حديث المرايا

وئام عون | سوريا

أيُّ سحرٍ ترشفه العين من مرآتها حين تقف متأملةً زجاج الروح حتى يتلاشى ضبابه كأنّه انغمس بالنهار …
كم تأملّنا المرايا ، كم وقفنا أمامها على أطلال قلوبنا نراجع تصدُّع الأشياء ، نمشي بشوارع نفوسنا، ننسى، نتذكّر، نفهم، نخطئ، نشفى ..
فنصير كلاماً لايجفّ، أغنياتٍ أثيرة، بنفسجاتٍ من شجنٍ، وأريجاً من حنين …
ستجد وأنت تنظر عميقاً في المرآة .. شيئاً آخر لم يكن في الحسبان، شيئاً ينسيك وجهك، لون عينيك، وتسريحة شعرك ..
وستقرأ في عينيك انطفاء الشغف وذبول الأمل وظلال الخذلان ..
ستتلمس ضلعاً مكسوراً، أو جرحاً مختبئاً عند زاوية الابتسامة ..
ستطالع مالايمكن أن تراه بعينك المجرّدة وتشعر بنفسك تتسرّب في المرآة مستفيضاً في شرحك دون أن تبوح ..
عندما تنظر عميقا في المرآة وجهاً لوجه، لن ترى مرآتك تلك الشامة المتجمّدة في خدّيك ولن تأبه بغمّازتك الجميلة أو عينيك الواسعتين ..
لن تبالي بحركة شفاهك أو حروفك المؤنّقة إذا ما تكلّمت .. فبعض الحروف تتشردق بها الحناجر .. ولا تخرج من مخارجها، وإنما تحتبس في مرآة العين فتراها مرآتك ..
كأنّها تلمس بداخلك أشواك الشّعور دون أن تُجرَح، تفكّك جدائل الأمنيات وتنشر على خصلاتها رغبة الهواء والموسيقا ، حتى تتقافز العصافير على شجرة الروح وتنقشع عن القلب تلك الغلالة الضبابية…
نحن في المرايا ، لسنا وجوها متأنّقة أو كئيبة، ولا سنتيمتراتٍ طويلةً أو قصيرة، ولا كيلوغراماتٍ زائدة  أو مترهّلة، ولا هالاتٍ سوداءَ أو رمادية ..
نحن غيومٌ مثقلة، وفي أعيننا ماء …
كلما انسكبنا بلهفة ننجو من ثقل الأحمال ..
ومن فرط اللّهاث المكتظّ فينا، نزداد كثافةً حيث نتشكّل على المرايا .. كسرب غمامٍ وتنهدات ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى