الكريستالة
د. تامر عزت | مصر
١١نوفمبر-الساعة ١١صباحا
في وضح النهار، والشمس مشرقة، والأجواء هادئة إلا من قلوب وجلة، نرى رجلان وامرأتان بملابس بيضاء ، يقف كل فرد منهما حول الجوانب الأربعة للهرم الأكبر (خوفو) ، ثم نرى أكثر من ألفي شخص متشابكي الأيدي يشكلون دوائر كبرى حول الأطراف الأربعة للهرم، إنه – كما يظنون – يوم الولادة، ولادة عصر جديد سوف تشهده الكرة الأرضية، القلوب في أتم استعدادها لاستقبال عَالَم جديد سوف يُولد من باطن الأرض، منذ سنوات بعيدة وهم ينتظرون هذا اليوم،إنه عهد وُثق بالدم ، أقسموا في غرفهم السريه أن النور سوف يُولد من رحم ظلامهم الدامس، إنه يوم ظهور الإله، سوف يسجدون له بكل خشوع ،في احتفالهم الماسوني الأكبر على الإطلاق.
11 نوفمبر – الساعة 9 مساء
يجلس رجل مهيب الطلعة منفردًا في إحدى غرف الفنادق القريبة من الأهرامات بالجيزة ، عيون ضيقة تنبعث من أعماقها دهاء الشيطان، ملامح حادة على وجهه توضح خيوط وتجعيدات سنوات من الشقاء والجهد ، شعر ابيض ناعم طويل منمق باعتناء شديد، يتطلع إلى ملابسه البيضاء الفضفاضة وغطاء الرأس الرملي اللون والتي تتزين حوافه بخطوط بنية، قام من مكانه في خيلاء وارتدى ملابسه وأحكم غطاء الرأس واخفى معالم وجهه ووضع بين كفيه كتاب عتيق، الغموض احتل المكان ، بين أوراقه الصفراء القديمة التي تكاد تكون متهالكة، جلس يتمتم بكلمات غير مفهومة، تشعر أنها بعض تعويذات السحر القديم، توقفت شفتاه فجأة عن تمتمة هذه الكلمات، وصاح عقله في فرح وسعادة غمرته بالكُلية، الدموع سجينه في محاجرها من شدة الفرح، إنه اليوم الذي سوف يشهد عهد ميلاد الأرض من جديد، سبح بعقله في ذكريات بعيدة ، تذكر فيها انضمامه لجماعة (الكابالا) – الجماعة الصوفية اليهودية -، وانضمامها للجماعة الماسونية و تنفيذ غرضهم العظيم والنبيل ،وهو حماية العالم من القوى الكونية التي تهدف إلى تدمير الأرض، قلبه قد اتسع من السعادة وهو يرى تلك “الكريستالة ” التي هي عبارة عن هرمين مقلوبين في شكل نجمة داوود، سيضعها مع ثلاثة من أكبر رجال الماسونية داخل غرفة دفن الملك خوفو، ثم يلقوا التعاويذ الخاصة ثم يثبتونها باحكام على قمة الهرم الأكبر،السعادة مازالت تغمره وشعر بجسده خفيفا مُحلقا في الفضاء الواسع، وهو يرى مصر القديمة، روح الكون، لهرم الأكبر”خوفو”،وعاء الطاقة الأكبر في العالم، يستنشق بعمق كل الهواء المحيط به ويزفره بأكثر عمقًا، وتذكر المعادلة الروحيه (11-11-11-11) تلك المعادلة التي باكتمالها، ستخرج القوى العظمى، سيضع الكريستالة أعلى الهرم الأكبر..وبعد استقرارها..ستُفتح العالم السفلي عن ملائكة سفلية وتتواصل عن طريق شعاع الهرم الأكبر..الذي يُعد بوابة العبور..ويظهر الإله..سيظهر..المسيخ الدجال، وينتج طاقته الجديدة..ويظهر عصر جديد من الحكم لمدة ألف عام..أجيال وراء أجيال سيحكمون ويسيطرون على العالم.
أفاق من شروده على طرقات مفزعة على باب الغرفة..ارتعد جسده الضخم ..فهذه الطرقات المضطربة علامة تدل على حدوث كارثه..هرول سريعا إلى باب الغرفة وفتحه؛ ليجد أحد رجاله واقفًا أمامه وعلى وجهه علامات خيبة الأمل وانقطاع الرجاء ويتطلع إلى يمينه ويساره في ريبه ،سحبه بسرعة وأغلق الباب من ورائه ، حاول الحديث ولكن انقطاع انفاسه منعته، أعطاه الكاهن الأكبر كوبا من الماء البارد، وبعد أن ملأ جوفه، أخبره بأحدث الأخبار التي نزلت فوق رأس الكاهن كالصاعقة احرقت قلبه وعقله وكل كيانه..نظر في ساعته..لم يتبق على الحدث الأعظم غير ساعة واحدة..المعادلة لابد من الاكتمال (11-11-11-11) هو معناه الساعة الحادية عشر مساءًا في يوم 11/11/2011..انه الوقت المحدد لولادة جديدة وخروج المسيخ الدجال كي يحكم العالم، كيف يتصرف بعد أن أخبره خادمه بأن تم إلقاء القبض على كل الناس الذين تجمعوا حول الهرم من قِبل الشرطة المصرية، وأنه مطلوب شخصيا للمثول أمام قسم شرطة الجيزة.
جُن جنون الكاهن وخرج عن السيطرة، لم يهده تفكيره إلا بالذهاب إلى الهرم مهما كلفه الأمر.
قام بتغيير ملابسه وارتدى بدلة رسمية وخرج من الفندق هو وخادمه دون أن يشعر احد بهما ، استوقف سيارة اجرة وقفز بداخلها محدثا سائقها بسرعة الوصول إلى منطقة الأهرامات، كاد أن يقترب لولا الزحام الشديد، تأفف في غضب عارم، وعندما سأل عن سر توقفه، أخبره السائق بأن هناك كمين في الطريق، غضب الكاهن غضبه عظيمة وهو ينظر إلى ساعته فقد وجد عقارب الساعة تتحداه هي الأخرى وتسبقه ،لم يتبق إلا ربع ساعة،أمر خادمه بالخروج من هذه السيارة اللعينة واطمئن لوجود الحقيبة معه والتي أخذها منه بعنف، وهرولت قدماه إلى الأهرامات، يحاول أن يسبق الزمن والناس الحاضرة للمشهد مندهشة من تصرف هذا السائح!!.
11 نوفمبر – الساعة 11 مساء
وصل الكاهن بمفرده ووقف فجأة، فقد تطلع من بعيد وقلبه يحترق شوقا إلي كعبته.، تسمرت قدماه في باطن الأرض، خيّم الحزن على وجدانه ؛عندما رأى المكان مُطوق من قِبل عساكر الشرطة ،إنه الانتحار بعينه إذا اقتحم هذا المكان، استعاد سكينته وهدوءه ورزانة عقله وحُسن وتفكيره،وأخرج ملابسه المقدسة من حقيبته وارتداها فوق ملابسه ، واحكم غطاء الرأس وأخفى وجهه،وفتح كتابه العتيق ،واضاء مصباحه الصغير كي يقرأ التعاويذ السحرية ثم أخرج آخر شيء كان في الحقيبة،ووضعها أمامه، كانت الكريستالة ،وبعد إتمام طقوسه، رفع ذراعه اليمنى ثم ذراعه اليسرى وشكل بهما هرم قاعدته هو كتفيه، ورأسه تلاقي أصابع كفيه،والتي لم تكن إلا إشارة..لخادمه.
^^
12 نوفمبر – الساعة 11 صباحا
على الشريط الإخباري
خبر عاجل :
العثور على جثتين متفحمتين في منطقة الأهرامات وجاري البحث للكشف عن هويتهما.