د. هبة الغنيمي ترصد الدلالات الاجتماعية والسياسية لأعمال الفن والمباني العامة في مصر خلال الألف الرابع ق.م.
مجدي بكري | القاهرة
صدرت مؤخرا دراسة قيمة للدكتورة هبة الغنيمي حول الدلالات الاجتماعية والسياسية لأعمال الفن والمباني العامة في مصر خلال الألف الرابع ق.م.
فقد شهد الألف الرابع ق . م في مصر القديمة حراك النقلة الى مجتمع طبقي منظم سياسيا بإتجاه دولة مركزية موحدة بحجم مصر القديمة، من خلال مجموعة من التطورات الاجتماعية والسياسية يمكن من خلالها معرفة كيف تحولت مصر الى دولة موحدة ، وهي ما يمكن رصدها من خلال الفن كوثيقة وكمراه لها دور كلغة وحيدة وفاعلة في مجال التعبير عن الفكر والسلوك الإنساني فيما قبل عصر الكتابة ، وسيلة ساهمت في خلق تقاليد إجتماعية وسياسية وروجت لها . وذلك من خلال دراسة كمية وتحليلية للفن والعمارة الشعائرية والإدارية للألف الرابع ق.م ؛ تعطينا صورة واسعة لمجمل تلك التطورات فيما قبل التوحيد . رصد الفن دلالات إجتماعية وسياسية لمراحل النموالإجتماعي والثقافي للمجتمع المصري خلال الألف الرابع ق.م.
تشمل عملية التغير التدريجي لوظائف وأدوار أفراد المجتمع القائمين على ممارسة أهم نشاطاته لكسب القوت ألا وهي الصيد البري والنهري وفي البحيرات العذبة والأنهار الصغيرة والرعي والزراعة البسيطة، تلك النشاطات التي رسخت لعادات بعينها وأهمها الرقص كوسيلة تعبير جمعي والطباقية وتطور العمارة والممارسات الجنائزية لخدمة الطبقات الصاعدة وهوما يتضمنه الباب الأول من الكتاب ، وقام المتخصصين حرفيا على توظيف الفن لتثبيت بعض الحقائق الهامة بإستخدامه في تسجيل الخبرة الإنسانية لتلك النشاطات ومواقعها كمحور إقتصادي إجتماعي وتسجيل العادات النخبوية في إتجاه ترسخ الطباقية الإجتماعية ، تلك النشاطات التي ساهمت في التطور الإقتصادي في إتجاه كمي ، يعتمد إعتماداً مطلقاً على المقاييس المادية كمستوى الإنتاجية ، ومعدل التراكم ، ومعدل النمو ، ومستوى المعيشة والاستهلاك والإنفاق . بالإضافة الى التبادل التجاري ، وما يتبعه بالضرورة من تحولات منظمة ومتلاحقة على المستوى السياسي خلال عملية تغير تدريجي عبر العصور النقادية ، تقودها القوة التي تملك السلطة في البلاد بتوزيع القوى الإعلامية بإستخدام الفن والتخصص الحرفي كوسيلة ترويج لسلطتها ورموزها وشعاراتها وأيدولوجياتها في إطار الدين تحت حماية رجاله لشرعنة الملكية المقدسة ، وإستخدام القوى العسكرية لحماية مكتسباتها الإقتصادية وإستخدام جهازها الإداري البيروقراطي للتنظيم وضمان إنتزاع الفائض الغذائي من المزارعين وغيرهم . ولذا تم رصد أفكار هامة على المستويين الإجتماعي والسياسي كالهيمنة الاجتماعية والإنتصار في الصراعات وجلب النظام الى الفوضى والتوسع والهيمنة السياسية من خلال مجالات الفن المتعددة وهوما تضمنه الباب الثاني من الكتاب .
كما قاد الفن تطوير الفنون المعمارية منذ الإرهاصات الأولى لتطوير عمارة النخبة السكنية والإدارية والذي تطور لخدمة مؤسسات الدولة الوليدة الإدارية والعسكرية ، وتطوير المباني الشعائرية إشارة الى تأييد المؤسسة الدينية الوليدة ودورها في شرعنة الملكية المقدسة ودعما لأيديولوجيتها وهوما يتناوله الباب الثالث من الكتاب ، مما يشير الى وجود مجتمع طباقي منظم ومتطور ومركب، كما يشير الى وجود فكر جماعي ودرجة من التطور الإقتصادي والإجتماعي والسياسي يؤهل نموذج الدولة الوليدة للتوحيد المركزي .