مناقشة ” حصاد السنين بعد التسعين ” في اليوم السابع
تغطية وتقديم: ديمة جمعة السمان | القدس
ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية المقدسية عبر تقنية زوم كتاب “حصاد السّنين بعد التّسعين-نصوص وخواطر” للكاتب المقدسيّ محمد عمر يوسف قراعين، وتحرير الأديب محمود شقير، صدر الكتاب عن مكتبة الشروق في رام الله وعمّان، ويقع الكتاب في 190 صفحة من الحجم المتوسّط. وهذا هو الإصدار الثّاني للكاتب بعد “شاهد على عصره” الذي صدر عام 2016 عن دار الجندي للنّشر والتّوزيع في القدس.
افتتحت الأمسية مديرة النّدوة ديمة جمعة السّمّان فقالت: الكاتب من مواليد قرية سلوان في القدس عام 1929. شغل مناصب تربوية وتعليمية رفيعة بعد حصوله على شهادات علمية عالية من بريطانيا.
عندما يكتب ابن التسعين لا يمكن إلا أن ترى الحكمة تطل من بين السطور، لتكون شاهدة. هي زبدة عقود من الزّمن يضعها بين يدي القارىء خاصة إن كان قد حصل على علم وفير، وشغل منصبا رفيعا، والأهم من ذلك أنه كان مثقفا، مثابرا، تسكن بين ضلوعه روح لا تشيب. متجدّد دوما بأفكاره ومبادراته وروحه الجميلة التي توزع الطاقة الإيجابية على كل من حوله، ويتميز بذاكرة حديدية لا تنسى التفاصيل.
كتاب متنوع يحتوي على الكثير.. لذلك لم يخصه بعنوان محدد.. كتبه بلغة جميلة غير معقدة. تشعر أنك تجلس أمامه وهو يتحدث معك، فهو لديه ما يقول، أشبه بالموسوعة المتحركة، يجمع بين الماضي والحاضر. هو حقا شاهد على العصر… قدم المعلومة والخاطرة والمقالة، ولكن ما وقفت عنده مليا كان في المقدمة والخاتمة… شعرت أن هناك نوعا من البوح النّاعم لرجل عرك السنين فغلبها، ولا زال يقوم بواجباته ونشاطاته ويتواصل مع من حوله، على الرغم من أنه يفتقد لأقرانه وأبناء جيله الذين رحلوا عن الدنيا.. كلماته تشع ثقة بالنفس، تقرأ من خلالها شخصية قوية لا تهادن.
وقال جميل السلحوت: لنقف على ما جاء في الكتاب علينا أن نعرف شيئا عن كاتبه المولود عام 1929م في قرية سلوان الملاصقة للمسجد الأقصى من جهته الجنوبيّة، وكاتبنا ولد في بيت علم وأدب، فوالده شيخ أزهريّ حرص على تعليم أبنائه، درس كاتبنا في جامعتي لندن وهارفرد. وعمل مدرّسا وموجّها ومديرا للتّربية.
ومن يتعرّف على كاتبنا سيتأكّد من صحّة مقولة:” يبقى الإنسان شابّا ما دام يريد ذلك، ويشيخ عندما يريد ذلك.” وكاتبنا رغم أنّه في التّسعينات من عمره ونتمنى له العمر المديد والصّحّة الجيّدة، إلا أنّه لا يزال يتحلّى بروح الشّباب، ويعتني بنفسه وبقيافته كما الشّباب تماما، ومع أنّه يتحلّى بثقافة واسعة، إلّا أنّه حريص على زيادة ثقافته باستمرار، وقد لمسنا ذلك عندما شارك في ندوة اليوم السّابع منذ العام 2014 ولا يزال، وأذكر كيف كان يأتي من بيته إلى الندوة في المسرح الوطني الفلسطيني “الحكواتي”ويعود إليه سيرا على الأقدام، في محاولة منه للحفاظ على نشاطه. ومن خلال مداخلاته في النّدوة لا يحتاج المرء لكثير من الذّكاء؛ ليجد نفسه أمام مثقّف شموليّ، قادر على الكتابة، ولا أعلم الأسباب التي تقف وراء عزوفه عن الكتابة في مراحل عمره السّابقة، فهو ينتقي كلماته ويحرص على سلامة اللغة، فيدهش من يقرأ له أو يستمع إليه.
