أبوتريكة.. دروس و عبر (٣)

رضا راشد | الأزهر الشريف


وأما عن ثالث الدروس التي يمكن استخلاصها من موقف أبو تريكة، ما يمكن اعتباره (جلد الفاجر وعجز الثقة)، وهو ما تجلى في بجاحة أهل الباطل في التمسك بباطلهم، والاستعلان به، على الرغم من منافاته للفطرة السوية، فضلا عن منافاته للشرائع والملل السماوية ؛ ولهذا أنكره القدماء(عبد الملك بن مروان) وقالوا: لولا أن الله أخبرنا في قرآنه أن قوم لوط فعلوا هذه الفعلة الشنعاء ما صدقنا أن أناسا تفعل ذلك.

فانظر إليهم يتبجحون بما يُسْتَحيى منه، بينما يخجل أصحاب الحق من الدعوة لِحَقهم، حتى إن لاعبا مشهورا يُسْأل- في وقاحة من المذيع-: لماذا لا تشرب الخمر؟ فقال: أعافها (أو نفسي ما بتروحلهاش).

وأنا لا أدري من أيهما أغضب: أمن السؤال الذي يوجهه مذيع يفترض أنه مسلم يعرف حدود ما أحل الله لعباده وما حرم الله عليهم..فكان عليه ألا يسأل سؤالا حُرْمتُه من المعلوم من الدين بالضرورة، أم من الإجابة السمجة التي تجاهلت – هي الأخرى- موقف الإسلام من الخمر، فظهر الجواب كما لو كانت الخمر حلالا، ولكن نفسه تعافها، كما تعاف مباحات الطعام والشراب، وهذا تدليس في ديننا لا نرتضيه.

لا أدري ما الذي يدفع مسلما لأن يستحيي أن يقول عن شيءٍ حرامٍ: هذا حرامٌ، ولا سيما أننا نرى أتباع الملل والشرائع الأخرى لا يستحون من ترك الحرام في مللهم، على الرغم من أن بعضها يبدو غريبا تخفى حكمته على العقول.

وما أنس من الأشياء لا أنسى ما فعله مسئول الكيان الصهيوني يوم جنازة الرئيس السادات (أكتوبر ١٩٨١م)، حين أصر على المشي عدة كيلومترات على قدميه، رافضا امتطاء سيارته، غير عابئ بما في ذلك من عبءٍ شديدٍ على أجهزة الأمن والحراسة حينئذ، ولاسيما في تلك الظروف الاستثنائية.. وما كان هذا كله إلا لأن التعاليم التوراتية تحرم عليهم الركوب في مثل هذا اليوم… وكذلك لا أنسى ما حدث في أكتوبر ( سنة ١٩٩١م) يوم انعقد المؤتمر الدولى للسلام في الشرق الأوسط في مدريد بالأندلس (المسماة بإسبانيا)، حيث أصرت الأطراف الأخرى على عقد الجلسة الأولى للمؤتمر وقت صلاة الجمعة، ولم ترفض ذلك الوفود المسلمة؛ مما تسبب عنه تخلفهم كلهم عن صلاة الجمعة، ثم كانت الصفعة القوية بمغادرة إسحاق شامير رئيس وزراء الكيان الصhيونى للمؤتمر مبكرا في اليوم التالي (يوم السبت) واخلف عن الجلسة الختامية (على ما أظن)، حتى يستطيع أن يصل إلى بلده قبل غروب الشمس؛ لأن التعاليم التوراتية تحرم من الوصول بعد المغرب!

أرأيتم إلى هؤلاء كيف يتمسكون بباطلهم ويستعلنون به، وفيه ما فيه من المخازي، في حين أننا نخجل من الدعوة لحقنا وفيه ما فيه من المعالي؟!

لقد رأينا – في هذه الأزمة – كيف أنهم يوظفون كل مجال لتقرير هذه الفاحشة اللعينة (اللواط)؛ بإشاعتها ونشرها.. حتى استخدموا جمهور كرة القدم المهووس بالكرة، بالإعلان عنها إعلانا يستحيى منه الحياء نفسه، بينما قومنا في سكرتهم يعمهون، يحاولون إيهام أنفسهم بأن كرة القدم لا شأن لها بالدين أو السياسة، وهذا ما تشدقوا بها منذ ثلاث عشرة سنة عندما أحرز اللاعب محمد أبو تريكة هدفا، ثم احتفل به بالكشف عن قميص داخلي مكتوب عليه: (تعاطفا مع غزة) ..يومها تنابحت الكلاب بأن لا شأن للكرة بالسياسة، وأننا ينبغي أن ننأى بالملاعب الرياضية عن صراعات سياسية او خلافات مذهبية لتبقى الكرة مقصورة على المتعة فقط..إلى آخر هذه الهراء..فهلا سألوا أنفسهم اليوم: كيف للإنجليز أن يستغلوا كرة القدم في الترويج لجريمتم ؟! أم أنهم قد امتلأت أفواههم ماء فعجزوا عن الكلام؟!!

ولعل السبب في هذا، هو ما نحن فيه من الغربة، حيث أضحى الدين غريبا حتى بين أهله، وأمسى الحق منزويا والباطل منتفشا؛ ما أشعر أهل الحق بغربتهم وبعضهم بالهزيمة النفسية أمام صولة الباطل فاستشعر خجلا من الدعوة للحق والاستعلان به، وهذه هي الطامة الكبرى التي لن تؤدي إلا لمزيد من الغربة..فليس أمامنا مناص من الاستعلاء بحقنا والاستعلان بالدعوة إليه سبيلا وحيدا لمحو هذا الغربة وانزواء الباطل وأهله في ركن قصي بعيد عن ميدان الحياة..وإنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا بإذن الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى