حكايا من القرايا.. ” حلّاق… الحقني…”

عمر عبد الرحمن نمر | فلسطين

في تلك المدينة، وفي أحد أزقّتها القديمة… وأنا أتلفّت يمنةً ويسرةً، على المباني والمحلات وعلى الناس، وأعجب من هؤلاء الذين بنوا، وكتبوا صفحات عريقة في التاريخ، أقرأ السطور في الطحالب الصغيرة التي تزين الجدران خضرةً… لفت انتباهي عقد صغير، على واجهته مرآة كبيرة، وفي وسطه كرسي حلاقة عالٍ ودوّار، أمامه بسطة عليها عدّة الحلاق، ماكينة حلاقة، وأمواس وشفرات… و… و… ولافتة كبيرة كتب عليها قائمة الأسعار… حلقة راس نمرة صفر… ونمرة واحد… حتى نمرة أربعة… ولحية… وراس ولحية… وخَنْجَرة لحية… كل ما همّني تسعيرة حلقة الراس بسبعة شواقل… يا بلاش… والحلاق مُحَنْدَق… أكل الدهر عليه وشرب… ختيار ربما حلق في دَوْر الإنكليز… والأردن… والاحتلال… وها هو في زمن السلطة… لم يغير شيئاً في صالونه، ولم يتغير فيه شيء، سوى أن يديه ترتجفان، رأيتهما وهو يرفع ملعقة الملوخية مع الأرز ويتغدى… وفي ظهره انحناءة بسيطة…

لا ضير، حلقة كويْسة ورخيْصة وبنت ناس… سبعة شواقل… طيب شو بعرفك هالحلاق ما يخرب لك شعرك؟ قلت في نفسي… أجبت حالي الحال: ولو خرّب، شو ما خرّب، بروح على حلاق ثانٍ… بدفع ثلث شواقل، ويعمر الخراب… كلفة عشرة شواقل على أتعس الأسباب… توكلت على الله… سلمت ودخلت… رد السلام، وقفز واقفاً، تاركاً قصعة الطبيخ… جلست على الكرسي… قلت له: بدّي أقص شعري… قال: كيف؟ قلت لا أدري… بدّي قصة شعر قصير… نفش شعري، وضحك: الله يسامحك شعرك (مهوشر) مثل النتشة… والله بدّو شغل… قلت: لهالسبب جاي… قال: بقصّه بس بكلفك أكثر شوي… قلت” كم يعني؟ قال: أغلى بشيكل… راسك بثمن شواقل… قلت: على الله الاتكال…

في أول ظربة مقص: أعطاني فكرة تاريخية عن مراحل صالونه… همست لنفسي: حلق لي ع الناشف ورب الكعبة… في الظربة الثانية: كانت محاضرة عن حلاقة أيام زمان وهالأيام… وخبرته ومهارته في التعاطي مع الروس الكبيرة والصغيرة… والصلعاء… ثم عرّج على حلاقي هالأيام، ونعتهم بعدم الخبرة والمعرفة… وتحدّاهم إذا واحد منهم بعرف يجلخ موس الحلاقة على القشاط… وفي صيحة مفاجئة… هاي لقيت غلطة في راسك… مين حلاقك انت؟ هههههه… لا حول ولاقوة إلا بالله… ونتف قليلاً من الشعر، وانتقل إلى جهة أخرى من الراس… وهاي كمان غلطة وضحك… ونتف قليلاً من الشعر، وإلى مقدمة الرأس… ونتف… شبهته مثل الحصاد العاطل… بحصد من هون شويْ، ومن هون شويْ… ومن هناك… بلا نتيجة… حلاق قشلان… وما صدقت وهو يقللي نعيماً… دفعت ثمانية شواقل، وخرجت من عنده كسعدان كان علقان في شجره… ورائحة الملوخية تغزو أنفي… وفتشت عن صالون آخر… حتى وجدته… غسل الرجل شعري بالشامبو أول ثِمْ وثاني ثِمْ… وأزال آثار العدوان… وحلق شعري من الألف إلى الياء… نقدته عشرين شيقلاً… ورددت في نفسي: يا مسترخص اللحم… عند المرقة تندم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى