ضجيج مناحة الوقت

محمد خلاد السكتاوي | المغرب

صورة الخريف في باريس للروائي المغربي أحمد المديني

هذه نهاية خريف باريس
يطرد ما تبقى من ضياء
وينثر في شحوب الهواء
بذور أشجار القيْقَب المُجنَّحة
بألوان كل الفصول
هلاَّ نرمي أيضا مسوح العاشقين
ونحرق لهاثَ الكلمات
فهي ليست غير لباس
للمعاني الساكنة في جوانحنا

سنخلع عنا ما يغطي عرينا
ونبقى كما ولدنا من رعشة الأبد
لا ندفن ما انفلت من عمرنا
فهو بعض منا
والرهبان صاروا لا يشيعون الموتى
يقضون سهرة حمراء مع قديسة ماجنة
والخريف ضجِرٌ من القتْل
يخبئ مقصلته تحت هرم متحف اللوڤر
ويصلي في باحة الكنيسة المحترقة

تعال نفتح جسدينا لزخّاتِ المطر
ونقطف اللحظات الجَنِيَّة
قبل أن يصيبها الذبول
وتسَّاقط علينا مُتَقَصِّفة
كل الأشياء القديمة تختفي
برج إيفيل السامق مسّتْه لوثة الخلود
فغاب بعيدا عن ضجيج مناحة الوقت
في الضباب الممزّقِ بالرعد

المدينة باردة تنفض شيخوختها
تحت مطر خفيف
وأنا في غرفة بيتنا الصغير
أنتظرك بجانب المدفأة الخشبية
لندفأ ونستحم بنبيذ البُوجُولِي ^
كما يفعل اليابانيون باشتهاء
لاستعادة ينوعة الشباب

لقد رتبت مفرش المائدة
زجاجة نبيذ أحمر مُنَكَّه برائحةِ البلوط
وشرائح لحم مدخن وطبق جبن
ووضعت باقة زهور ومقعدين
ورفعت الستائر الزرقاء
سنتبع الرؤيا نحو الأفق الخفي
مغتربيْن
متّحِدَيْن
وعاشقيْن

أنحتاج لشيء
في هذه المساءات التي تحتضر
سوى أن نكون معا
يجمعنا التناص في الروح؟
فابحث عن معنى
صحوتنا وحياتنا وموتنا
في رماد خريف باريس
فثمة جدوى وراء تلاشي الوجود
كما الأشجار الجرداء في هذه المدينة
تنتظر أن تورِق في الربيع
——————

هامش:
^ Beaujolais: باكورة نبيذ من نوع فرنسي يتم عصره من الجني الأول للعنب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى