كوفيد

عبد السلام سنان | ليبيا

على الأرصفةِ المهجورة منذ الأزل، يمارس بشغفٍ هوايته القميئة، صعلوك يحشو رئتاه بتبغٍ كوبي رخيص، يقضم ذراع غليونه الأبنوسي بشراهة ناهمة، تتسرّبُ أنفاسه المتحشرجة من أقواسِ الضوء ودوائر الضباب الملبّد، ينفثُ ضميره العاق في وجه العابرين الغرباء، لا يأبه لقاماتهم التي تناهزُ مآذن المدينة الصامته، يتفيأُ ظِلالٌ خضراء تحت صفصافةٍ عارية من اتجاعيد، يحصي أغصانها الآيلة لليباس، تحفظ في جذعها الهش ألف عناء، من حروفٍ وأرقام بكل لغات الأرض، تتمادى في البكاءِ كلّما سكب على جرحها ملح ذيّاكَ اللقاء، يرى النهارات كالليلِ توأمان، أنجبتهما ريحٌ جائحة، الشمس لم يعد بوسعها أن تلد الظِلال ولم يعد بمقدورها أن تخفي رائحة الموت البطئ في شوارع عقيمة إلاّ من سُطوة الخوف وزفيرً يشقُّ صدر القرية كالنص البائس الذي نهض من خوابي النبيذ عاريا، يزيد من بؤس الحالة في حجرهِ الصحي، كئيبٌ كصوتِ فيروزي عند بُحّةِ الصباحات الكسولة، لكنه يظل النافذة المطلّة على الهروب للزمن المخنوق بأنينِ الجموع، تلك التي تفركُ الصدِأ عن جسد الشمع الأملس، لا مناص من أن يترك ظلّه على شفير ذاكرته النيئة، يبحثُ عن مفردة في أغوار نهرٍ تائه، في شِرْعةِ الحزن الأعمى، يتدلّى النص ذائباً كحلمٍ شارد على جسدِ الرمّان يفضحهُ شغفٌ متنمر عند ظهيرةٍ منهكة، لا أكتبُ بحِبْرٍ مدنّسْ، بل بمزاجٍ مقدّس واغماضةٍ ساحرةنبطعمِ أصابعٍ تحترق ! الرمادُ عصفٌ يلهث في غابة الشمس وذُروة القيظ ممهورةٌ لقشٍّ أصفرُ الهسيس، دمعةُ الريح لم تكن سوى ملامح الغياب والتفاصيل فكرة التحليق بعبقرية دون أجنحةٍ فولاذية !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى