“ننظر إليهم كما ننظر الى الحمير” جملة قالها بن غوريون عن عرب إسرائيل بعد النكبة!!
إعداد وتقديم: نبيل عودة
بروتوكولات حزب مباي تكشف:
كيف ينظر قادة دولة إسرائيل إلى عرب 48 وماذا خططوا لهم؟
لافون وزير دفاع سابق: النازية هي نازية، حتى لو نفذت بأيدي يهودية
مقدمة:
نشرت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية مقاطع من أرشيف حزب مباي، وهو حزب بن غوريون اول رئيس لحكومة إسرائيل، ويكشف الأرشيف مواقف قيادات هذا الحزب من قضية العرب في إسرائيل بعد نكبة الشعب الفلسطيني وتهجير مئات الآلاف من أبنائه وهدم أكثر من 540 بلدة عربية، وبقاء 156 الف عربي من الشعب الفلسطيني فوق تراب وطنهم. لا انوي إطالة ملاحظاتي، لأن النص والمواقف لقيادة الدولة التي سيطر عليها حزب مباي لسنوات طويلة، تطرح تفكير قيادة الدولة من عرب إسرائيل. وأسلوب تعاملهم مع الأقلية العربية، عمليا الكثير من تلك الأفكار المسبقة عن العرب ما زالت سائدة بأشكال كثيرة في السلطة الإسرائيلية. ترجمت المادة وأقدمها كوثيقة للقراء والباحثين.
خلال العقدين الأولين من قيام دولة إسرائيل، كان نقاش عاصف حول “المسالة العربية” وحول ضرورة الحكم العسكري الذي فرض على العرب في إسرائيل. كان خوف بن غوريون (اول رئيس لحكومة إسرائيل) ان تحدث انتفاضة كما كان الحال بالجزائر (القصد الثورة الجزائرية في وقته ضد الاستعمار الفرنسي).
موشيه شاريت، الذي كان وزيرا للخارجية الإسرائيلية، حذر من “اشكال زائدة من القساوة”، الجنرال ديان (فيما بعد قائد الأركان الإسرائيلي) أصر على تهجير العرب، اما لافون (اصبح وزيرا للدفاع) فقد حذر: “ممنوع ان يتصرف اليهود مثل النازيين”
“المسالة العربية في إسرائيل” – هكذا سمى قادة مباي (اسمه الرسمي الكامل: حزب عمال ارض إسرائيل -نبيل) الموضوع المعقد الذي نشا في داخل دولة اسرائيل الصغيرة بعد ما يسمى “حرب الاستقلال”. (أي نكبة الشعب الفلسطينيّ)!
بعد انتهاء الحرب والتوقيع على اتفاقات وقف إطلاق النار بقي 156 ألف عربي في المناطق التي أقيمت عليها دولة إسرائيل، وشكلوا 14% من سكانها. بصدق قال في وقته وزير الخارجية موشيه شاريت، بافتتاح جلسة كتلة حزب مباي، وسكرتاريا الحزب في (18 -6-1950) ان هذا الموضوع يشكل احدى المسائل الأساسية لسياستنا مستقبلا”، وان “هذه المسالة تحمل في صميمها احدى المواضيع الأساسية لسياستنا ومستقبل دولتنا”. وان “هذا الموضوع يحمل في صميمه اخلاقيات الدولة ” لأن مستوانا الأخلاقي يتعلق بهذا الامتحان -إذا صمدنا به او لم نصمد”.
مرت 70 سنة منذ أجرى حزب السلطة مباي هذا البحث، ويبدو اليوم، كما في ذلك الوقت، “أن المسألة العربية في إسرائيل” تواصل ارباك السياسيين، في محاولتهم التعامل مع مكانة الفلسطينيين مواطني إسرائيل (او الاصطلاح السائد عرب إسرائيل-نبيل)
تصفح بروتوكولات حزب مباي، المحفوظة في أرشيف حزب العمل (حزب العمل هو اسم مباي الجديد- نبيل) في بيت بريل، يبرز الخلاف العميق الذي ساد في الحزب بين اتجاهين بديلين متناقضين، حول مستقبل العرب في إسرائيل: من جهة أولى سياسة الفصل واليد القاسية، التي ايدها دافيد بن غوريون ومقربيه- الجنرال موشية ديان(فيما بعد اصبح قائدا للأركان) ورجل وزارة الأمن (الدفاع) شمعون بيرس، ومن الجهة الثانية سياسة الاندماج، التي طرحها موشيه شاريت (موشيه شاريت ثاني رئيس وزراء لإسرائيل وخدم من الفترة 1953 إلى 1955 ) وايده بنحاس لافون (وزير دفاع إسرائيلي سابق)، زالمان اران (وزير تعليم سابق) دافيد هكوهن (أديب، عضو كنيست ورئيس لجنة الخارجية والأمن فيها لفترة طويلة) وآخرين.
