مهن المدينة المتعددة
عبد الله الحكماني | سلطنة عمان
أجلس على أريكة الصباح
أشاهد الحياة عن قرب
أتمعن في وجوه المارة
أسارع النظر إلى السيارات المسرعة
لآخذ قسطاً من التأمّل
التفت إلى
تفاصيل المدينة
ذات الحيوية بعين
يملؤها الاستغراب مرة
والإعجاب أكثر من مرة
أطالع العمارات الشاهقة
والبيوت الفاخرة
لأقارن ما بين الحاضر
الذي أعيشه
والماضي الذي أقرأ عنه
والمستقبل الذي أمشي إليه
بسرعة الأيام المجنونة
أرى عامل المقهى
صاحب الابتسامة العريضة
وهو يحمل في يده أكواب شاهي الصباح
ليوزعها على الزبائن وهم في طريقهم إلى مقرات العمل اليومي
أسمع زقزقة العصافير
في هذه الغابة الأسمنتية
فتثير استغرابي مرة
وإعجابي أكثر من مرة
أحتسي كوب الشاي الذي وضعته بجانبي على الطاولة
ثم أمارس شهوة النظر
أزيد تدقيقي في التفاصيل
أكثر فأكثر فأكثر
لأرى كيف يتناسل البشر
من بطن هذه المدينة
إلى أعضائها الأخرى
وبكل سرور ونشوة
تلفظهم ثم توزعهم
وكأنه شيئا لم يكن
يشدني صاحب التاكسي
الباحث عن رزقه قبل
أن يغسل الصباح وجهه
بماء الشمس
وصاحب سيارة النقل العام
الواضع رقم هاتفه على متن سيارته
ليحضى برزقه من جيوب
هذه المدينة المتخمة
وفي غمضة عين
يسرق إعجابي
ودهشتي وحيرتي
ألف مرة ومرة
ذلك الرنج أبو الرقم الثنائي
المملوء بالنظارة من رأسه
إلى قدميه
ولم تتركني الشاحنات
لاقلع عن النظر في شوارع المدينة وأناسها وأشيائها الدقيقة
بل تسرق نظري هي الأخرى
بحيويتها مرة
وبتنوع إعلاناتها
على ظهورها ألف مرة
حتى هذه المرأة الواقفة
على الشارع تشدني
براسها المكشوف لعابري الطريق
وتلك السائرة في الممر الواقع ما بين المحلات التجارية
بسيقانها المكشوفة هي الاخرى
للمارة وبرد الشتاء القارس
وها أنا
أمارس مهنة النظر الجديدة
التي اكتسبتها هذا الصباح
من بين مهن المدينة المتعددة
والشمس ترتفع عن منكبي
المحاذي لها رويدا رويدا….