الجريمة الثقافية في مسابقة ملكة جمال الكون ٢٠٢١.. الوقاحة كنموذج استعماري
د. إيهاب بسيسو | فلسطين
ليست الوقاحة في السطو على التراث فحسب وإنما في توظيف التراث المسروق في سياق مبتذل يعتمد على تزييف أصول مكونات الهوية الوطنية والتاريخية بهدف تذويبها في سياق هوية استعمارية مصطنعة.
مثال على ذلك ما حدث مؤخراً من محاولة اسرائيلية بائسة لتوظيف الثوب الفلسطيني بكل ما يحمل من دلالات التاريخ والهوية الفلسطينية كثوب تراثي “اسرائيلي” في مسابقة “ملكة جمال الكون ٢٠٢١” والتي تستضيفها دولة الاحتلال كنوع من أنواع الدعاية الدبلوماسبة الثقافية والتي تعتمد على تأثير القوة الناعمة بعيدة المدى من خلال استبدال مفردات التاريخ والهوية الفلسطينية بمفردات “اسرائيلية”.
إن سعي دولة الاحتلال إلى “أسرلة” الهوية الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني أي تذويبها في سياق “اسرائيلي” بعد فشل مخطط المحو الشامل والإبادة المنظمة للشعب الفلسطيني في عام ١٩٤٨ و١٩٦٧ وما تلا ذلك من سياسات استعمارية ما زالت حتى اليوم تظهر بكل بشاعة في مختلف مناحي الفعل الثقافي والمعرفي يجعل التحدي الثقافي في الانتصار للحقيقة أكثر إلحاحاً
في مجالات الفعل والإبداع الثقافي المعاصر وكذلك في صناعات الفنون المختلفة.
فالمسألة ليست في شكل فعل القرصنة الفج والمتمثل في السطو على الثوب الفلسطيني أو الكوفية أو حتى مكونات المطبخ الفلسطيني فحسب بل في أزمة الهوية الاستعمارية المتمثلة في سعيها الدائم لنفي رموز الوجود الفلسطيني كنوع من النفي الممنهج للثقافة والتاريخ والجغرافيا وإعادة مأسسة الفعل التأريخي والثقافي المعاصر ضمن تجاهل مقصود للوجود الفلسطيني اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
ينسجم ذلك استعمارياً مع عبرنة أسماء المدن والقرى والإصرار اسرائيلياً على الأسماء العبرية المستحدثة لاسيما في تسميات المستعمرات الاستيطانية المقامة على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ وكذلك المدن والقرى المدمرة التي زاد عددها عن خمسائة قرية في عام ١٩٤٨.
إن ظهور ملكات جمال دول العالم بالثوب الفلسطيني ضمن مسابقة ملكة جمال الكون ٢٠٢١ المستضافة في دولة الاحتلال يمثل نوع من التواطؤ والتورط في الجريمة الاستعمارية الثقافية ضد الشعب الفلسطيني ويتناقض تماماً مع مبادئ حقوق الانسان التي تسعى دوماً للحفاظ واحترام الهويات المختلفة وأشكال التراث الانساني كنوع من الفعل الحضاري القائم على احترام التعددية والخصوصيات التاريخية والثقافية.
وعليه تصبح “ملكات جمال الكون” الظاهرات في الثوب الفلسطيني مشاركات بقصد أو دون قصد في جريمة استعمارية ثقافية تندرج في إطار فعل الإبادة الثقافية ويمكن القول أيضاً بأنها تندرج ضمن جرائم الحرب بتعريفاتها المستمدة من النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية دون أن يعتبر ذلك نوع من المبالغة الوصفية لطبيعة الجريمة المرتكبة في سرقة الثوب الفلسطيني وتوريط العديد من الدول والشركات والمؤسسات الثقافية والإعلامية حول العالم في جريمة تزوير فاضحة.
إن المقاربة المنطقية والضرورية بين جرائم الحرب بمفهومها العسكري والسياسي والثقافي مسألة لا يمكن تجاهلها ضمن توثيق جرائم الحرب الاستعمارية في فلسطين.
لذا فإن جرائم الاحتلال الثقافية الممتدة والمتنوعة والمشجعة والمحفزة على التزوير والتشكيك بالتاريخ والنضال الوطني الفلسطيني ثقافياً تحتاج إلى الكثير من الانتباه والتحليل وكذلك المواجهة ثقافياً بشكل لا يشكل انحيازاً للرداءة والركاكة الفنية ولكن من خلال الانطلاق من جوهر الوجود الفلسطيني إبداعياً وتوظيف الفضاءات الإعلامية المختلفة كمنصات للإبداع والهوية الفلسطينية دون استعراضية مجانية ولكن ضمن رؤى جادة تنتصر للهوية والحرية والإبداع على حد سواء.
قد يبدأ ذلك من التوظيف الجاد والمدروس لمكونات التراث الوطني الفلسطيني ومفردات الهوية كجزء حيوي في الفضاء العام الفلسطيني وليس كمجرد ديكور هامشي للفرجة والاستعراض على هامش الفعل الثقافي والإعلامي ولكن كجزء أصيل في فعل التحرر الوطني.
فالعمل على تكريس الوجود الفلسطيني ثقافياً في مختلف مناحي الفعل الثقافي لا يقل أهمية عن مختلف أشكال النضال الوطني الفلسطيني والانساني وعليه تصبح الثقافة فعل مقاومة بمفهومها الشامل الذي يحتضن الهويات الانسانية المقهورة حول العالم في مواجهة أشكال الاضطهاد وينتصر للعدالة الانسانية في مواجهة الاستبداد والقهر الاستعماري.
#الثوب_فلسطيني
#كوفيتي_فلسطينية
#الثقافة_مقاومة