والقارئ لكتابه هذا سيجد نفسه أمام إنسان واعٍ يفهم الحياة جيّدا، ويريد أن يستغلّها حتّى النّهاية:” من عادتي أن أحبّ الحياة، أقبلها بحلوها ومرّها”. ص12. ولهذا فهو لا يزال في عنفوانه” على كلّ حال، فحتّى الآن لا أشعر أنّني متقاعد فقد وظيفته الرّسميّة، يعاني من فراغ مملّ….وهكذا فإنّني أحيانا أشكو من عدم توفّر الوقت لأتابع مهمّاتي.”ص 12. وبعد أن يستعرض بشكل سريع تاريخ قريته سلوان، التي هي الآن حارة من حارات القدس، ويستعرض سريعا شيئا من التّاريخ العربيّ الإسلاميّ، نراه يفصح عن توجّهاته الفكريّة:” منذ بداية حياتي وأنا أسعى وأبحث عن العدالة الاجتماعيّة، فوجدتها في الاشتراكيّة.”ص25. ويطرح وجهة نظره في “التّطوير والتّطوّر”، وفي التراث ويرى فيه:” أيديولوجيّة تحرّر وثورة ونهضة في مواجهة هيمنة الآخر الثّقافية والسّياسيّة”ص52.
ويستعرض في كتابه بعض أحداث القضيّة الفلسطينيّة من خلال العودة إلى التّاريخ أو من خلال معاصرته لبعض الأحداث. وتضمّن الكتاب بعض الخواطر وبعض القصائد”المنظومة”… وتنبع أهمّيّة هذا الكتاب من التّجربة التي عاشها الكاتب وسجّلها؛ لتستفيد منها الأجيال اللاحقة.
وكتبت رائدة أبو الصوي: مجموعة نصوص وخواطر وانسانيات ووجدانيات وتوجيهات، مواضيع اجتماعية وسياسة وتاريخية ونظريات في علم النفس تطرق لها الكاتب في هذا الإصدار المميز… خبرة عُمُر أديبنا ابو عُمَر، مزيج من التفاؤل والتشاؤم كما هي الحياة… في خاطرة الطيار الفلسطيني ( يوسف برغيث) تجلت الوطنية بقول الكاتب” إن الأحرار إذا سقطوا في أي بقاع الأرض سواء، فدماؤؤهم تتجمع بركانا يطرق باب الحرية الحمراء.
قل لي ماذا تكتب …أقل لك من أنت. كاتبنا الكبير محمد يوسف قراعين تربوي حكيم ، في هذا الاصدار نَفَس تفاؤل وأمل وإيجابية، طاقة إيجابية تشع من غالبية النصوص الأدبية في الكتاب، نظرة فلسفية لبعض المظاهر في الحياة وبعض العلاقات. في الكتاب تظهر مشاعر الفقدان، نجد حنين الكاتب لأصدقائه وأبناء جيله الذين رحلوا. على سبيل المثال بائع الصحف ( ابوسلام دعنا)، وفي خاطرة بمناسبة عيد الأمّ ، في نص مؤثر جدا حيث كتب في الخاطرة:” يا ترى لمين هذا اليوم يلوعني الحنين؟ لامي اللي فقدناها من زمان والا لأم البنين، أو لوالدي اللي مات قبلهم أجمعين ؟
في الكتاب حكم ومن الحكم التي أعجبتني كثيرا:” الحياة الكريمة وعمل الخير مقدور عليه أمّا المجد فهو لرجال الدولة والفنانين والشعراء والمبدعين… على ذكر سيرة الشعراء، الكاتب ابدع في جميع الوجدانيات في قصيدة تحت عنوان: (حبيبتي)، وفي قصيدة( مناجاة) وقصيدة ( في الغربة) و (بين الأمس واليوم) و(الحلوة) و(عتاب) و “في لندن.”.. في الكتاب نصيب لقلعة الصمود الجنوبية الشرقية للقدس (سلوان) جارة الاقصى.. كتب الكاتب جغرافية سلوان وتاريخها وتحدث عن الحياة الاجتماعية والصحية والاقتصادية والتنظيمية فيها، أشار إلى تفاصيل لم تذكر من قبل عن الحياة في سلوان جارة القدس.. خواطر الكاتب كانت شاملة فيها نصائح وتوجيهات تربوي مخضرم، خواطر كل خاطرة تتيح للقاريء التفكير العميق فيها، مثال على ذلك” خاطرة الرب واحد والرزق مفتوح.. وصف حال العمال الذين يعملون بجد ومعاناة ولا يأخذون عطله إلا يوم العيد ( لقمة العيش المغمسة بالوجع)، خاطرة التدخين تدعوا إلى ضرورة الإقلاع عن التدخين، وذلك بسبب الأضرار الجسيمة الناتجة عن التدخين على الصعيدين الصحي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي. ومما قال في خاطرة “دخّن عليها تنجلي” مين علمك إنو السيجارة بتِنعش الصدر بهواها؟ مع انه التتن أعيا نفوس وأرداها، وخلى أجاويدها تطلب من أدناها تبدأ بدلع ، بعدين ولع ، والصدر ما يرتاح وتصير عالكَبَر نباح وشيخ كحّاح.. كما تحدث عن وباء الكورونا، وأشار الكاتب محمد يوسف إلى ندوة اليوم السابع الثقافية الأدبية وأهميتها، وهذا دليل على اهتمام الكاتب بالثقافة ووفائه وانتمائه وإخلاصه للندوة وروادها.
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:شاب في التسعين، ابن حيّ سلوان في القدس يتحدى شيب الذاكرة قبل الشعر، يطالع يتأمل ويتفكر، في أواخر الثمانيات يصدر كتابه الأول “شاهد على العصر”، وبعد التسعين يصدر كتابه الثاني”حصاد بعد التسعين”. إنه الكاتب المقدسي محمد يوسف قراعين، زميلي في ندوة اليوم السابع الثقافية التي تعقد كل يوم خميس منذ ثلاثين عاما.
في هذا الكتاب مجموعة نصوص،خواطر ومقالات أدبية بعضها نوقشت في ندوة اليوم السابع، أرى إنّ في إصدار هذا الكتاب بعد التسعين رسالة لكلّ قارئ، أنا أكتب إذن أنا موجود، وأن الشباب هو في روح النفس والقلب، وإطالة العمر هدية من الله لنغتنمه بالخير.
كما وتتميز هذه الخواطر والنصوص بنقد بعض الظواهر الاجتماعية مع إبداء النصيحة والاقتراحات المفيدة، والأخذ بالحكمة سواء الأمور السياسية أو الاجتماعية، وحبّ الوطن الأرض والشجر، والحثّ على ممارسة الرياضة والمشي، وكذلك المطالعة، فمن خلال قلمه الحكيم يشاركنا مشاعره وحنينه لممارسة المشي”حنيني إلى أيام الشباب التي فيها الصحة من أجل ممارسة المشي”. مع العلم أنه يحافظ على المشي حتى الآن ولكن بقدر أقل بكثير. كما ويبوح بعاطفته الصادقة تجاه حبيبته وزوجته ويصف هذه العلاقة من خلال الخواطر بالحب والوفاء والاحترام.
ويلخص الكاتب العُمْر في هذه الكلمات باللهجة المصرية التي يدعو فيها الإنسان أن يكون طبيعيا غير متكلف. “أصل العمر يومين، يوم فشخره وتكييف وبعد الربيع والصيف خريف،اسمع نصيحة يا صاحبي بلاش الصبغه والتزييف”
وأيضا يطرح الكاتب قراعين أفكاره ومعتقداته في سلوكيات الحياة ويبعثها كبرقيات للقارئ. ولأن الكاتب مثقف ومطالع وروحه لا تشيخ، فهو يواظب على المشاركة في ندوة اليوم السابع كل خميس، ويشارك وقد حضن حروفه بالندوة من خلال خاطرة”أنا والندوة”.
جاء أسلوب الكاتب بلغة سهلة بسيطة أحيانا بالعامية وباللهجة المصرية، وغلب على النصوص الشعرية الشكل القصصي كما في “العدل أساس الملك” على سبيل المثال، كما وبرزت شخصية الكاتب الواعي الواثق من نفسه من خلال تلك النصوص المختلفة”كنت مهما اللّيل يبدو حالكا، ثابتا أخطو وأمشي ملكا”.
وكتبت دولت الجنيدي: عرفنا الأستاذ محمد عمر يوسف قراعين في ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية إنسانا محبا للندوة نشيطا مواظبا على الحضور والمشاركة في المناقشات وإبداء آرائه الجريئة البعيدة عن التملق. يحترمه جميع أعضاء الندوة ويقدرونه. والآن نتعرف عليه أكثر من خلال كتابه هذا، حيث درس الليسانس في جامعة لندن والماجستير في هارفرد في امريكا.
تدرج في سلك التربية والتعليم حيث اشتغل مدرسا ثم موجها تربويا ثم مديرا للتربية والتعليم. تنقل في فلسطين والأردن والسعودية والكويت، ثم عاد الى فلسطين قبل عام النكسة، حين انتقل الى الخليل في سلك التربية والتعليم.
كتب عن قريته سلوان بإسهاب، وشرح مكانتها التاريخية والدينية وكيف أنها كانت أساس مدينة القدس، وكيف أهملت زمن الانتداب وكتب عن معاناتها من الاحتلال، كتب عن القدس واحداثها التاريخية والسياسية وعن فلسطين وتاريخها وقضيتها وأحداثها السياسية، وعن محيط فلسطين من الدول العربية وحتى عن معظم العالم. كتب عن مطالعاته وما اختزنته ذاكرته عن كل ما يدور حوله من أحداث سياسية وأحداث تاريخية وعادات وتقاليد ونظريات حياتية ونظريات تطور الإنسان وعن كل ما استجمعه من حصاد سنواته. كتب عن تطور الإنسان منذ وجوده على الأرض، وكتب عن نظريات ونظام حياة وحضارات، وعن تاريخ البلدان والدول والأحداث السياسية وحتى عن الأمراض، وكتب عما حصده في تاريخ حياته من علم ومعرفة وقراءات واستنتاجات..وكتب نصوصا نثرية وشعرية جميله ومسلية وهادفة استجمعها من ذاكرة حياته وما مرعليه من أحداث، وختمها بتمنياته لتحقيق كل ما يصبو إليه أن يتحقق، وختم كتابه بتعبيره عن فرحته بوجوده على أرض الوطن.
وقالت مريم حمد: خلال قرائتي لهذه النصوص والخواطر شعرت بأنني أمر على التاريخ والأزمنة السابقة وكأنني أعيشها، حقا خاصة فيما يتعلق بسلوان القرية التي عايش أحداثها وتاريخها الكاتب.
كانت حروفه بالنسبة لي مقدسة تصف وتشهد على مرحلة مفصلية وصعبة على تاريخ الأمة في المراحل المختلفة التي عايشها الكاتب.
احتوى الكتاب بين طياته على مزيج من الأفكار والثقافات المتعددة التي عايشها الكاتب وتأثر بها، فشكلت منه هذا الإنسان المثقف الواعي المفكر والمحلل لكل ما عايشه؛ ليضيف له عمقا خطه خلال خواطره ونصوصه التي احتوى عليها الكتاب.
شدني ما في الكتاب من شهادات على العصر جمعت ما بين التاريخ والجغرافيا والسياسة والفكر، والتي تعكس الثقافة الواسعة التي أغبط كاتبنا العزيز عليها، وعلى هذا العطاء والشموخ والثبات الذي يشعرني بسعادة عارمة، وكذلك فخر واعتزاز بقراءة سيرة ذاتية لإنسان جمعتني به ندوة اليوم السابع المقدسية.
وقالت رفيقة عثمان: تخلّل الكتاب حصيلة التجارب الخّاصّة للكاتب، خلال تسعين عامًا مضت؛ تناول الكاتب عددا متنوّعًا من النّصوص، تراوحت ما بين السّيرة الذّاتيّة، واستعراض لتّاريخ الشّرق الأوسط برمّته منذ سنوات الثّلاثين ولغاية عصرنا الحالي، خاصّةً الحقبات التّاريخيّة التي أخفقت فيها الأمّة العربيّة، مع دقّة ذكر التواريخ، وانخراط الكاتب نفسه في تلك الحقبات، ودوره الإنساني الفعّال في الحياة الاجتماعيّة. لم يترك الكاتب حدثًا تاريخيّا، إلّا وتطرّق إليه بسلاسة وإسهاب… برأيي، تُعتبر ذاكرة كاتبنا المقدسي، ذاكرة لامعة؛ بل أرشيفا تاريخيّا؛ لسيرة ذاتيّة وجمعيّة معا.
لم ينسَ الكاتب تدوين حكمته وحِكمه والأقوال المأثورة وتدوين الخواطر، وتطعيمها ببصمته الخّاصّة ورأيه بها؛ بالنقد البنّاء، والتحليل المنطقي للأحداث وسيرورتها. تطرّق الكاتب؛ لتحليل ونقد بعض الرّوايات التي انطبعت في نفسه، وتمّت مناقشتها، ضمن ندوة اليوم السّابع. لا تخلو قراءاته من المناقشة، والنقد والتحليل الجدلي، الّذي يجادل بالحجّة والبرهان.
استخدم الكاتب اقتباسات دينيّة، من القرآن الكريم، وتناولها بالتحليل، ومناقشته غير المنحازة لأي طرف من الأطراف، أظهر الكاتب قدرته على التفكير المُتزن، والطرح الجريء، والموقف المعتدل، كما تناول الكاتب عددا من الأشعار، التي قام بتأليفها في مراحل مختلفة من عمره، تضمّنت الحب والوفاء، وحب الوطن والانتماء، والمناداة بالوحدة العربيّة، والتغنّي بحب الأرض والوطن وحب القدس. ” أنا لست متشائمًا القدس لنا رغم أنف الجميع…. دولتنا آتية بعزم الشّباب ودعم الشّعب”.
اختتم الكاتب نصوص الكتاب “مسك الختام”، بقصيدة “أليست هذه لعبة القدر؟” اقتبس منها بعض الأبيات ” بالتّالي أنا في القدس تراني قاعد وصامد – مع إنّه في الغربة كان … إلّي باع طويل واجد – رجعتي قبل النّكسة بسنة … غانم يا ناس وماجد – قدّيش أنا محظوظ يا الرّبع … والله دايم علينا شاهد – لاقضي العمر واندفن .. بظل الأقصى الخالد.” صفحة 190.
ظهرت لغة الكاتب، لغة فصحى قويّة، تخلّلتها بعض العبارات، والأبيات الشّعريّة، باللّهجة العاميّة، ولغته قريبة إلى القلب والعقل، فيها البساطة والواقعيّة؛ مستخدمًا أسلوب الفكاهة، والمفارقة الّتي تدل على قدرته في فلسفة الأمور، والحكم عليها برجاحة العقل، وتوازن العاطفة. “وفي النّهاية ما بين التسعين والميّة، لا يدخل القلب إلّا واحدة حوريّة” صفحة 113.
إنّ اختيار الكاتب القراعين، لعنوان الكتاب: “حصاد السّنين بعد التّسعين” اختيار موفّق بلا أدنى شك؛ لاحتوائه على أحداث أثّرت في حياة الكاتب على مدى السّنين، ولغاية يومنا هذا؛ التي تجاوز عمر كاتبنا فيها ما بعد التسعين عامًا، والّتي أثبتت بأنّ هنالك حياة ملؤها التفاؤل والعطاء، والفكر النيّر ما بعد التسعين عاما. وشخصيّة الكاتب التي تتّصف بالفكر اللّبيرالي المعتدل، الباحث عن العدالة الاجتماعيّة والمساواة والحرّيّة، والمطالِبة بالتجديد والتغيير للأفضل للحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة للمجتمع.
الكاتب محمد القراعين، العم أبوعمر، تعرّفت عليه ضمن ندوة اليوم السّابع المقدسيّة، والّتي كانت وما زالت تنعقد أيام الخميس، في المسرح الوطني “الحكواتي” بمدينة القدس؛ عرفته إنسانا محبوبا لدى الجميع، متواضعا، مُثقّفا وراقيا في التّعامل مع الآخرين، لديه فكر متوقّد، وحس مرهف، ويتمتّع بروح الفكاهة. امتازت علاقته متساوية مع صغار وكبار السّن على حدّ سواء. لم أنسَ زيارتي لبيته في سلوان، والقريب من الأقصى الشّريف، برفقة أختي الكاتبة نزهة أبوغوش وزوجها؛ والتّعرّف على عائلته الجميلة: ابنته سهاد المُثقّفة، وابنه المهندس عمر المتميّز؛ استمتعنا معًا لسماع عزف على العود من إبداعات المهندس الدّكتور عمر لمعزوفات شرقيّة كلاسيكيّة، واشتركنا جميعًا بالغناء الجماعي؛ خاصّة أغاني سيّدة الغناء العربي “أم كلثوم” بالإضافة لأغنية “السيد درويش”. لم يوقفنا عن الغناء، سوى آذان المغرب الصّادح من قرب المكان “المسجد الأقصى”. أحسست حينها بدفء المكان وقدسيّته، الّتي أحاطت بحياة كاتبنا وأسرته؛ مغلّفة بجمال الرّوح والتّربية الأبويّة الحانية لكاتبنا المحترم أبي عمر؛ تلك الزّيارة لا أنساها ما حييت، حتّى لو وصل عمري التسعين.. برأيي يُعتبر العم أبو عمر، معلَما ومُعلّما متميّزا من معالم قدسنا الشّريف؛ أطال الله في عمره، وجعله قدوة للأبناء والبنات في القدس وخارجها.
وقالت د. روز اليوسف شعبان: يستهل الكاتب كتابه بتوضيح فكرة الكتاب ومن أنها مجموعة خواطر بعضها كتبها قبل أربعين سنة، وبعضها في سنواته التسعين، ورغم شيخوخة الكاتب إلا أنه يوضح لنا أنه لا زال يحتفظ بذاكرته القوية، يقرأ ويشترك أسبوعيا في ندوة اليوم السابع، ويكتب، ويمارس رياضة المشي، ويستغل وقته بالكامل بما ينفعه وينفع الناس، فهو مقبل على الحياة بكل حبّ وأمل، حتى أنه يشكو أحيانا من ضيق الوقت. وقد يكون في قول الكاتب هذا رسالة هامة الى الكثير من الناس الذين يضيّعون وقتهم سدىً، فإذا ما وصلوا الشيخوخة يعتريهم اليأس لدنوّ أجلهم.
يحوي الكتاب مجموعة من الخواطر، كما وصفها الكاتب، وإن كنت أميل إلى تسمية بعضها بالمقالات التاريخية والسياسية والفلسفية، ذلك أن المقال يحتاج الى التمحيص والتفكير والاستناد الى المراجع والبراهين والاثباتات، وهذا ما فعله الكاتب في عدّة مقالات. كما نلمس في الكتاب سيرة ذاتية للكاتب، فيذكر سنوات طفولته وتعليمه وعمله، وما شهده من أحداث النكبة في شبابه. فالخواطر التي جاء بها الكاتب إذن تستند في بعضها على تجاربه الحياتيّة وما اكتسبه منها من حكمة واستخلاص للعبر، وبعضها استمدّه من قراءاته وثقافته الواسعة التي بدت جليّة في صفحات الكتاب. فنجده يكتب في عدة مواضيع: سياسية، تراثية، اجتماعية، اقتصادية، علمية، دينية، تاريخية فلسفية وغيرها.
من خلال هذه الخواطر وهذه المواضيع، يمكننا التعرف على فكر الكاتب وفلسفته في الحياة، فنجده يسعى ويبحث عن العدالة الاجتماعية التي وجدها في الفكر الاشتراكي، وكان قبل ذلك قد ذكر العدل في خلافة عمر بن الخطاب وهارون الرشيد(ص٢٥).
ثم يتحدث عن تاريخ الإسلام منذ الخلافة الراشدة، وحتى سقوط الخلافة العباسية بيد التتر، فيذكر العديد من الخلفاء، والنزاعات والمكائد التي كانت تحاك في قصور الخلفاء، حتى أصبح الخليفة صورة لا أكثر. ثم يتطرق الى حرب المماليك للمغول وسيطرتهم على مصر، بعدها تنشأ الامبراطورية العثمانية التي يمتد سلطانها حتى الحرب العالمية الثانية. بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، تبدأ الدول الأوروبية بالنهوض فتتخلص من سيطرة الكنيسة، وتنشأ الثورة الصناعية التي تعمّق الطبقيّة بين الشعوب. فتنشأ على أثر ذلك حركات اصلاحيّة في حين تُخمد الحركات الاصلاحيّة التي قادها في مصر محمد عبده.
كما نجد فكر الكاتب يتجلّى في قضايا عديدة تتعلق بأمور الدين، فنجده ينتقد تفسير المسلمين لبعض الآيات القرآنية بما يتناسب مع أهوائهم مثل الآية:” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”(صفحة 33)، يقول الكاتب: ” أخذنا منها الجزء الأخير، وأسبغنا عليه قداسة خاصة،وكوّنّا لجانا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يشرف عليها المتشدّدون لاستنكار كل تطور غير مألوف لديهم، وإصدار الفتاوى في شتى المجالات، والتركيز على الحزء الجامد والسلبي من بعض النصوص”.ص 33.
كما يتطرق الكاتب إلى الأحاديث النبوية، ويأتي بالحجج على عدم منطقية بعضها مما ورد في صحيح مسلم وبخاري. ويتطرق الى الإصلاح الديني، الذي توخى منه الكاتب العدل، لكن ذلك لم يحدث، ولعل خيبة الأمل الكبرى كانت في ثورات الربيع العربي الذي توخّى أن تأتي بالإصلاح والعدالة، إلا أن الأمر تحوّل إلى محاربة الإرهاب(ص57).
ثم يعود الكاتب بالتاريخ إلى نشأة الحضارات القديمة قبل آلاف السنين وهجرة الشعوب الساميّة الى بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين، لتنشأ فيها الحضارة البابليّة العريقة، تقابلها الحضارة اليمنية في مملكة سبأ التي برزت في القرنين العاشر والتاسع قبل الميلاد. وحضارة الآراميين في سوريا. وفي مركز متوسط بين اليمن وسوريا، كانت الحجاز المركز الديني في الجزيرة العربيّة.
ولا يخلو هذا السرد من ذكر القضية الفلسطينيّة والنكبة والتقسيم، وما آل اليه وضع الفلسطينيين من خسارتهم في الحرب عام 1948 وتشريدهم. وما تلا ذلك من انقلابات في انظمة الحكم في الدول العربية.
في المواضيع الفلسفية يتطرق الكاتب الى نظرية داروين وخلق الانسان، ثم توضيح الفرق بين مصطلحيّ التطوير والتطوّر، ويدعم ذلك بآيات من القرآن الكريم. أمّا الصفحات الأخيرة من الكتاب وهي بنظري الزبدة فيضع فيها الكاتب فلسفته التي تلّخص تجربته في الحياة منها: “قالوا زمان في المثل إنو الدهر دوّار.. يوم بسايرك بدربك، بس الطبع غدّار” ص 106… الحِلم مسموح، والاعتدال أنسب، وان تاه عنا التوازن، خوفي الفشل أصعب”(ص108).. “بس الخلاف حول الشريعة في الدستور، خلق لنا النصرة وداعش وعقّد الأمور”.(ص112).
