حكايا من القرايا.. ” رُبّ البندورة “
عمر عبد الرحمن نمر | جنين – فلسطين
حتى سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته.. كانوا يتحايلون على الاستهلاك، نعم كانوا ينتجون… يزرعون مؤونتهم من القمح والعدس والفول… إلخ، ومؤونة حيواناتهم من شعير وقطاني… علاوة على تأمين زيتهم وزيتونهم..وثمارهم الصيفية، النباتية كالبندورة واللوبياء والكوسا وغيرها… والفواكه كالتين والعنب والصبر وغيره…
ولما كان لكل ثمرة موسمها، ولكل حبة أوان… أحالوا التين قطّيناً، والعنب زبيباً ومربى…والمشمش أصبح مربى وقمر دين…
البندورة عصرت وطبخت… وشقحت دوائر ونشّفت… وعلّقت قلائد… والبامية كذلك… والملوخية… وغيرها…
من شابه أمه ما ظلم، اليوم غسلنا خمسين كيلو من البندورة اللي يحبها قلبك… والبندورة هذه الأيام على قفا مين يشيل… رخيصة… رخيصة… الله يعين اللي زرعها وقطفها ونقلها للتاجر… غسلناها وقطعناها، والنية إحالتها إلى ربّ البندورة ويسمونه عصير البندورة، أو معجون البندورة، أوميِّة البندورة- لامشاح في المصطلح- ، نبهونا أن هذا النوع من البندورة لا يلائم العصر… وأن البندورة البلدية الحامضة هي التي تعصر… قلنا لنجرب…
بعد التقطيع، قمنا بتقشيرها، فقشرتها سميكة، واعتقدنا أن القشرة ستتلف الطبخة إذا خالطتها… والله يسعد (المولينكس) الذي أراح الأيدي من الفعص والفغص…
لقد جادت علينا الطبيعة بأخشابها، واستبدلنا طاقة الأخشاب بالغاز، وصممنا ثالثة الأثافي، موقدة حجرية، حوافها مستوية ضبطت على ميزان الماء… حملنا ما عصرنا في قدر كبيرة جدا… طنجرة طبيخ أعراس… أشعلنا النار… وقلنا للعصير انطبخ على مهلك يا حبيبي…
في الرابعة مساءً اشتعلت القرامي تحت الطنجرة، وفي الخامسة بدأ العصير ينقر، وبدأ البخار يكون غيومه ويفر إلى الفضاء… والآن الساعة العاشرة والنصف، وما زال الرُبّ في مرحلة الصيرورة والتشكل… إنه المخاض… وولادة شكل جديد للبندورة… وما زلنا نَوزّ الحطب والنار مشتعلة… وما زلنا في الانتظار… ما زلنا في الانتظار…