في المرآةِ لا أحدٌ سِواي
سليمان دغش | فلسطين
الفنانة بولينا كالينا
رأيتُ ملاكاً في المَنامِ فَخِلتُهُ وحياً
سَيَرفَعُني على أجنِحَةِ النورِ الإلهيِّ لأكتَشِفَ السماوات
الفَسيحَةَ خلفَ حواجِزِ الوَهمِ وَأَسئِلَةِ الحَقائقِ
حولَ إعجازِ الطَبيعَةِ في سَماءِ اللهِ،
كيفَ نكتَشِفُ الحَقيقَةَ في المَجازِ الدُّنيَوِيِّ
وما تَعدّاهُ مِنَ الأسرارِ دونَ أسئلةٍ تُلاحِقُنا لفكِّ لُغزِ الكونِ
فيما يَتَعدّى نِعمَةَ الايمانِ والتسليمِ صمتاً
خارِجاً عن عِلَّةِ الإدراكِ والتّأويلِ،
لا وزنَ لي أحسَستُ أني ريشَةٌ في الرّيحِ هامَتْ
في فَضاءٍ لا نِهائيِّ التَّمَدُّدِ في أبعادِهِ أو بُعدِهِ المكشوفِ
سرّاً لا تُفَسَّرُهُ الحياةُ وليسَ تُدرِكُهُ الحَواسُ
وكُلُّ شيءٍ كانَ حَولي أبيَضَ الرؤيَةِ ناعمَ المَلمَسِ قطنِياً
ورَخواً مثل قَطَراتِ النّدى، هل عُدتُ طِفلاً يا ترى؟
أم ذاهِبٌ إلى أبَدِيّةٍ لم يَختَبِرها أحَدٌ قبلُ ولم يَعُد أحَدٌ
إلى الأرضِ لِيُخبِرَنا ماذا يدورُ الآنَ في خلدِ السماء
ما أسرَعَ النورَ أتَتني بَرقَةٌ قالتْ: تَمَسَّكْ أو سَقَطتَ
لقاعِ هاوِيةٍ منَ العَدَمِ العَديمِ، تَمَسَّكْ جيدا بالنورِ إنْ شئتَ النعيمَ
دَعِ الليلَ مجالاً للتَّأمّلِ والتساؤلِ ربّما يهديكَ هذا الليلُ حِكمَتَهُ
فَيُضيئكَ القنديلُ
كانَ الوقتُ أقصَرَ من خُطوَتينِ على أديمِ الأرضِ،
أوصَلني الملاكُ إلى السّماءِ
وقبلَ أن أرى اللهَ على سدرَةِ المُنتَهى
أو ألتقي بالأنبياءِ والشُّعراءِ رأيتني طفلاً وليداً لا يَعي شَيئاً
وَيَجهَشُ بالبُكاء
أفقتُ مَذعوراً تَلَفَّتُ فلمْ أجِدْ حولي المَلاكَ
وانتَهى الحُلمُ على بوّابَةِ المَجهولِ موصَدة وعلى
ظاهِرِها علامَة استِفهام
أكانَ ذلِكَ حُلماً أم رُبَّما رؤيا؟
نَظَرتُ في المرآةِ فَتَحتُ عينَيَّ على بَعضِ النُّعاسِ المُخمَليِّ
كانَتِ المرآةُ تغويني لأبحَثَ عن جوابٍ كُلَّما
حَيَّرني الوَهمُ وأتعَبَني السؤال
فالشَّكُ مُنتَصَفُ الطَّريقِ إلى الحَقيقَةِ
حينَ يَتبَعُهُ السّؤال الى السؤال
نَظَرتُ في المرآةِ أبحَثُ عَن دَلالَةِ الحلمِ وعَن مَغزى الرؤى
فرأيتُهُ في داخِلِ المرآةِ يَرقُبُني
سألتُ مُندَهِشاً: مَنْ أنت؟
قالَ أنا الملاكُ
وأنت؟
قلتُ الذي يَراكَ بينَ الشّكِ والإدراكْ
فَهَلْ أنتَ تَراني؟
لمْ يُجِبني، وهل في داخِلِ المرآةِ من أحَدٍ سواي؟
أنا لستُ أدرِكُ مَنْ أنا
أأنا الملاكُ أمِ المَلاكُ أنا؟
أم اننا اثنانِ في هَيئَةِ واحِدٍ
لا ينفَصِلانِ إلا في المَرايا
أأُصَدِّقُ الرؤيا أم المِرآةَ
أغمَضتُ عَينَيَّ عَلَيَّ رأيتُهُ فيَّ
أنا المَرئيُّ والرائي
إنَّ المَرايا كُلّها خادِعَةٌ إلا مراياكَ الخَفيَّةَ فيكَ
لا أحَدٌ سواكَ يَرى أسرارَها
ما خبأَتهُ بِلَيلِها وما يُبديهِ فيكَ نَهارُها
لن أكسِرَ المرآة فالمِرآةُ بَعضُ أدلتي ودلائلي
ما زِلتُ أجهَلُ مَن أنا
أأنا السؤالُ أمِ الجَوابُ
أم أنني الإثنانِ في شرَكِ الحياةِ وسِرِّ سِرِّ الكونِ
في معنى المجازِ الباطِنِيِّ؟
أنا لَستُ أدري
وُلِدتُ وكانَ توأمِيَ السُّؤالُ!!