وعن تجربته في الحب يقول: ” بالحب تعطي حبيبك بدون ما يطلب شيّ.. الحب يجعل حياتك كلها ضي.. تعيش زمانك هني بين الظلال والفي”(ص 116). وعن عيد الأم نجد ان الكاتب يفضل الاحتفال بيوم العائلة:” أنا عندي، يوم العائلة يا الربع هذا اليوم، أترحم فيه عاللي مات وأحيي اللي بقي، وسبحان الحي القيوم””ص120. وعن أهمية الارتباط بالأرض يقول:” إن مصلحتنا ومصلحة أبنائنا، في الارتباط بالأرض والشعور بإنتاجيتها؛ حتى يقدّر أبناؤنا قيمتها، فتظل عزيزة عليهم كتراث ومورد رزق”(ص135). ولا يخلو حصاد السنين من الشعر، فيكتب عن الحب، الوطن، القدس، الأرض الطيبة، الشهيد، التمسك بالأرض وعدم الخضوع للسماسرة، وفي إحدى قصائده يوجّه نداءه الى زعماء الأمة بقوله: “الحل بأيدينا نفرضه.. لا نستجدي أحدًا .. نصنع مستقبلنا بسواعدنا.. نخضع أمريكا لإرادتنا.. أمريكا تخضع للثوار”(ص159).
أمّا مسك الختام، فيتحدّث فيه عن فلسفته في الحظ والتوفيق، والفرص التي قد تأتي للإنسان وتجلب له الحظ، ومثل هذه الفرصة، تكون نتيجتها ملموسة في ساعتها أو يومها، وأحيانا تظهر نتيجة التوافق بعد سنين.( ص188).
خلاصة القول إنّ الكتاب مرجع مهم في التاريخ والسياسة وأنظمة الحكم والفلسفة وغيرها، كما أنه يثري القارئ بالكثير من العبر والحكم التي استخلصها الكاتب من مدرسة الحياة… مبارك الإصدار للكاتب محمد عمر قراعين وأجمل أمنياتي له بالصحة ودوام العطاء وبقاء الذاكرة حيّة ليثرينا بالمزيد من تجربته الحياتيّة الغنيّة والمثيرة!
وقال الدكتور عز الدين أبو ميزر: الأستاذ محمد عمر يوسف القراعين (أبوعمر)، وانا أيضا أحمل هذا الكنية (أبو عمر) وأنادى بها، وكثيرا ما كنا نرد سوية إذا ذكر إسم أبي عمر، إذ كل واحد منا يحسب أنه المعنيّ بالأمر، وأنا وإياه أكبر اثنين عمرا من رواد ندوة اليوم السابع، ولو تقدم يوم ميلادي ثمانية أعوام أو تأخر موعده هو نفس القدر من السنين لأصبحنا توأمان، كما قال عنا ذلك موقع الفيس بوك في أحد استطلاعاته عني وعنه.
وعودة إلى كتابنا الذي اعتبره كاتبنا نصوصا وخواطر، منها ما ذاكرته التي ما تزال متوقدة إلى هذا اليوم تحفظ الكثير منها، وهذا من أحد نعم الله عليه وقد جاوز التسعين من العمر ويأمل بالوصول الى عُشر ما عاشه النبي نوح وان يبلغ المئة من السنين، وأرجو أن يتحقق له ذلك ويزيد، وهو بصحته ونقاء ذاكرته وحفظه وحيويّته.
الكتاب فيه عدا المقدمة ومسك الختام ما يقرب من أحد عشر موضوعا متنوعا منها التاريخي والوجداني، وما هو ذكريات ووجهات نظر. ولنا نحن في كل هذا أيضا وجهة نظر… بالنسبة للتاريخ فكاتب التاريخ دائما هو أحد اثنين، فإما أن يكون مادحا وإما أن يكون قادحا، وأمّا ما قام به هو شخصيا من أمور سجلها عن نفسه فنعهد فيه الصدق والأمانة، وأمّا وجهات النظر فتقع تحت مظلة الصواب والخطأ ويؤجر ويثاب عليها،
أمّا حصاد العمر من تجربة وما تركه العمر فيه من حنكة وحكمة، وتطلعات مستقبلية فهي تختلف من إنسان لآخر وقد قال من قبلنا: نعم الدهر المؤدب، وأنا أقول: الكُلّ بِمدرَسَةِ الدّنيَا / كَرهَا يَلتَحِقُ وَمُنفَرِدَا / يَتَعلّمُ فِيهَا إنْ هُوَ شَاءَ /ورَغِبَ وَلَا تُرغِمُ أحَدَا
وأخونا أبو عمر من الذين شاؤوا ورغبوا بأخذ أكبر قدر من العلم والمعرفة بما استطاع إليه سبيلا، ونوّع في أنساقها ومساقاتها وظهر ذلك في حصاد سنواته الذي بين أيدينا، كونه قضى أكثرها في حقل التربية معلما وموجها تربويّا ومدير تربية. ولا أنسى روح الوفاء الجميل والحنين الصادق اللذين لمحتهما في سطور ما كتب، وما نعرفه عن حياته.
أنا في الغربة لا احتمل فراق حبيبي/ أنا مثل الحوت بعيدا عن ماء البحر/ أو كالعصفور وقد حرم هواء الجو/ وأغرق قسرا تحت الماء ….. ما أحلى العودة لحبيبي/ ما أجمل ساعة لقياهُ / فتعود الروح إلى جسدي /لحظة إشراقة مَحياهُ
وقالت فاطمة كيوان: هنالك مقولة بمعنى ” إذا احتجت مصدرا للإلهام إذهب لمتحف أو اقرأ كتابا.” هذا ما فعله الكتاب الرائع “حصاد السنين” لدي لأستلهم منه حب الكتابة. فأثر الفراشة لا يرى أثر الفراشة لا يزول. وكي لا يتقزم العمالقم فنحن نشكر الكاتب على نتاجه “حصاد السنين” الذي منحنا إياه هنا للإستفادة نحن والأجيال القادمة.
فلأول مرة عرفت الكاتب هنا على منصة ندوة اليوم السابع وعبر الزوم، ومن أول لقاء أدركت من خلال حواراته أننا نقف أمام إنسان مثقف واع ذكي ما زال يحمل شعلة الأمل في قلبه، حافظ للتاريخ والذاكرة والتراث الفلسطيني .
أما الكتاب فإنه عبارة عن خزائن من الحكايات منها من سيرة الكاتب الذاتية منذ التعليم والى اليوم، ومنها سرد للتاريخ… استعرض خلاله تاريخ بلدته سلوان، التي أصبحت حارة من حارات القدس حاليا وما حولها، فللأماكن قدسيتها في القلب… فالكتاب عبارة عن موسوعة وأرشيف متجول بين يدي القارئ … يستدل به على شخص الكاتب وما اكتسبه من خلال دراسته وثقافته. ليذكرنا أنه ابن لهذه الأرض، وأنك مهما عرفت سيبقى هناك ما يدهشك… هناك في الخواطر والنصوص بعض القفشات اللطيفة وأجواء المرح والكوميديا. وكذالك بعض العبارات التي حفرت بالذاكرة منها : ” لا تيأس أبدا إن لم تشتهر فخمول ذكرك في الحياة نجاح “.. ” الجسد هو الوعاء الذي يضم ما صلح فينا وما فسد “… والكتاب هام جدا للأجيال القادمة للإستفادة منها عن تاريخ القدس والأماكن والأشخاص.
وقالت نزهة الرملاوي: تحفة أدبيّة سرديّة لعميد ندوتنا.. أستاذنا المثقف الذي لا يتوانى عن المشاركة وإبداء الرأي في الرواية والشعر والمقالة والخاطرة، ومعالجة النّص لغويا، واهتمامه بالعدالة الوطنية والاجتماعية..كلّ الحبّ والاحترام… لقد أفادنا الكاتب من خلال نصوصة وخواطره المتنوّعة ولغته الشعرية وإلمامه في كثير من المجالات، وأبدع من خلال مرونته في السّرد التاريخيّ والاجتماعيّ ومبدئه السياسيّ الذي حمله سنوات عمره، وبرّر اعتناقه للفكر النيّر ونظرية التطور والتطوير التي عاشها وحملها في وجدانه.
دلّ كتابه على شخصيته المتزنة اللافتة وانتمائه لوطن عربي واحد، عايش تقلباته السّياسية وتعاقب حكامه من خلال متابعته لكافة المجلات الأدبية والاقتصادية، وثقافته السياسية والوطنية من خلال أسفاره وتنقلاته بسبب وظيفته.. لقد عرض لنا في كتابه الكثير من الحكم والأمثال والشواهد الدينية، والعمق الإنساني الذي تجلى في نصوصه، والقصائد الناعمة في آخر كتابه الشّائق.
عرّفنا الكاتب من خلال سيرته الغنّية على عادات القرية ومعيشة أهلها وتكوين البيوت فيها، والنقود المتداولة على مرّ العقود، وعرفنا على الحواكير والبساتين المنتشرة حول عين سلوان وأسماء الأطباء الذين اشتهروا في ذلك الزمن، والعائلات المقدسية والقصور التي شيدت خارج الأسوار… أستاذنا القدير: لقد فرحت للقدر الذي أبقاك في القدس، المدينة التي تقدّرك كما قدرت تاريخها وناسها وأنسابها وشوارعها واسواقها وإخلاصك وحنينك لها وأنت في بلاد الغربة.