نقل الأسرى في ” البوسطة ” يجب أن يتوقف
علي أبوهلال | محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي
عربة البوسطة هولوكست لنقل وقتل الأسرى الفلسطينيين
تواصل سلطات سجون الاحتلال الإسرائيلي سياسة الإهمال الطبي (القتل البطيء) بحق الأسرى والمعتقلين، والتي أدت إلى وفاة عدد كبير منهم، كان آخرهم الأسير سامي العمور الذي ارتقى شهيدًا بتاريخ 18/11/2021، وتشكل عمليات نقل الأسرى بواسطة عربة “البوسطة” أبرز الأدوات القاتلة الممارسة بحقّ الأسرى، والتي كانت سببا في وفاة الأسرى، ومن بينهم الأسير سامي العمور من خلال نقله المتكرر عبر “البوسطة” وانتظاره لساعات طويلة قبل وصوله للمستشفى، حيث مكث 14 ساعة في معبار سجن “بئر السبع” ينتظر، قبل نقله إلى المستشفى رغم وضعه الصحيّ الصعب والخطير، وفقا لمجموعة من الشهادات التي نقلت عبر الأسرى.
ويقوم الأسرى في سجون الاحتلال وخاصة في سجون “نفحة، وريمون، وإيشل وهداريم” هذه الأيام بمقاطعة عمليات النقل بواسطة عربة “البوسطة” التي تُشكّل أبرز أدوات القمع والتنكيل والقتل الممارسة بحقّ الأسرى، كما يواصلون مقاطعتهم لما تسمى بعيادة سجن “بئر السبع” حيث يطالب الأسرى بنقل الأسرى المرضى بسيارة خاصة إلى المستشفى، وإنهاء رحلة العذاب “البوسطة”.
وأكدت هيئات الأسرى والمعتقلين إلى أن الأسرى ماضون في خطواتهم النضالية، وهي آخذة بالاتساع، وسيكون هناك برنامجًا وطنيًا لمواجهة سياسة الإهمال الطبيّ القتل البطيء، من خلال الحوار القائم والمستمر بين كافة الفصائل، وتمكّن الأسرى في سجن “نفحة” بشكل مبدئي بالاتفاق مع إدارة السجون بعدم نقل أي أسير يعاني من مرض مزمن، أو تعرض لوعكة صحية مفاجئة عبر عربة “البوسطة”.
وأوضحت هيئات الأسرى أنّ الأسير العمور كان ضحية جديدة لجريمة الإهمال الطبي التي تُشكّل أبرز السياسات الممنهجة التي تسببت في السنوات القليلة الماضية باستشهاد عدد من الأسرى، من بينهم الأسير كمال أبو وعر من جنين الذي ارتقى شهيًدا نتيجة للإهمال الطبي، إضافة إلى الأسير حسين مسالمة الذي ارتقى شهيدًا بعد الإفراج عنه بفترة وجيزة خلال هذا العام. وتزداد معاناة الأسرى وبالأخص المرضى منهم عند نقلهم إلى السجون أو المحاكم أو المستشفيات في عربة “البوسطة” التي تشرف عليها فرقة القمع “النحشون”، وهي فرقة تابعة لشركة أمنية إسرائيلية خاصة تعتبر من أقسى الفرق القمعية للأسرى، حيث ينكلون بالأسرى من خلال عمليات نقلهم ويقومون بضربهم وشتمهم ويشدون وثاقهم ب “كلبشات” بشكل استفزازي وحاقد، وتستمر رحلة النقل هذه نحو 8 ساعات يكون الأسير طول هذه المدة مقيّدًا على كراسي حديدية ولا يسمح له بقضاء حاجته أو تناول الطعام. إضافة إلى أن العديد من الأسرى يتم الاعتداء عليهم بطريقة وحشية ومهينة خلال عملية النقل. وتوصف رحلة “البوسطة” بالتعذيب حيث يتعرض فيها الأسرى إلى عذاب قاسٍ، وتزداد الأمور خطورة بالنسبة للأسرى المرضى عندما ينقلون في “البوسطة” وليس في سيارات إسعاف. فعدد من الأسيرات بدأن يتنازلن عن جلسات محاكمهن بسبب الظروف القاسية والمهينة خلال عمليات النقل. وفي بعض الأحيان، يضطر الأسرى المرضى إلى عدم الكشف عن أوجاعهم خوفاً من عملية النقل في “البوسطة”.
وعلى الرغم من التزام مصلحة السجون الصهيونية أمام المحكمة العليا في عامي 2008 و2010 بتحسين ظروف نقل الأسرى من السجون إلى المستشفيات والمحاكم، إلا أن الأسرى مازالوا يعانون من ظروف النقل المزرية، مما يدفع بالعديد من الأسرى للتنازل عن العلاج بسبب ظروف النقل القاسية.
كفلت القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء حق الأسرى والأسيرات بتلقي علاج طبي مناسب لوضعهن الصحي، حيث أكدت القاعدة (24) على أن “تتولى الدولة مسؤولية توفير الرعاية الصحية للسجناء، وينبغي أن يحصل السجناء على نفس مستوى الرعاية الصحية المتاح في المجتمع، وينبغي أن يكون لهم الحقُّ في الحصول على الخدمات الصحية الضرورية مجَّاناً ودون تمييز على أساس وضعهم القانوني.” ونصت القاعدة (25) في الفقرة:” 1. يجب أن يكون في كلِّ سجن دائرة لخدمات الرعاية الصحية مكلَّفة بتقييم الصحة البدنية والعقلية للسجناء وتعزيزها وحمايتها وتحسينها، مع إيلاء اهتمام خاص للسجناء الذين لديهم احتياجات إلى رعاية صحية خاصة أو يعانون من مشاكل صحية تعوق إعادة تأهيلهم”. ويشمل العلاج الطبي المناسب أيضا عمليات نقل الأسرى إلى العيادات والمستشفيات، بوسائل مناسبة تراعي ظروفهم وأوضاعهم الصحية، ونصت اتفاقية جنيف الرابعة في المواد (76) و(85) و(91) و(92) حق الأسرى بتلقي الرعاية الطبية الدورية، وتقديم العلاج اللازم لهم من الأمراض التي يعانون منها، وتنص على وجوب توفير عيادات صحية وأطباء متخصصون لمعاينة الأسرى، ولكن سلطات السجون لا تراعي ذلك أبداً، ما يقتضي دعم خطوات الأسرى النضالية لوقف نقل الأسرى وخاصة المرضى في ” البوسطة” والتي تعتبر وسيلة نقل قاتلة.