أبَشّرُ بالقِيامة
سليمان دغش
( فريدريك غورمان) 1807 -1862
في البِلادِ التي وَلَدَتني هُنا
بَينَ ماءَينِ يَختَصِرانِ خَريطَةَ روحي على وُسعِها،
شاطئ المُتَوَسِّطِ مُفتَتَحٌ للبِداياتِ والنهر كادَ يَجِفُّ بهِ الماءُ
لولا انهِمار الدُّموعِ على جِسرِ عَودَتِنا يومَ قالوا لنا
عائِدونَ غداً، لمْ نَعُدْ بَعدُ، سبعونَ عاماً مِنَ الدَّمِ والدَّمعِ
لمْ تَكْفِنا لِنُوَحِّدَ ما بَينَ ماءَينِ كانا لنا أوَّلَ الحُلْمِ والمُبتدا المُنتَهى،
وَطَناً كادَ يُشبِهُنا في مرايا النّدى
لا يُوَحِّدُ بَينَهما الآنَ في غربَةِ الرّوحِ عن ذاتِها
غير شُرفَةِ عَينَيَّ حينَ أطِلُّ على جَسَدي في الخَريطَةِ
كيْ أتأمَّلَ فيها غيابي في حاضِري
وَحُضوري في غيابيَ
أتساءَلُ في رؤيَتي ورُؤايَ تُرى
هَلْ أنا حاضِرٌ فيَّ أم غائبٌ عن حُضوري بها
في الرّحيلِ الطّويلِ إليها على قَلَقٍ في جَناحِ القصيدَةِ
حينَ توَزِّعُني نجمَةً نجمةً في رؤاها؟
كُلُّ شيءٍ هُنا يُشبِهُ المُستَحيلَ فكَيفَ أوازِنُ بَينَ الحضورِ وَبَينَ الغِياب
وَبَينَ الحَنينِ وَبَينَ الأنينِ على شَفَةِ النايِ،
كمْ يوجِعُ النايَ رَجعُ الصّدى!
في البِلادِ التي حَمَّلَتني الصَّليبَ على دَربِ آلامِها
يَومَ صَدَّقتُ وعدَ الإيابِ القريبِ ومِذياعنا العَرَبيَّ
حَمَلتُ أناي ونايي معي وَنسيتُ على شاطئِ البَحرِ والعُمرِ
روحي هُناكَ، فلا أنا حَيٌّ هُنا لا ولا مَيِّتٌ
كَيفَ أحيا ولا روحَ فيَّ
وكَيفَ أموتُ وروحي لَدَيها؟
في البِلادِ التي وَلَدَتني شَبيهاً لها
حَمَّلتني الأمانَةَ وَحدي لأعبُرَ هذا الطَّريقَ الطّويلَ منْ أوَّلي
وإلى آخِرِ الماءِ في آخِري
فإذا مِتُّ على دَربِ آلامها القُدُسيِّ المُعَمَّدِ بالدَّمِ
حسبي بأنيَ بَشَّرتُها بالقِيامةْ