الطيران فوق قنّ الدَّجاج !

عليّ جبّار عطيّة | رئيس تحرير جريدة أورك العراقية 

للدَّجاجة أجنحةٌ فلماذا لا تطير ؟
الأمر نفسه يسري على الديك، بل البط،
والنعامة، و البطريق، و الكيوي وغيرها من الطيور.
مسألةٌ محيرةٌ فعلاً، لكنَّها لم تجعلني أُصاب بالأرق، أو أتقلب في الفراش ـ كما يفعل بعض الناس بعد تأثرهم بخسارة فريق كرة القدم الذي يشجعونه ـ بل مرت بذهني هذه الفكرة كضيفٍ لطيفٍ، فلا يهمنا نحنُ بنو آدم من الدَّجاج إلا بيضه، ثمَّ لحمه طبعاً ، فالتفكير ينصرف إلى المنفعة فقط بغض النظر عن اللون، فتختفي النظرة العنصرية.
يقول المثل الإنكليزي : (الدَّجاجة السوداء سوف تضع البيضة البيضاء !)
هل الدَّجاج ذكي؟
ربما يتمتع بذكاءٍ ما، و يستدل على ذلك
السياسي الأمريكي إبراهام لينكولن (١٨٠٩م ـ ١٨٦٥م) الذي يقول : (الدَّجاجة هي أذكى الحيوانات، فهي تصيح بعد أن تضع البيضة) !
راجعتُ محركات البحث لعليّ أحظى بما يُطفىء الظمأ المعرفي.


وجدتُ معلوماتٍ كثيرةً عن الدَّجاج والديوك منها ما ورد عن (مايكل حبيب) وهو أستاذٌ مساعدٌ في علم الأعصاب في جامعة جنوب كاليفورنيا، وباحثٌ في متحف التاريخ الطبيعي في مقاطعة لوس أنجلوس.
يرى مايكل حبيب أنَّ عدم قدرة الدَّجاج والديوك على الطيران لمسافاتٍ طويلةٍ هو بسبب أجنحتها الصغيرة جداً، كما أنّ عضلات الطيران لديها كبيرة جداً وثقيلة، مما يصعّب عليها عملية الطيران، فالطيور عادةً تحتاج إلى موازنة حمل الأجنحة لديها بشكل مناسب لتتمكن من الطيران، بحيث يتم توزيع نسبة كتلة الجسم إلى مساحة الجناح، إذ يجب أن يكون لدى الطيور سنتيمتر مربع واحد من الجناح لكل غرامين ونصف من وزنها حتى تتمكن من الطيران.
بيَّنت الدراسات أنَّ الدَّجاج طيور فضوليّة للغاية وتحاول تفحص جميع المناطق المُحيطة بها بحثاً عن الطعام أو للاستطلاع !


ودلت الأبحاث أنَّه يمكن للدّجاج، والديوك الطيران لارتفاع منخفض جداً ؛ فمثلًا يُمكن للدَّجاجة البالغة الطيران فوق سياج المنزل الذي يبلغ ارتفاعه متراً أو مترين في بعض الحالات، ويُمكنها الهبوط على الأرض من مكانٍ مُرتفعٍ كسقف منزل أو حظيرة دون إصابتها؛ فهي ليست كالبطاريق والنعام لا تطير البتة، ولكنها مُعرّضة لكسر جناحها إذا هبطت من ارتفاع عالٍ وبسرعة كبيرة.
معظم طيران الدَّجاج والديوك يكون بارتفاعات منخفضة، ودرءاً للخطر، أو لتجاوز العقبات.
طبعاً لا تغيب عن البال رواية الكاتب الأمريكي كين كيسي (طيران فوق عش الوقواق) التي عدها النقاد شهادة إدانة ضد السلطة، وشبكة العلاقات في المجتمع الأمريكي الرأسمالي . والعنوان مأخوذٌ من أغنيةٍ شعبيةٍ للأطفال تذكر طائر الوقواق المعروف بانتهازيته، وحقارته، وقد حُولت الرواية إلى فلم سينمائي جميل بعنوان (أحدهم طار فوق عش الوقواق)/ أُنتج سنة ١٩٧٥م ، وأخرجه المخرج التشيكي ميلوش فورمان، وهو من بطولة جاك نيكلسون،ولويز فليتشر، وويل سامبسون، وقد حصل الفلم على خمس جوائز أوسكار، وثماني وعشرين جائزة أُخرى، وعده معهد الفلم الأمريكي واحداً من أهم مئة فلم في تاريخ السينما الأمريكية.
أكتفي بهذا القدر اليسير من فكرة طيران الدَّجاج، وأنتقل إلى بعض ما ذكر عن الدَّجاج في الأدب.
فلعلَّ تطييب الخاطر هو الذي دعا الشاعر بشار بن برد (٩٦ هـ ـ ١٦٨هـ) إلى أن يقول شعراً بسيطاً بحق خادمته (ربابة) استأنست به، إذ قال :
رَبابَةُ رَبَّةُ البَيتِ
تَصُبُّ الخَلَّ في الزَيتِ
لَها عَشرُ دَجاجاتٍ
وَديكٌ حَسَنُ الصَوتِ !
تذكرت روايةً للكاتب الفلسطيني الدكتور إسحق موسى الحسيني (١٩٠٥م-١٩٩١م) عنوانها (مذكرات دجاجة) ظهرت سنة ١٩٤٣م ، وقدم لها الدكتور طه حسين، وعبرت برمزية عن صراع الإنسان في الحياة من خلال دجاجة تصارع من أجل البقاء.
والدجاجة عموماً تبدو قنوعة بحياتها ومتواضعة ـ كحال أغلب نساء العالم العربي ـ لكنَّ هناك رواية للكاتبة الكورية (صن مي هوانغ) ترى غير ذلك وعنوانها (الدَّجاجة التي حلمت بالطيران) ظهرت سنة ٢٠٠٠م وترجمت إلى اثنتي عشرة لغة كما صنع منها فلم كارتوني.
تحكي الرواية قصة دجاجة تدعى (إبساك) تتمرد على واقعها وتحلم بالطيران،تقول : (لا أدري، لماذا حياتي صعبة هكذا،هل يحصل هذا معي لأنَّ لديَّ حلماً؟)
وتدفع تلك الدَّجاجة الثمن غالياً من أجل تحقيق حلمها في الحرية والحب والطيران لتوصل لنا رسالةً أنَّ تحقيق الحلم لابدَّ له من تضحيةٍ، وأنَّ الطريق إلى الهدف قد يكون أسمى من الهدف نفسه !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى