حكايا من القرايا.. ” العجّال يقسم الأراضي “
عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين
عدد الأبقار كبير، يقودها راع واحد، تسرح إلى المرعى يومياً، ولا تسير باستقامة في الطريق، بل تأكل من المزروع على جنبات الطريق، تنتش من هذه الشجرة، وتغبّ في ذاك الزرع، وما أن يردعها الراعي، حتى تقوم أبقار غيرها بالاعتداء على ملك الغير القريب من الطريق… والأغنام أنحس من الأبقار، وأكثر شراسة، خصوصاً إذا كانت من السمار التي تتفنن في شقوتها، وشقاء رعاتها…
لذلك كان الناس عندما يقسمون فيما بينهم الأملاك، فإنهم يتحايلون على البسيط منهم، ويعطونه حصته على جانب الطرق، ويعطونه أكثر من حصته بقليل (نفل) ليقبل بالقسمة… اليوم تعال وشوف… كل أراضي البسطاء صارت أثمانها أضعاف أراضي القارحين… ببساطة لأنها على الطرقات… وأراضي الآخرين داخلية…
من نوادر تقسيم الأراضي على الناس، وكانت الأرض قبل الطابو مشاعاً… اجتمع كبارية بلدة السلّامية في مظافة المختار، وقسموا الأراضي بالتراضي… أبو فلان إلو كذا وكذا، وأبو علان الله رزقه منطقة كذا… وعلنتان كذا… وكان يسكن في أطراف القرية “نوري” يصنع الأمواس، ويلبّس أسنان الذهب، ويحسم سكك الحراثة، ويمظّي الفؤوس والسكاكين… وطول اليوم وكوره شغّال في بيت الشعر… قال المختار: لعين هالوالدين النوري بدّو يفلت منها، روحوا جيبوه وحملوه بعض الأراضي… أحضروا النوري إلى المضافة وأعطوه عشرات الدونمات… وعندما عاد النوري إلى خربوشه، خاف من الضرائب… ضريبة العشر، ونصف العشر، والويركو… خاف من التحصل دار… فدبر أمره، ودبر رأيه، وعزم على الرحيل في ليل، والناس نيام… لكن ” قللو بغفّيلك، قللو صاحيلك” استيقظ الناس من نومهم، وبطلت الحيلة، وتجمّعوا بعد أذان الفجر، واقتيد النوري مربوطاً بالحبال، يجره الرجال إلى المظافة، وانعقدت المحكمة بشكل عاجل وطارىء… وحكم المجلس على النوري، بإعطائه ضعف الحصة التي أخذها… نكاية به، ووفقاً لحيلته الغادرة التي أفشلها الساهرون على حماية الأرض… وراحت الأيام وأجت الأيام… اليوم روحوا شوفوا ما يمتلكه أحفاد النوري… من خيرة الأراضي المحاذية للشوارع، ومن أكبر الحصص في القرية… ” يرزق من يشاء بغير حساب” وإذا أجت ببيض الحمام ع الوتد… وبس تروح يبول الكلب على الأسد…