قبل البداية.. نقد النقد
نجاة صادق الجشعمى | أديبة وناقدة عراقية – الإسكندرية – مصر
من الصعب والمثير أن أخوض هذه المغامرة (نقد النقد) وأنا مازلت لا أمتلك تلك الثقافة الواعية بالأدب والنقد الأدبي بالرغم من ولعي وتشبثي ووهني القاتم الذي ظل يلازمني كظلي وسيظل إلى آخر أنفاسي.
وسأكون بشجاعة وصلابة من عاهدتهم على ذلك. مثقفة واعية ملتزمة بالمسؤولية تجاه التطوير الذاتي بفخر دون شوفينية وغرور بل مواصلة الإبداع والإشادة بالمبدعين الكبار وخاصة ممن اعتبرتهم منافذ الفكر والوعي الثقافي ومن ذوي الأقلام الساحرة في عالمنا الحضاري. وبما إننا عانينا ونعاني من سني عجاف من العزل والحصر والحصار بكافة ميادين الحياة.. وعدم استقرار الأمن في بلادي الحبيبة. (العراق) ومتداخلات السياسة بالثقافة والوعي الفكري كمنهاج قائم على منح الفرص للكتابة والانطلاق من أرض خصبة للحضارات تفرض علينا التحرر من كل ما يقيدنا لإثبات الذات العربية عامة والعراقية خاصة وبجدارة وقيمة عالية من الكفاءة التي تستحقها المرأة العربية والعراقية خاصة.. مما وقع عليها من ضير وتعسف وسلب حقوقها بسبب سياسات الروتين الإداري والأجندات السياسية بجانب انتهازية البعض ممن منحتهم الحياة فرصة التسلق وعدم التعاون مع الموهوبين الذين يمتلكون الحس الأدبي والثقافي والطموح ورغم كل هذا والأكثر صعوبة عدم الاستقرار وبخس الوطن والدار وقتل فلذات الأكباد وتشردي من وطني وداري ومقري واستقراري وعيشي وصعوبة ظروفي وإمكانياتي..
عزمت بيني وبين نفسي أن أشد الرحال بعد أن خسرت وضاع كل شئ إلا ذاتي وفكري وهوايتي وأمنيتي ورجائي الآن أمامي استراتيجية ونسق جدلي لن يتناقض مع نفسي وفكري.
أحداث وتقنيات جمالية ودلالات إنسانية التقطتها من الواقع العبثي الذي فرض علينا ومن صور بخيالي كنت أطمح في يوم أن أحققها.. لأنني كسائر النساء العراقيات طالما خضعت للتقاليد وتأثرت بها. بل تقليدها حرفياً.. أدرك صعوبة فهمي لكن عندما تتابعون ما كتب سوف تعلمون الحقيقة.. الكثير منا يهوى لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن.
قبل أن أقدم هذه الدراسة أو المشروع الذي أمامكم وبين يديكم لبعض الأعمال الإبداعية والنقدية وأقلام قامات في النقد العربي ومبدعات ودراسات ذات ثقافة وعقول وأفئدة عرفت المعاناة في الفكر والإبداع وتوغلت بنظرة ثاقبة وعمق بالتحليل في أغوار الأعمال الأدبية والثقافية كاشفة أدق التفاصيل وأرق المشاعر الحسية بأسلوب سلس رقراق أحياناً.. وتميزهن بالتعمق الواقعي برؤى اجتماعية ونزعة إنسانية صادقة يتفاعلن بحرارة لإظهار التفاصيل الحية بدقة.. شدني إلى هذا العمل رغم أنه ليس من ضمن اختصاصي.
فقط إن الأدب والشعر والكتابة تجذرت في أعماق نفسي.. وقراءة هذا الكم الهائل من صدور الأعمال الروائية بالوطن العربي ما بين الجيد والممتاز والرديء، بحيث نجد أن أكثر من (250) كاتباً روائياً في الإمارات وكذلك في المملكة العربية السعودية وأيضاً الكويت وسائر الأقطار العربية الآخرى وظهور كتاب ليسوا بالمستوى الأدبي من حيث المواضيع واستخدام المفردات التعبيرية.. وبينما نجد مؤلفين وكتاباً قمة في الإبداع والرقي.. ليس في يدي الميزان ولكن الحس والذوق وجمالية العمل ومعالجته لقضايا الواقع وربطه بالتقنية الحديثة ومواكبة التطور.. وإذا ما مسكت رواية أو قصة قراتها أو عمل للكاتب الروائي الكبير قامة وليس سناً وجدت الأقلام تغزو أعماله وكم هائل من الناقدات من جميع أقطار الوطن العربي.. فأحببت أن أجمع هذه الأقمار التي تحيط بالشمس لتضيئ لنا سماء الأدب والفكر والنقد والوعي الحسي.. إننى أقتحم أبواب هذا الكجل من باب الهواية وليس الاحتراف والتخصص.
فقط لى شرف المحاولة.. فالعراق غنى والبصرة التى ولدت فيها هى فيحاء العراق مدينة المربد وثغر العراق الباسم ومدينة القائد بن غزوان وما بين كل مواطن بصراوى وآخر تجد شاعراً أو قاصاً أو روائياً أو ناقداً أو فناناً.
هذه الأقلام المضيئة بالفكر والمعرفة جعلتني أعيد النظر في مشروعي للكتابة عن العالم الروائي عن السرد الروائي ففكرت أن أقوم بجمع هذه الدراسات والرؤى بين دفتي هذا الكتاب لتفتح أمام الدارسين والباحثين أفقاَ جديداَ أو موقفاَ مغايراَ حتى تحدث الجدلية الفكرية التي نحتاجها في ظرفنا التاريخي الحاضر بشدة وبقوة حيث تتسلل إلينا أفكار الظلام والتخلف في صور شتى مما يجعلني أنتمي إلى خندق المدافعات عن الجمال الفني والأدبي وسمو العبارة والفكرة وانطلاق اللغة من جبة القديم إلى المعاصر؛ فالعالم يتغير في كل لحظة ويتطور بشكل مذهل فلا يمكن للأدب أن يقف مكتوف الأيدي أمام هذا التطور، فالرواية العربية قد خرجت من بحيرة الحكي المألوف والسرد المعروف إلى محيط هادر وأمواج عالية من الإبداع والتنوع والاختلاف، وقد تناست وتغاضت عن سردها القديم والتحمت بالفنون الآخرى كي تعبر عن واقعها المغاير بهوية جديدة، طامحةَ أن تكون شهادة على العصر.. هذا الكتاب النقدي في ظاهره عن الكاتب الروائي لكن في مضمونه ثورة على الشكل النمطي للرواية العربية التي حاول البعض من المبدعين الكبار أن يحرروها من قيودها التقليدية وتوظيف الفنون الأدبية الآخرى ودمجها لتكسب الرواية صورة جمالية وقيمة أدبية وفنية لتخرج الرواية بهذا الزي الجميل المطرز بأنواع الفنون الآخرى.
إن كل عصر من العصور يأمل أن يحقق ما لم يحققه أى عصر قبله فى الإبداع والتألق الأدبي والفني بكل أنواعه، فلكل نوع أصداؤه عبر العصور، وهذه حقيقة تؤكدها الرواية العربية المعاصرة لنؤكد وجودنا ونكتشف قدراتنا الأدبية والإبداعية المذهلة ونتفحص العبارات الحيوية وطبيعة الذات المعاصرة وردود الأفعال لهذه الانطلاقة وقبول الأفكار وحرية التعبير النقدي الإيجابي وإضافة تقنية تعبيرية وفكرية ومعلومات تاريخية قد نكون سهونا عنها أو قد لم تذكر أصلا ولم تدرس ضمن المقررات الدراسية لأنها ظنٌّ ممن كتب أنها غير مهمة فتهمش وتحول هويتها التاريخية إلى دينية، وأصبحت تابوهاً وخطاً أحمر لا يمكن الاقتراب منه بعد أن بات الإحساس في هذا الزمن متشتت، والأعمال ليس لها هوية، وتعاني من قلق معرفي.
فعلى الرواية أن تتخطى الزمن والمسميات والتنبؤ والحلم بتلك الأزمان بينما الأحاسيس والأمة تنهض وتثور لتتقدم وتواصل الركب لتلتحق بالعالم المعاصر حتى لا تتعرض بفايروس الهجرة ونفقد هويتنا العربية تحت مسميات الحرية والديمقراطية وإعادة النظر في المصطلحات والأفكار والهيكل البنائي للرواية والأهداف والتركيز على العامل الإبداعي والحسي الهادف لتجسيد المشاكل الاجتماعية ومشاكل العصر والصراعات والنزاعات الدينية والطائفية وإبادة الكائن الإنساني. ليس الهدف من التجديد جذب وسائل الإعلام، لكن هي الحداثة والابتكار والإبداع والتجديد ولم نقتصر على الكلام والترويج بالتطور والحداثة والتغيير ونحن نضع نهايات مسدودة بوجه المبدعين وأعمالهم القيمة الزاخرة الشاملة للأفكار شعراً وصوتاً ومسرحاً وتمثيلاً وكلماتٍ وإحساساً ولغةً مميزة، وتميزاً ذاتياً مستمراً لتحقيق الهوية الذاتية بتفاعلات عديدة كأنه صراع على الكرة من الذي يصوب ويحسن تسديد الهدف، والآخرون يتحركون غضباً أو غيرة أحياناً.. كلا ليس هكذا الحداثة والتطور بل يجب أن تؤدي إلى انفجار لغوي في معمل اللغة، فلنسلخ شبح الأنا الذي يلازمنا ونقاوم المفاهيم المربكة للأدب والنقد الأدبي حتى نحقق ما نطمح ونصبو إليه، لأننا لانستطيع أن ننجح بمعزل عن بعضنا البعض في وضع الخطة ورسم الخطوط للفنون الأدبية والثقافية مثل هذا النموذج الرائع.. المشروع الروائي.. سباعية السيد حافظ.
هل سيظهر لنا ما نطمح إليه، وأن يكون في بناء الرواية العربية صور وهندسة أدبية، وأحاسيس شعرية، وتصوير ومعزوفات ومفردات فلسفية وقصص وحكايات شعبية وتحديات سياسية ومقالات ثقافية ومسرحيات فكاهية ومواقف إنسانية.. إنها حقاً نموذج يستحق عرضه ودراسته، وأراهن على أننا إن قرأنا أعمال الأديب والكاتب الروائي والكاتب المسرحي السيد حافظ، سوف نعود ونكرر القراءة مراراً حتى يتجلى أمامنا في كل مرة جانب من الجوانب الخفية في البناء اللغوي والسردي والفكري في العمل. وكان كل جزء من أجزاء السباعية هو عتبة من عتبات الصعود إلى الروح الخلاقة في الفن الصادق الحقيقي الذي كلما مر زمن أو أعيد قراءته من جديد كشف عن نور إبداعه الخاص؛ فالرواية التي تنتهي من قراءتها دون أن تحتفظ في داخلك بعلامة من علامات الفكر أو بلمحة إنسانية تتأثر بها أو بشخصية تتفاعل معها، فهي لا محالة رواية ولدت، لكنها ميتة، وتسقط من ذاكرة التاريخ الأدبي دون حزن أو أسف.. إذا للقارئ دور أساسي دون أن ننسى دور الإعلام والصحافة والتلفاز، والآن التقنية التكنلوجية التي لها الأكثر والأكبر من النسب للنشر والتوصيل الخارق للتبادل الفكري والمعرفي والأدبي والفني. ولا ننسى وجود الكثير من الكتاب لكن البعض منهم أشباه أدباء وكتاب يتدحرجون هنا وهناك ما بين مدار التقليد والبذاءة والسخرية أحياناً.. ومع كل هذا حفل التاريخ الأدبي بعباقرة في الفضاء الروائي، وأنماط متنوعة بدأت تزاحم بعضها في سياقات السرد والتلاعب في الشخصيات وحركتها المتوازية مع النص والأحداث والتنقل ما بين الواقع والخيال، مما يضيف جمالية أخرى للنص العنوان.. مشروب قد يدل على بداية علاقة ومن الممكن أن يكون خبراً، وربما سؤالاً دون جواب أو غياباً وفراقاً، وربما يشغلنا لنفكر بعنوان بديل فيترك لنا الكاتب أحياناً الاختيار، كم هو جبار ومتمكن لغوياَ لو طرحنا على الكاتب السؤال، بماذا يجيبنا؟!
ما هي دلالات عناوين الروايات السبع التي أغدقت بها على القارئ العربي؟ لطالما توقفنا أمامها وهي تتحدانا في كبرياء.. هكذا أفاض مبدعنا العربي بالأصالة للأدب والكتابة في وصفه للشخصيات حيث لم نستطع التفريق بينها إن كانت خيالاٍ أم واقعاً! لكننا اندمجنا معها، وتابعنا تفاصيلها، إن كان نصاً موازياً لأنه نص مرئي محسوس وواقعي. ولن يخلو النص من الصدف والمفاجأة وخيبات الأحلام والالتزام والوفاء للزوجة، وحب الحبيبة، فظهرت وتراءت طريقة الكاتب هنا وبوسائله المذهلة على غرار استخدامه تعابير يحضنها مرة، وأخرى ينثرها في صفحات الرواية، وأحياناً يرتفع صوته يحاكيها كأنها ذاته، مما أعطى للنص صفة الذاتية، إنه عليم بما يكتب ومخلص لعبقريته الروائية وشخصيته القاهرة والبسيطة التي لها قياسات ما بين السرد والبوح، والشخصية البارزة الحاكية “شهرزاد”، والمكان والزمان كأنه يتنقل على خشبة المسرح.. لن أخفي عليكم عندما قرأتها وسمعت بعضها تصورت قرب المسافة بيني وبين الكاتب، وكثيراَ ما جالت وانسابت دموع عيني واختلطت الأحاسيس في ذهني، وأنا اقرأ تلك الهمسات لسهر، والأكثر روعة البلاغة بالوصف والحركة، كأنما كاميرا نقلت لنا تلك الصور. هذا نجاح آخر حققه الكاتب إذ أصبحت عيناه ترسم وتنقل لنا تلك المشاهد، والتراكيب الواقعية للشخصيات.. مما يجعلنا نقف مندهشين ونتابع عن كثب أعمال الكاتب والأديب الروائي والكاتب المسرحي السيد حافظ.. من خلاله عشقت الأدب.. من خلال لغته المتميزة أحببت المطالعة والقراءة؛ إذ يخلق ويصنع ويعيد وينسق الأشياء، والكتابة عنده فن وذوق وإحساس وابتكار وتصوير ورسم وجدال وسرد وتمثيل وألحان وغناء، ومخيلة رصينة، وثقافة وآلية لكي يستطيع الاقتراب من المتلقي.. القارئ اذا هنا جسد السيد حافظ، الأحداث والمشاهد لغوياَ بحيث بدت حقيقة موجودة مجسمة واقعياَ..
عالم غريب متناقض نحن أمام قامة كبرى للأدب العربي.. صحافة ومسرحاَ وإذاعة وتلفازاً وتجريباً وأطفالاً، وبتألق وإبداع.. السؤال الذي في ذهني هو:
هل السيد حافظ مجرد اسم من بين الأسماء؟
هل السيد حافظ سيظل مجهولاً من قبل أشباه المثقفين؟
هل السيد حافظ لن يقدم ما ينهض بالأدب العربي؟
هل السيد حافظ ليس ممن تطلقون عليهم الشوامخ أمثال طاجور، ونجيب محفوظ. وكامى.. ؟
لماذا لم تمنح له جائزة الدولة أو جائزة نوبل؟ هكذا نحن العرب للأسف الحقد والبغضاء والتنصل والتملق؛ أصبحت من سمات عصرنا الحالي، صاحب القدرة والكفاءة مهمش مجهول الهوية في وطنه. فهناك فارق كبير وواضح أمامكم ممن يعرفون الاسم وأقصد القراء المثقفين. فإن كان هناك كاتباَ في كل أنحاء مصر خاصة والوطن العربي عامة، لا يعرف أو لم يقرأ عملاً للكاتب السيد حافظ. ملاحظة قد تكون غائبة عنا سأكتبها هنا؛ نحن نقول إذا أردت أن تعرف أو تقيس أهمية الكاتب فتصفح أعماله واقرأها فنحن أمام كاتب حقاً أسطورة.. فلماذا نتنصل من الحقيقة .. نتذكر أدباءنا فقط عندما يتوفاهم الأجل.. نكرمهم ونمنحهم الجوائز وهم أموات كما حدث مع الشاعر الكبير بدر شاكر السياب، ومحمد الجواهري، وغيرهما.
