إلى الأسير عبد الله البرغوثي ^
عبد الناصر صالح
يَقِظٌ تماماً أنتَ في مَرْمى القصيدةِ
والزوايا يلتقطنَ الحرفَ من عليائِهِ
يَقِظٌ تماماً ،
مثلَ شَمسٍ تَهْتدي لِمجالِها المرئيّ
تلمعُ في المدى البَصَريّ
تنهالُ العواصفُ لافحاتٍ
لا مَجالَ لردّها ،
كي يستبيحَ الليل وثْبَتَنا..
ستقودُها بجدارةِ العقلِ المُحرَّرِ
هل ستَنْسى ؟
كم أنتَ مُمتلئُ البريقِ تُطِلّ من كلّ الجهاتِ
تطلُّ مَوفورَ السَّنا
صَيْرورةً للزحفِ مُحْكَمةً
وتَخرجُ شاهداً ..
لكأنّها في البحرِ تعتدلُ الصّواري
فاسْتَنِرْ بشموسكَ الجَذْلى
نبالُكَ ناصعاتُ الحدِّ في قَبَسِ الرّغائبِ
من سيُنْقِذُ عمرَنا الآتي
لنبدأ بالتلاوةِ
مغرمينَ بظلّ مَنْ عَبروا على أحزانِنا ؟
واخمِدْ ضجيجَ الخوفِ حوْلَ رِقابِنا
وابدَأْ ..
كأنَّ الشّعرَ يكتبُ سيرةَ التكوينِ
وحدكَ في ضواحي الرّوحِ
تبحثُ عن نقوشِ الطّينِ في جسد الشهيدِ
ويَرْتَوي من مائكَ الصّفصافُ
هل يُجدي الغناءُ ؟
تبدّلتْ كلّ الأماكنِ واستقرَّ حَصادُنا
في وجهكَ القمحيّ
سوف يزورُنا في حاضرِ الوطنِ المُغَيّبِ
لن يُخيّمَ في مآذننا السّوادُ
ولن يكونَ الإنكسارُ حليفَنا
فاطبَعْ على صدر الزّنازِنِ
بصمةَ الوطن الزُّلالِ ،
كأنّكَ صحوةُ الوعّاظِ
تقتحمُ الفروضَ حبيسةَ الخزّانِ
تسكن صدرَها
تستمرئُ النّفحاتِ
تَقْشُر حُزْنَها ،
لكأنّكَ استَمْلكتَ في غدْرِ الدُّجى
ما لستُ أملِكْهُ أنا مِنْ كذبةِ الطاغوتِ
هل زَيْفٌ هي الأشعارُ
أم هذيانُ عمرٍ قد تخلَّق في الجحيمِ ؟
صَدَقْتَ أم صَدَقَ المؤرّخُ
كذْبةٌ لغةُ العدوِّ
كأنّها أضحوكةُ الأطفال في فوضى الملاعبِ
هل ستنسى ؟
رمّمْ ، إذن ، سقفَ السحابةِ
كي تُضيءَ
وكي تفيضَ على القلاعِ
وتنهلُ الكلماتُ من أثدائِها؟
هل ألبَسَتْكَ الأرضُ مِعطَفَها
لتخرجَ سالماً ؟
فاخرجْ مُعافىً من قيودكَ
شاهداً ،
هذي ملامحُ وجهِ أُمّكَ
أَبْصَرَتْكَ /
أمامَ كلّ رصاصةٍ تفاحةٌ
عادوا جميعاً للوَراءِ
وأنتَ عُدْتَ إلى الأمامِ
مُجَلّلاً بزنادكَ القدسيِّ
وارفةٌ هي الذّكرى
كتبتُ الشعرَ منحازاً لنهجكَ
سوفَ أتبَعُهُ
تأرجَحَتِ الشموعُ فمن يبدّد ليْلَنا ؟
هذي ملامحُ وجهِ أمكَ
أبْصَرَتْكَ كما يشاءُ الحلمُ
لا صورٌ معتَّـقـَةٌ على حَبْلِ النُّعاسِ
فمن يبدّد ليلنا لنراكَ فينا ؟
فاطلقْ هلالكَ سابحاً بغلالِهِ
وافصِحْ عن المَعنى المُتاحِ
لِنُصْرةِ القلمِ الثريِّ
توحّدَتْ كلّ الحروفِ رفيعةً
من رَيْع سُنْدُسِهِ
كأنْ ترقى إلى فردوسِها ..
كلُّ النّوافذِ مُشْرَعاتٌ
كاشتهاءِ الياسمينِ على الأريكةِ
قادمٌ سطحُ المرايا والدّروبِ
يشقُّ مجراهُ الأثيرَ النّهرُ
فانْفُذْ – فَدَيْتُكَ – من يد القنّاصِ
أنتَ ضمادُنا أم جذوةُ الإيقاعِ
في مدنِ المخاضِ؟
كأنْ تهيمَ بكلّ وادٍ
باحثاً عمّا تبقّى في نقوشِ الرّوحِ
من عَسلِ الرّبابةِ
واجتَذِبْ دُرَر الكلامِ
كأنّهُ استجلابُ قافيةٍ تُدَجّنُ ألفَ أغنيةٍ
على جسدِ الشّهيدِ
فهلْ تُرافِقُني إليكَ ؟
أتيتُ مُلْتَهِفاً لنبضِكَ
كي نعانِقَ وردةً في غُرّةِ الأبواب
تلكَ قصيدتي ..
ما ضَلَّ قلبُكَ في سؤالِ الأرضِ لَوْعَتَهُ
فأدمنَ سيرةَ المصباحِ
في حَوْضِ الأريكةِ ،
علّها تنشقّ عن عِقْدِ الخسارةِ نَحْلَةُ الصّلصالِ
لستَ مُغَيّباً في الحوضِ
لستَ مُغَيّباً أبداً
ولم يَفْتِنْكَ وعدٌ كاذبٌ أبداً
كأنّكَ تفتحُ الدّنيا على ميعادِنا في القدسِ
ينبَثِقُ الصباحُ على مشارِفِها
سَنَحمِلُها معاً
كي توقِفَ النَّزْفَ المُؤَدْلَجَ في مضيقِ الجرحِ
لم تخطئْ عُرى التّأويلِ يَوماً
أو صَرَخْتَ من الأذى
هل أتقنَ التجوالَ في دمنا الجفافُ
وعربَدَتْ أنيابُهُ ؟
فارْوِ الكتابَ مجازَ روحِكَ
مثلما يستحوذُ الصّوفيُّ فِطْرَتَهُ
كأنّكَ في ملاذِ الوقتِ
تعشقُ نجمةً غجريّةً ..
ظمِئتْ لماءِ وضوئكَ الأعشابُ
فاعْتَمِرِ الصّلاةَ رداءَكَ المَنْسيَّ
ها عُمْرٌ يُطِلُّ مهلّلاً في سُنّةِ التَّوحيدِ
يرتفعُ الحِجابُ عن البيانِ
ليرتوي بالماءِ من هَلَعِ السؤالِ
سيولدُ المعنى إذَنْ،
والماءُ فَيْضُ شفاعةٍ ينسابُ
يلمَعُ في ثراءِ النَّصِ
يولدُ في المجازِ بِحُلّةِ الصّوفيِّ
ها عمرٌ يضيءُ الرَّكْبَ
فلنُكمِلْ عبارَتَنا إلى ما شاءتِ الأقدارُ ..
^^^
^ عبد الله البرغوثي: أسير فلسطيني من رام الله محكوم بالمؤبد ل 67 مرة، إضافة إلى خمسة آلاف ومئتي عام، قضى منها حتى الآن عشرين عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي.