن الإرهاب استفاد بشكل إيجابي من التقدم الهائل في وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات وتطبيقاتها المختلفة على الإنترنت. وأن هذا التقدم أسهم في خلق شكل جديد من الإرهاب، فالإرهاب اليوم لا يعتمد فقط على وسائل الإعلام التقليدية، كما هو الحال بالنسبة للإرهاب التقليدي، وإنما أيضا على وسائل الإعلام الجديدة، وكثيرا ما يتفاعل الإرهاب الجديد مع وسائل الإعلام لنشر الخوف، من خلال نشر أخبار أنشطته وعملياته الإرهابية. ولقد أشار أحد تقارير الأمم المتحدة إلى أن الإرهابيين في كل الأحوال لا يهملون طرق استخدام وجذب انتباه وسائل الإعلام الإلكترونية والصحافة عند التخطيط لعملياتهم الإرهابية، فالإرهاب يستهدف الأشخاص الذين يشاهدون العمليات الإرهابية ويتابعون أخبارها عبر المنصات الإعلامية المختلفة، بنفس قدر استهدافه للضحايا.
في الواقع، هناك من ينظر إلى بعض وسائل الإعلام الإخبارية، في بعض الحالات كمتآمر مشترك، عند نشر أخبار الأحداث الإرهابية، وتداول الرسائل التي يرسلها الإرهاب، ويدل عصر الإرهاب الجديد، على أن الإرهابيين يحاولون الحصول على أقصى قدر من الدعاية، بالاعتماد على بعض وسائل الإعلام، وكل يوم يتزايد اعتمادهم على وسائط الإعلام الجديدة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
ويرتبط هذا الاتجاه الجديد في استخدام وسائل الإعلام بالتحول في كيفية عمل الصناعة الإعلامية الجديدة وتشغيلها اليوم، يمكن اعتبار وسائل الإعلام في كل مكان في مجتمعاتنا، آلية إنتاج للأخبار ونشر المحتويات، كما أن البيئة الإعلامية اليوم تنافسية للغاية، فهي لا تتنافس فقط مع وسائل الإعلام التقليدية، ولكن أيضا مع مواقع الشبكات الاجتماعية؛ مثال الفيسبوك وتويتر واليوتيوب وغيرها، إضافة للمواقع الإخبارية الإلكترونية، والتي هي قادرة على تزويد الجماهير بكافة المعلومات عن أي حدث، في أسرع وقت، وعلى أوسع نطاق، لذلك ليس هناك أكثر إثارة من نقل أخبار الإرهاب ونشرها.
ومع التطور الذي حدث في الإرهاب من الميل إلى الربط الشبكي، والطبيعة اللامركزية للإرهابيين، فإنهم يستفيدون من وسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات الجديدة مثال الإنترنت والهواتف المحمولة والبرمجيات المختلفة، وكذلك مواقع الويب المتخصصة المكرسة لأنشطة مختلفة، مثال الدعاية والتجنيد والتدريب وجمع الأموال والاتصالات، ولقد أصبح من السهل جدا الآن، تسخير الإرهاب لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات الجديدة. وتسمح هذه التكنولوجيا الجديدة للإرهابيين بنشر دعايتهم للعالم بسهولة كبيرة، ولقد تم وصف الإنترنت بأنه واحد من الاختراعات التكنولوجية الأكثر تأثيرا في عصرنا الراهن، فهو يمكن الإرهابيين الجدد من التواصل سراً، ويجسر بينهم المسافات الجغرافية بسهولة كبيرة. ونظرا لكل هذا أكد أحد الباحثين على أن التقدم التكنولوجي جلب لنا حقبة جديدة من الإرهاب، وأصبحت الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت منصة رئيسة للتواصل بين مجموعات واسعة ومنتشرة من أعضاء التنظيمات والخلايا الإرهابية وقادتها.
مع هذا التطور، تغيرت الطرق التي يتم بها تعيين وتجنيد الأعضاء الجدد في التنظيمات الإرهابية، ولم تعد المنظمات الإرهابية تعتمد على وسائل الاتصال التقليدية (مثال: الاتصال الشفاهي، والشبكات وجها لوجه) لجذب الأعضاء المحتملين، وبدلا من ذلك يمكن استخدام الإنترنت كوسيلة عالية الكفاءة، ويمكن من خلاله جذب وتجنيد الأعضاء كل لحظة. على سبيل المثال: يمكن تصميم مواقع الويب بسهولة، والوصول إلى جمهور معين وتجنيده، كما يمكن للإرهابيين تبادل المعلومات حول قضيتهم وجذب المتعاطفين، وتزويد جمهورهم بشكل مضطرد. ليس هذا فحسب، بل عند تجنيد أعضاء جدد، يمكن تدريبهم من خلال مواد معينة على الإنترنت؛ مثال الفيديوهات، والمنتديات، والمكالمات الجماعية، وغالبا يتم تأسيس مواقع إلكترونية لتزويد أعضاء التنظيمات الإرهابية بالمعلومات الخاصة بصناعة السلاح والقنابل، أو تسهيل الهجمات وكيفية التخطيط لها. لم يعد تدريب المجندين الجدد، يتطلب دخول بلد أجنبي، وحضور معسكرات التنظيمات الإرهابية، كل ذلك ممكن أن يتم وبفاعلية من خلال الإنترنت.
وبخلاف ما سبق، تقوم بعض التنظيمات الإرهابية بما يسمى “إرهاب الإنترنت”، وهو استخدام الإنترنت بوصفه وسيلة يمكن من خلالها شن هجوم، وتنفيذ أعمال إرهابية تخريبية، واختراق أنظمة الأمن والمعلومات، زراعة الفيروسات القوية. ويمكن تعريف الإرهاب عبر الإنترنت بأنه الأنشطة والممارسات التي تعتمد على اختراق بعض شبكات الإنترنت الخاصة بدول أو مؤسسات معينة، بهدف التخريب أو التعطيل، وينجم عن مثل هذه الممارسات خسائر مادية وغير مادية، لا تقل خطورتها بأي حال من الأحوال عن الممارسات الإرهابية والتخريبية التي تتم في الواقع الفيزيقي.
وأخيرا، من المهم ملاحظة كيف تؤثر تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وتطبيقات شبكة الإنترنت، على بنية وهيكلية التنظيمات الإرهابية، فبعد أن كانت التنظيمات الإرهابية التقليدية تعتمد على بنية هرمية صلبة وثابتة، تكون فيها السلطة متركزة في أيدي قلة من القيادات، أصبحت تنظيمات الإرهاب الجديد تعتمد على تكوين شبكي وبنية ممتدة ومتناثرة أفقياً وسائلة، والذي يربط بينها تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وتطبيقات الإنترنت المختلفة.