في كتابة التاريخ: بانوراما سريعة

د. خضر محجز | فلسطين

كتابة التاريخ كتابتان:

النوع الأول: كتابة تنقل الأحداث كما هي. وقد عودنا هذا النوع من الكتابة على سرد الأحداث الكبرى، وأفعال رجال الدولة وسير المعارك.. إلخ.

والنوع الثاني: وكتابة تعرض ما صار، ضمن مقدماته وأسبابه، فتنفخ في رماد القرون لتلتقط جمرة تحت الرماد، توشوشها فتحكي لها قصة الشجرة التي قُطعت منها، والنار التي أحرقتها، وتاريخ انطفاء الموقد، دون أن تعرض عن الأحداث الكبرى.

النوع الأول من الكتابة مطلوب، لكنه ليس الخليلة العظمى للحكمة، إذ هو درس خارجي لا يعرض العلل والسيرورات والنتائج.

أما النوع الثاني فهو دراسة كل ما يحيط بالموضوع، لا في الماضي والحاضر فحسب، ولا هو دراسة ما يدور في القصور، فقط، ولا يتسمع إلى آهات العشق الممنوع فقط، بل يتسلل إلى الحواري الخلفية حيث الخانعين والمشردين فيسمع ما يقولون، مما ينكره أهل القصور والمسيطرين.

يقول نيتشه:

بالنسبة لأي نوع من كتابة التاريخ، لا يوجد مبدأ أهم من معرفة القاعدة الأساسية التي تقول بأنّه «ما من علاقة بين ميلاد الشيء ـ من ناحية ـ واستعماله في الواقع، وتنزيله ضمن منظومة من الأهداف، من ناحية أخرى»: فالميلاد والاستعمال أمران منفصلان انفصال السماء عن الأرض… ذلك أنّ كل حادثة في العالم العضوي هي غلبة وسيادة. وكل غلبة وسيادة هي ـ بدورها ـ تأويل جديد، وفي هذا التأويل الجديد سنرى، ولا بدّ، كيف صار ذاك الميلاد الأول، وكيف صار المعنى الأول والهدف السابق مستوراً، بل ممحوّاً تماماً”.

وأخيراً، يلهج متعلمو الإشاعات بذكر ما كتب طه حسين بالأسلوب الجديد. والحق أنهم كانوا كاذبين في هذا التقييم، فكتابات طه حسين في الإسلاميات تنقسم إلى قسمين:

1: قسم هو فعلاً مساءلة للتاريخ بالطريقة التي عرضناها، مثل “الشيخان” و”عثمان” و”علي وبنوه”. ومثله ما كتبه عباس محمود العقاد في العبقريات.

2: وقسم آخر هو أدب، أو تاريخ يتخلله الأدب، بمعنى التخييل. وهذا ليس تاريخ بل هو أدب يستلهم التاريخ، فيحور بعض الوقائع بما يتجاوز الثابت خدمة للأدب، من مثل كتابات طه حسين “على هامش السيرة”.

وأما ابن خلدون فقد ابتدأ كتابة التاريخ بالطريقة الثانية، فصمد طوال المقدمة، ثم انهال فأدركته أمراض السابقين، فاحتذاها. والنتيجة أن لم نرَ في تاريخ ابن خلدون من جديد سوى المقدمة.

أما في الغرب فيمكن رؤية كيف يُكتب التاريخ بالطريقة الثانية، من قراءة موسوعة “قصة الحضارة.” وموسوعة “قصة الفلسفة” كلاهما لويل ديورانت. وكتابات أرنولد توينبي، وإدوارد جيبون.

يمكن قراءة كتابة تاريخية في كتابات جمال حمدان، وكتاب “الحروب الصليبية كما رآها العرب” الذي كتبه بالفرنسية أمين المعلوف، وعَرَّبهُ بلغةٍ هي السحر المرحوم عفيف دمشقية. لكننا ما نزال في طور البداية.

أما تزوير التاريخ فقد أكثر منه أدعياء متصهينون كعلي زيدان وسيد القمني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى