قراءة في لوحات ومسيرة الفنان التشكيلي عبد الله الرامي
الحبيب توحيد | المغرب
الفنان عبد الله الرامي و بطريقة ساحرة و شاعرية يود أن يصور لنا اللامرئي من خلال المرئي حيث تجتمع المعاني المختلفة المختبئة و هذا ما يسعى إليه الفنان أي إيحاء بالدهشة و العاطفة بعقد الرابطة بين المرئي و اللامرئي و هو يدفع بأدائه إلى آفاق التلقائية و الإندهاش.
فهو يتعمد الغموض في أعماله ليثير الرغبة في التأمل دون الحاجة إلى الفهم . بالأعمال التي أنجزها ليست مشاهد مباشرة إنما مشاهد رمزية يمكن أن يراها المتلقي بأكثر من معنى و وجهة نظر.
كما أن الألوان في لوحاته تلعب دورا أساسيا فتبدو تارة تتحاور فيما بينها و تارة أخرى كأنها في صراع دائما مع الآخر و هي دائما تتميز بالقوة و السخونة ، كما أن موضوعاته ذات أبعاد فلسفية شديدة الرمزية ، يتناولها بأسلوب تجريدي رمزي ، تمتزج فيه العديد من التناقضات التي تثير فكر و مشاعر المتلقي و تدعوه للتفاعل معها .
هذه الأعمال تنطلق من أعماق التراث لتحلق بنا بين الحقيقة و الخيال برؤية ذاتية شديدة المعاصرة تغوص في أعماق قضايا المجتمع و بين المشاعر و الأحاسيس الإنسانية ثم يعيد صياغتها برؤية تتميز بالتلقائية و قوة التعبير لتنقلنا لآفاق واسعة تتوحد فيها المادة و الروح و الزمان و المكان و تتعانق الألوان و الخطوط في رؤية شمولية شديدة الحيوية و الحركة لتقترب كثيرا من عالم الأسطورة.
يريد أن يسترجع ، من خلال لوحاته ، تاريخ و ثقافة المنطقة التي ترعرع فيه حتى تولد من جديد “في عالم اليوم”. يستخدم رموز وألوان من التراث و يريد أن يعرف الناس أن هناك بعدًا آخر في الثقافة غير ذلك الذي هو سائد و منتشر .
إن الرموز والعلامات التي يوظفها مستوحاة من التاريخ وبصمة الحضارات والثقافة الفريدة والحصرية. علامات لها دائمًا معنى دقيق وغني جدًا ، بمجرد تحليل معنى الرموز ، ننظر إلى هذا الفن بشكل مختلف . لطالما كان للعلامة والأفكار التي يستعملها رمزية كبيرة , أكثر بكثير من البعد الزخرفي أو الجمالي ، ينص من ناحية على التاريخ والثقافة والتقاليد والطقوس والمعتقدات والخرافات ، ومن ناحية أخرى ، يتتبع الإلهام المولود من أفعال الحياة.
غالبًا ما تشكل أعمال الفنان عبد الله الرامي من خلفيات بسيطة إلى حد ما وأشكال ومنحنيات . و بهذا فإنه يعلي من شأن الإبتكار في لغة الشكل كهدف لذاته بل إن الأهم عنده هو العمل الفني نفسه و ما يثيره العمل الفني في الشخص المشاهد سواء كان تأثيرا بصريا عاطفيا أو روحيا. إن أعمال هذا الفنان تساهم في خلق قيم جديدة للجمال و تتجاهل معايير علم الجمال الفني السائدة فهو لا يسعى إلى تفسير الفن بل على المتلقي أن يستوعب خطابه للشعور و ليس العقل فقط بمعنى إستيعاب الفن من الصدفة علما بأن الذائقة الإنسانية للجمال لدى أغلب الناس لا تستطيع تذوق الفن إلا في إطار موضوع أو مضمون له علاقة بالطبيعة و الإنسان و إذا خلا الفن من كل ذلك، قام حاجز لدى المتلقي يحول دون تذوق العمل الفني مهما كانت جماليته و إثارته.