الخلاف بين بن غوريون وشاريت كشف علاقتهم مع العالم العربي بمجمله، شاريت انتقد سياسة بن غوريون والتي حسبها “ان العرب لا يفهمون الا لغة القوة”، وأشار الى اتجاه يفضل “موضوع السلام”، وتناول باختصار هذا البديل، وفي اجتماع كتلة مباي البرلمانية في (9/7/1950) قال: “السؤال ما هو موقف الدولة من الأقليات؟ هل نريدهم أن يبقوا في الدولة، ان يجري استيعابهم في الدولة او ليذهبوا من الدولة؟ …أعلنا عن المساواة للمواطنين بدون تمييز بالانتماء الاثني، هل كان القصد لوقت لا يبقى فيه عرب في الدولة؟ إذا كان هذا صحيحا فهو احتيال”.
جهاز العمل الأساسي: ترانسفير (تهجير)
الأبحاث في حزب مباي جرت بشكل حر تقريبا، رغم انه كان تخوف من ان تتسرب معلومات من الجلسات الى الصحف، حتى لا يجري ضغط دولي على إسرائيل من اجل تحسين علاقتها مع العرب (القصد العرب في إسرائيل). وبناء على ذلك، مستقبل العلاقات بين الشعوب التي تعيش في البلاد تطلب حسما ذو طابع سياسي ثقيل جدا يشمل ضمن ما يشمله: حق التصويت، قانون أملاك الغائبين (القصد أملاك اللاجئين الذي هربوا من البلاد او عادوا بعد تسجيل السكان، اذ صودرت أملاكهم أيضا بصفتهم غير موجودين في الدولة في تاريخ إعلانها واطلقت الجماهير العربية في إسرائيل على هذا القانون تسمية قانون “حاضر غائب”– نبيل) مكانة جهاز التعليم العربي، عضوية العمال العرب بتنظيم الهستدروت (اسمها الأصلي “الهستدروت – نقابة العمال اليهود في ارض إسرائيل” وبن غوريون كان اول رئيس لها زمن الانتداب، فيما بعد جرى تعديل اسمها الى “الهستدروت – النقابة العامة للعمال في إسرائيل” – نبيل) وغير ذلك من القضايا التي تتعلق بالعرب في إسرائيل.
احدى القضايا التي طرحت بقسم كبير من الأبحاث تناولت سياسية الاصرار على طرد العرب سكان البلاد-“ترانسفير” -وهو اصطلاح ترك في وقته أيضا تأثيرا شديد الازعاج بآذان عدد من معارضيه. في جلسة جرت في حزيران 1950 عارض شاريت ادعاء بن غوريون وجماعته، الذي ادعوا ان العرب هم “طابور خامس”. وحسب رؤية شاريت ان مصير العلاقات بين الشعبين، يتعلق أكثر من أي شيء باليهود. “هل نواصل اضرام النيران؟ سأل شاريت، او نعمل على اخمادها؟ رغم ان التعليم الثانوي لم يكن بعد قد أصبح مفروضا بالقانون، الا ان عددا كبيرا من أبناء البلدات اليهودية تعلموا بالثانويات، وشاريت كان يعتقد انه على الدولة واجب ان تقيم مدارس ثانوية للعرب. “يجب ان نؤمن لهم الحد الثقافي الأدنى” كما قال.
موشيه ديان: ترانسفير (تهجير) للعرب الموجودين بأرض إسرائيل
عبر حسابات سياسية، كان توجه مؤيدي التهجير تجاهل الفرق بين العرب في إسرائيل، وبين المتسللين الذي اجتازوا الحدود، رأي شاريت كان عكسيا. حسب رؤيته “يجب ان يكون تمييز بين عمل نشيط ضد التسلل العربي وبين سياسة الاضطهاد التي تمارس على العرب في البلاد”.
اشخاص أمثال شاريت وبنحاس لافون-رأوا بعين إيجابية خروج العرب من حدود الدولة. انما فقط “بطرق سلمية”، شاريت عارض بقوة موقف ديان، الذي لم يكن يريد بأن يكون عرب اقل في البلاد فقط، انما عمل من اجل تهجيرهم القسري بواسطة الترانسفير. حسب شاريت:” ممنوع تنفيذ ذلك عبر سياسية شاملة لكل اشكال التمييز والاضطهاد”. شاريت تحدث عن “أشكال زائدة من العنف، التي تسبب لنا بالتأكيد تدنيس اسم الله، بشكل لا يمكن تقديره”. رغم ان ديان كان رجل جيش -جنرال القيادة الجنوبية، بنفس الوقت – ديان اشترك بالجلسات السياسية لحزب مباي وساهم بتشكيل السياسة العامة. كان من قادة النهج المتطرف ضد السكان العرب وعارض اندماج العرب بالجيش (وهي فكرة اسقطت فيما بعد). ديان عارض منح العرب “بطاقات مواطنين دائمين” وعارض دفع تعويضات للعرب الذي صودرت أراضيهم، وعمليا عارض كل عمل بناء يمكن
ان يساهم على بناء جسور بين الشعبين. “قال: “سنساعدهم على العيش بواقعهم الموجودين فيه اليوم، ولا شيء آخر” كما فكر. موقفه كان ثابتا طوال السنوات، ويتعارض مع موقف شاريت والتيار الذي يمثله في مباي. “اريد ان أقول” ، قال ديان في حزيران 1950: “حسب رايي يجب ان تكون سياسية الحزب موجهة بشكل نرى فيه هذا الجمهور، الذي تعداده 170 الف عربي، بصفته جمهور لم يقرر مصيرهم بعد، آمل انه بالسنوات القريبة، تكون إمكانية لتنفيذ ترانسفير (تهجير) للعرب الموجودين بارض إسرائيل، وكل الوقت نتوقع ان تصبح امكانية من هذا النوع ممكنة، يجب ان لا نعمل أي شيء يتعارض معها”. وعارض ديان اقتراح شاريت بتحسين مستوى التعليم بأوساط الجمهور العربي. قال: “ليس هذا من واجبنا ان نغيره، وهذه ليست المسألة الوحيدة، التي لم يصل بعد الوقت لحلها النهائي”.
النازية هي نازية، حتى لو نفذت بأيدي يهودية
زالمان اورن، الذي صار وزيرا للتعليم، عارض سياسة الحكم العسكري (وهو الجهاز الذي أقيم مع إقامة الدولة، عمليا هي نفس قوانين الانتداب البريطاني الاستعماري، وذلك لاستعماله كأداة للسيطرة على الجمهور العربي والذي الغي في عام 1966 – نبيل) قال: “كل الوقت الذي سنبقيهم محاصرين داخل غيتوات، عندها كل البناء الإيجابي لن يساعد”. كان لافون قد طالب بإلغاء الحكم العسكري عام 1955، قبل عدة أشهر من استقالته من منصبة كوزير للدفاع، وتحدث بلهجة قاسية في اجتماع في بيت بريل:” دولة إسرائيل ليست قادرة على حل مسالة العرب الذين في الدولة، بطرق نازية” كما قال، وأضاف:” النازية هي نازية، حتى لو نفذت بأيدي يهودية”. وقال موشية شاريت:” حين يجري شنق يهودي بسبب قتل عربي بلا أي ذنب، وبدم بارد، فقط عندها اليهود سيفهمون ان العرب ليسوا كلابا، بل بني بشر”.
لافون بسخرية: نحن الاشتراكيين الافضل في العالم… حتى عندما نسرق العرب!!
قبل ذلك أيضا كان لافون معارضا حادا للخط الذي قادة موشيه ديان ومؤيدي تهجير من تبقى من عرب في البلاد. في اجتماع مجلس مباي (21/5/1949) لاحظ بسخرية: “هذا أمر معروف اننا نحن الاشتراكيين الافضل في العالم… حتى عندما نسرق العرب”. في جلسة مكتب مباي (19/1/1950) حذر لافون انه “لا يمكن العمل وسط العرب عندما تكون السياسة هي التهجير. من غير الممكن العمل في وسطهم -إذا كانت السياسة هي اضطهاد العرب-هذا يمنع أي نشاط فعلي. ما ينفذ هو اضطهاد مثير ووحشي للعرب في دولة إسرائيل…لا يوجد ما يقال عن التهجير. إذا لم تكن حرب -هم لن يذهبوا. 200 الف من العرب سيكونون مواطنين من جهة التصويت، علينا ان نقرر لأنفسنا، كحزب الدولة، سياسة بناءة في المناطق العربية”.