فكاتبنا الكبير المبدع لغوياً وأدبياً أجريت معه لقاءت وأحاديث صحفية، واستضافات على قنوات فضائية، ومقابلات، وحوارات في التلفاز، وندوات منها في جامعة الإسكندية بكلية التربية وجامعة القاهرة، وفي المنتدى الثقافي للسرد. يكفي أن نشير إلى أن 50 رسالة ما بين رسائل الماجستير وأطروحات الدكتوراة كتبت عن إبداعاته، والأكثر شهرة عربياَ خاصة في المغرب والجزائر وتونس والعراق، ونادراَ في مصر الثقافة والوطن الأم، فهل نعاتب المثقفين أم نصمت ونتجاهل الكفاءات والإبداع وندفن تاريخ الأدب كما ندفن الناطحة والمتردية.. للأسف رغم ماتمتعت به من الأفكار المجنونة والحوارات والدراسات وما تضمنته من مضامين وحقائق وإيجابيات وتفاصيل وأنغام ونحت ومتغيرات ومؤثرات سردية قصصية مدهشة، ولغة رمزية أحياناً وتلقائية واقعية غالباَ، وألغاز وهمسات وعشق حقيقي وتعابير مثالية وتوجيه خطابات ولغة مزاجية للكاتب المتحمس لواقع حر وشوق ساخن مندفع لايقاوم، والاستسلام للزواج والأبوة وإلى الجوع أحياناً والإرهاق والمشاكل الجسدية، وعلبة السجائر والسيارة والذهاب إلى الكافيتريا وتناول القهوة، والوصف لملابس السهرة والنوم، وحالات جنسية ملتهبة أحياناً مع القليل من التمتع بالحياة، والعمل الصحفي، والكتابة، والحالات الإنسانية والعلاقات الاجتماعية رغم كل هذا وأكثر كلي اعتذار إن خذلتني ذاكرتي، لكنني شعرت أن كل هذا الكم من الجماليات والإبداع إلى من يكتبه الكاتب السيد حافظ؟ هل يكتبه للمجهول؟ زمن الغريب، إنني كلما ينتابني النسيان تنهمر في رأسي كلمات قرأتها هنا من أعمال الكاتب وبطريقة تلقائية تنساب كقطرات ماء على الورق.
هل ستكون هذه الكلمات منسية، رغم كل ما بذله الكاتب من عناء فكري وجهد ومال وسني العمر والصراع لإحياء الوجود الذاتي بعد أن قرر بعض أشباه الأصدقاء والأدباء دفن السيد حافظ؟
لكنه نهض وانقض على قلمه وقرطاسه، فهبطت عليه ملائكة الرحمن لتورد له لغة وأفكاراً وصوراً تأمر بعزف نغمات الرحمة والفرح لتقول: لا تحزن إن الله معك، فلم ولن يستسلم؛ فأبدع بنهم، وتألق كالعادة، وبكل فخر وشموخ نتناول أعمالك أيها الكاتب الضرورة والأسطورة، ولا نستطيع تجاوز عمل من أعمالك القيمة، وحروفك وخيالك الواقعي مع تلك العاطفة الجياشة التي طالما حركت أحاسيسنا بوهج الحياة لتتدفق في عروقنا كالدماء السخية.. تخاطبنا تشاركنا بالشعور والعقل لتمدنا بعاطفة الدفء.. تارة يتذكر الليل والسهر والدمعة واللوعة والزفرة واللهفة، وأحياناً تطفو البهجة والسرور.. يدافع عن المرأة وكيانها. يؤكد قيمة الحب كضرورة للحياة من أجل التقدم وإسعاد الغالين، لطالما نذرنا أنفسنا لهم، ووقفنا نتعبد بمعبد الحب ونقتات من كلماته زاداَ لروحنا.. يحارب الظلم والخرافات.. يوضح لنا حقائق تأريخية غفلنا عنها، فيغلفها بشاعرية، ليسعى إلى تصحيحها ودغدغة غرائز القارئ.. لأنه يهدف لتعميق المعلومة في أغوار نفسه.. براعته بسرد القصص وتدفق الشخصيات والأحداث.. يمتلك القدرة على شد القارئ والتعايش مع الأحداث بشوق.. كثيراَ ما ينتقل من الواقع إلى الخيال ومحاكاة الذات، وبين الحقيقة والسرد، فنكتشف في مشروعه صراعاً بين الفرد والعادات والمجتمع، وتصوره الرائع للحقائق، وتصرفات النساء وتجاربهن، ومعاناتهن في القسوة والإهمال، والحب والمؤثرات الروحية التي تخترق الروح.. وتسيطر على النفس.. غالباَ ما نستكشف الجانب الدرامي الذي يربط الماضي بالحاضر.. يمتاز بإثارة التعابير والحس المرهف ويركز على الشخصية بكامل الخصائص التي تميزها.. حقيقة لابد من ذكرها بأمانة للقارئ.. أُصبت بالدهشة والخوف والتساؤل.. عندما وجدت هذا الكم الهائل من الدراسات النقدية فقرأتها رأيتهن من قامات ومبدعات الوطن العربي ولهن تاريخ مشرف في النقد الأدبي فصعقت برأسي.. إذاً أنا أمام سد منيع ورمز من رموز الأدب والفكر العربي.. أمام كاتب وروائي كبير.. روّض نفسه على اقتحام المسالك الوعرة والمضي بعزيمة وطموح وهمة عالية رغم أنه كثيراَ ما يردد مقولته: “إنني أكتب للمستقبل، لقارئ واحد فقط قد يقرأ في يومٍ ما”.
تمنيت أن أتعرف عليه وأتتلمذ تحت روعة قلمه وسطوته ومداد سطوره.. أمبراطور الحرف العربي وهو مدرسة حقاَ.. ونبي للحب أحياناً.. أب حنون.. وزوج وفيّ.. وأخ غال.. وإنسان بالمعايير الإنسانية.. يتغلبني الفضول.. ماذا لو زرته وتكلمت معه.. ؟ لوجهت له كل الاسئلة التي تتصارع في تفكيري.. ليس أنا فقط.. وإنما جميع القراء والمعجبين..
س1: ممن تستمد مصادر إلهامك وإبداعك؟
س2: كيف عشت طفولتك؟ شبابك؟ مراهقتك ؟ رجولتك؟
3س: أين أكملت دراستك؟ ومتى بدأت بالكتابة؟
س4: قدوتك بالحياة؟
س5: ماذا يعني لك؟ القمر، البحر، الشمس، السماء، القلم، البيت، المال، اللون الرمادي، الساعة، المشفى، الصديق، البنت، الطفل، الضجيج، الضحك؟
س6: ممن تنمي أفكارك؟
س7:عندما تكتب هذه الشخصيات هل تتقمص شخصية البطل؟ وهل تتعايش مع الأحداث والشخصيات؟ وهناك الكثير والكثير من الأسئلة.. أتشوق أن أدخل وأغسل كل حرف من الحروف وأتوضأ وأشرب ماء غسلها كي أتبارك بها عسى الله أن يلهمني لغة تلك الحروف الماسية الراقية المذهلة.. يا ترى ماسر جمالها؟! وما السر في جمال الشخصيات التي يختارها؟ أظنها الواقعية والفن مع ثقافة فكر الكاتب.
أتمنى أن أكون قد توصلت إلى اكتشاف المجهول والظاهر والغموض والعقيد والخيال والإدراك والوعي والشفافية والبلورة في المفردات وبناء الجمل بمنظار مختلف، لذلك حاولت أن أذكر وأجمع هذه الدراسات النقدية للأديبات الناقدات العربيات في مصر والوطن العربي لأنهن قامات الحركة النقدية الحديثة في الوطن العربي، يساهمن في تطوير النقد الأدبي وجعله عملاً مكملاً وإبداعاً موازياً للأدب بكل ألوانه؛ بحيث يقوم بتحليل وشرح وتفسير وفق ضوابط ومعايير حسية وجمالية.. أي الوقوف على محاسن وجمال النص، وأيضاً لتوضيح مواقع الضعف في النص وكشف الإحساس الخفى، والحلة الروحية الصادقة للكاتب أو الأديب.. والناقد أيضاً يجب أن يتصف بقدرة عالية من هذه الشفافية.