قبل ذلك في كانون أول 1948، عندما جرى البحث حول إعطاء حق التصويت للجمعية التأسيسية – المؤسسة البرلمانية الاولى في إسرائيل، التي انتخبت عام 1949 وبعدها بشهر غُير اسمها الى “كنيست إسرائيل” – وافق بن غوريون على إعطاء حق التصويت للعرب الذين كانوا في البلاد عندما نفذ تسجيل السكان قبل ذلك بشهر. شمل السجل 37 ألف عربي. يبدو ان قراره بإعطاء العرب حق التصويت كان بسبب حسابات حزبية: التقدير كان ان الأكثرية (أي أكثرية العرب) ستصوت لحزب مباي، وليس للأحزاب المنافسة. واثباتا على هذا يوجد في الأبحاث حول قانون المواطنة الذي صيغ في بداية 1951، وفيه كان موقف بن غوريون الأكثر تعنتا. رفض بن غوريون إعطاء حق التصويت للعرب الساكنين في البلاد بشكل قانوني (كما طلب شاريت) ولكن وقت التسجيل السكاني كانوا بمكان آخر (لأنهم هربوا او طردوا على أثر الحرب) مثال لذلك عرب المثلث، الذين في نيسان 1949 جرى ضمهم الى إسرائيل بعد اتفاق وقف إطلاق النار مع الاردن. “لا توجد بلاد في العالم التي يوجد فيها وقت الانتخابات نوعين من المواطنين (؟) تساءل بن غوريون في جلسة كتلة الحزب البرلمانية (20/2/1950).
شاريت، الذي طرح للتصويت اقتراحا مضادا، اعتقد انه لا يمكن الدفاع عن “وضع مثل هذا بالنسبة لنا وبالنسبة لأولئك العرب، وبالنسبة للعرب عامة في إسرائيل، وبالنسبة للراي العام العالمي. لذا، اقترح شاريت إعطائهم حق التصويت، وقال “انا اميز فقط العرب الذين دخلوا البلاد بدون اذن” (القصد اللاجئين الفلسطينيين الذين عادوا متسللين لبلداتهم- نبيل).
شاريت ادعى ان بن غوريون لا يعطي رأيه حول جذور المشكلة، وحذر انه تجري في البلاد “أشياء رهيبة” ضد العرب. وأضاف “حتى يشنق يهودي بسبب قتل عربي بلا أي ذنب، بدم بارد، حتى ذلك لن يفهم اليهود ان العرب ليسوا كلابا انما بني بشر”. في التصويت الذي جرى في نهاية الجلسة انتصر شاريت، وعرب المثلث صوتوا في الانتخابات.
عملية نشر اليأس
قال زالمان آران: من ناحية أخلاقية، إذا كنا حركة لا تكذب، ولا نريد ان نكذب، أرى اننا هنا نحن نعيش بكذب مطلق. في الجلسة الأخيرة (9/7/1950) عارض عضو الكنيست دافيد كوهن الادعاء بان التمييز ضد العرب، وفرض الحكم العسكري، هما ضروريان من اجل أمن الدولة، وتحدث بحدة ضد “قانون أملاك الغائبين وقال “لا اعرف اذا كان واضحا لنا جميعا، عندما صوتنا، كم هو خطير قانون أملاك الغائبين” هكوهن أشار انه “حسب القانون، عندما يموت عربي، املاكه لا تنقل لزوجته بل للوصي على الأملاك المتروكة .. لا يعقل ان نعلن عن المساواة لكل المواطنين وبنفس الوقت يبقى قانون مثل هذا قائما”.
يبدو انه لم تكن معارضة للمقارنة التالية: “هذه القوانين التي نصدرها بخصوص السكان العرب لدولة إسرائيل، لا يمكن مقارنتها حتى بقوانين اقرت ضد اليهود في العصور الوسطى، في الوقت الذي كانوا هم يلغون أي حقوق، لذا هذا نقيض كامل بين تصريحاتنا واعمالنا”.
موقف شبيه لموقف هكوهن عبر عنه زالمان اران، الذي رأى ان الشكل الذي تعالج فيه مباي القضية العربية، هو “عملية نشر اليأس” والتي يجب اسقاطها، وليس الترافع عنها. “من ناحية أخلاقية، إذا كنا حركة لا تكذب، ولا نريد ان نكذب، أرى اننا هنا نحن نعيش بكذب مطلق”، كما قال بنفس الجلسة “كل الكتب والمقالات التي كتبت والخطابات التي القيناها، للداخل والخارج، لا يوجد بها أي شيء ايجابي عندما تصل للتنفيذ. لا اتكلم عن علاقات مع افراد قليلون، في البلدات العربية، انا اتكلم عن خط، انا ارفض هذا الخط، الذي اتضح من ناحية اجتماعية، ويوجد لذلك أكثر من الف وواحد مظهر، انا لا اقبل كل التبريرات التي قدمت”.
اران عارض الخط الذي قاده ديان، وقارن بين واقع العرب في البلاد وواقع اليهود الذين يعيشون ببلاد أخرى. ” لا يوجد أي عدل للمطالبة بعلاقة أخرى للأقليات اليهودية في البلاد الأخرى على قاعدة ما نحن نقوم به هنا مع العرب…نحن بوضع خسارة كاملة .. كنت سأحتقر العرب لو اتصلوا بنا على اساس هذه السياسة. نحن سنكذب بالانترسيونال (مؤتمر الأممية) نحن نكذب على أنفسنا ونحن نكذب على شعوب العالم”.
ديان – كان ما يزال ضابطا بملابس الجيش ويجب تذكر ذلك – عارض وجهة نظر هكوهن واران، ولم ير سببا للتمييز بين الجمهور العربي في البلاد وبين العرب في الدول العدوة. “انا متشائم جدا من إمكانيات ان نرى أولئك العرب كعديمي التأثير” لخص. بنغوريون:”نحن ننظر عليهم كما ننظر على الحمير”
شمعون بيرس: الحكم العسكري انتجوه العرب الذين يشكلون خطرا على إسرائيل!!
عبر تلك السنوات دار صراع سياسي في حزب مباي حول استمرار وجود الحكم العسكري. بن غوريون دافع بدون تردد على استمرار الحكم العسكري، الذي رأى به “قوة ردع” ضد العرب في البلاد. في جلسة سكرتاريا مباي (1/1/1962) انتقد “السذاجة السائدة” لأولئك أمثال شاريت واران، الذين لا يفهمون العرب، وحذر مما يمكن ان يحدث: ” يوجد اشخاص يعيشون بوهم اننا شعب مثل كل الشعوب، وان العرب مخلصون لإسرائيل، وان ما يحدث بالجزائر لا يمكن ان يحدث هنا”. وأضاف: “نحن ننظر عليهم كما ننظر على الحمير” وقرر “الأمر لا يعنيهم. هم يقبلون ذلك بحب” ورأى بنغوريون الخطر بتحرير الرسن الذي يقيد العرب: “أنتم وامثالكم المؤيدون لإبطال وتخفيف الحكم العسكري ستكونون مسؤولين عن خسارة إسرائيل” قبل عقد كامل قال شموئيل ديان، والد موشيه ديان، اقوالا شبيهة في جلسة كتلة مباي (15/1/1951) وحذر من أن العرب ” يمكن ان يكونوا مواطنين جيدين، ولكن هذا واضح انه في اللحظة الأولى سيكونون باستمرار خطرا كبيرا”.
حلل اران الواقع بشكل عكسي. في بحث بسكرتاريا مباي في كانون ثاني 1962 ادعى اران ان وجود الحكم العسكري هو ما “يسيء للوضع”، ولم يقبل فكرة المقارنة مع الجزائر، العكس هو الصحيح، فكر، وجود الحكم العسكري لن يؤخر التمرد العربي انما فقط يمكن ان يدفع اليه. النقد الذي قاله في بداية سنوات ال – 50، قاله أيضا بعد عشر سنوات، اران عارض واقعا يكون فيه العرب مواطنين من “الدرجة الثانية” لا حقوق لهم كما هي لليهود، وانتقد نفسه وشركائه:” نحن قبلنا هذا الشيء، تعودنا عليه… وجعلناه ضمن النظام اليومي، من الصعب هضمه .. ولا عربي في دولة إسرائيل يستطيع، او يحتاج، او مستعد لذلك، بوضع لا نعطيهم من ناحية اقتصادية، تربوية أي شيء– لن يقبلوا هذا الواقع بصفتهم مواطنين من الدرجة الثانية داخل دولة إسرائيل. انا اعتقد ان العالم لا يعرف هذا الوضع على حقيقته. لو عرف لما كان يسمح لنا ان نعبر على جدول الأعمال العادي”. وزير المالية ليفي اشكول، الذي اثناء توليه منصب رئيس الحكومة أُلغي الحكم العسكري، توقع في ذلك الوقت ثمرة الخطأ: ” لا استغرب اذا نتج فجأة امر جديد بحيث لا يريدون تأجير اسطبل _ وليس غرفة – لعربي في أي مكان، هذا استمرار لهذا الواقع. هل نستطيع تحمل ذلك؟”
الذي لم يترك عليه المنتقدين أي تأثير في تلك الأيام كان بالضبط شمعون بيرس، الذي اشغل وقتها منصب نائب وزير الأمن. في جلسة سكرتاريا مباي (5/1/1962) ادعى انه عمليا ان الحكم العسكري لا يشكل عائقا على العرب، وان الحكم العسكري كما قال بيرس: “انتجوه العرب الذين يشكلون خطرا على إسرائيل .. وكل الوقت الذي سيكون هذا الخطر قائما علينا ان نواجهه بفهم”. بالمقابل ايسر هرئيل – الذي كان رئيس الشاباك (1950 – 1952) ورئيس الموساد، 1952 – 1963) -ادعى ان في عام 1966، بعد ان استقال من منصب مستشار اشكول لشؤون المخابرات والأمن، انه لا ضرورة أمنية للحكم العسكري، لذا لا ضرورة لاستمراره. ليست وظيفة الجيش التعامل مع المواطنين العرب، هذا مخل من الناحية الديموقراطية عندنا” (معريب 10/7/1966). هذا الموقف كان مشتركا “للشخصيات الأمنية” المختلفة، ومنهم يغال الون، وذلك منذ سنوات ال – 50.
عبر كل السنوات جرى الادعاء ان الحكم العسكري هو أداة بيد حزب مباي لتقوية حكمه. عبر منح وظائف وتوزيع حسنات وأيضا عبر التدخل بجهاز الانتخابات عبر تركيب قوائم رسمية سهلة لحزب السلطة واضطهاد المعارضين من الناحية الأخرى. أقيمت قوائم عربية، القوائم كانت تركيبة من شخصيات تعاونت مع الحكم العسكري وحزب مباي، طبعا أقيمت بالتنسيق مع حزب مباي لمواجهة قائمة الحزب الشيوعي آنذاك، هي عمليا تابعة لمباي او “جزء عربي” من حزب مباي لانتخابات الكنيست، لا دور عملي لها الا دعم مواقف حكومة مباي، وسياسة مباي ضد العرب، ووصلت المهزلة بأحد أعضاء الكنيست العرب من القوائم العربية درجة الدفاع عن الحكم العسكري بقول “انه لمصلحة العرب” وصوت طبعا ضد الغاء الحكم العسكري.
اشار بن غوريون، حسب فهمه، الى احدى الفوائد لسياسة اليد القاسية، التي استخدمت للمحافظة على الفصل بين العرب واليهود، كما تكلم بشكل صريح في جلسة سكرتاريا مباي (5/1/1962) قال: “في اللحظة الذي سيتم القضاء على الفرق بين اليهود والعرب، بحيث يصل العرب لنفس المستوى .. لا شك لدي اطلاقا ان إسرائيل لن يبقى منها أي ذكر للشعب اليهودي.”
ملاحظة أخيرة:
ما انجزه العرب في إسرائيل لم يكن سهلا، قيادات تاريخية خاصة من الأعضاء العرب في الحزب الشيوعي، وقد دفعوا ثمنا كبيرا من اجل إعادة تشكيل الأقلية العربية كأقلية قومية أولا، الحفاظ على لغتها، تطوير ثقافتها، وتنظيمها لمواجهة سياسة التمييز العنصري والاضطهاد القومي والدفاع عما تبقى من أرض. مراجعة سياسات الليكود اليوم تقودنا الى نفس الأجواء العدائية للعرب التي سادت الدولة بعد اقامتها – أي ان ما يجري هو العودة القهقرى الى التعامل مع العرب على أساس الفكر البنغوريوني!!