يا نائحَ القدسِ

 الشاعر عقيل الساعدي | العراق

اليَوْمُ أَتْلُو لكم من حالنا عَجَبا
يحتارُ فيهِ شرارُ القوم والنجبا

يميدُ ظهريَ من مكنونِ قافيتي
مالَ اضطرارًا من الأحمالِ وانْحدَبا

لكنَّهُ وجميلُ الصبرِ أحزمتي
يسيرُ في الدربِ محنيا وما انْقلبا

فقد رَأَيْتُ مِنْ الأغنام أسمنها
أَمْسَتْ لِرهطِ ذئابٍ مفزعٍ نُهُبا

كانها ذُبحت في سيفِ من صمتوا
والغاصبُ الفَظُّ للرعيان قد رَكِبا

سيوفهم لفنون الرقص مشهرةً
صفراء لامعةٌ مطليةً ذهبا

وقد لمحتُ عيونَ الفجر ساهرةً
تبكي وريثًا يعيش العمر مغتربا

يحيا غريبا وسهمُ المَوْتِ يتبعهُ
يسعى لِرَبِّ السَّمَا يدعوهُ مُرْتَقِبا

يهزُّ نخلَ بلادِ العُربِ ملتمسا
لكنَّهُ ما جنى تمرًا ولا رطبا

لَمْ يسطعِ النومِ والأفْعى تراقبهُ
كالطَّيْرِ فرَّ مِنَ الأغصانِ محتسبا

فدارُ عبلةَ لم تأمنْ بفارسها
صارتْ لكلِّ شتاتِ الأرضِ مستلبا

هناكَ كلُّ عيونِ الناسِ شاخصة
كأنَّ عيسى على أبوابها صلبا

وقدْ رأيتُ بباب القدس ملحمةً
على الرؤوسِ طيورًا تأكلُ العنبا

ونَادِلُ اليوم يسَقَى الشيخ خَمْرتَهُ
في لهوهِ نسيَ التَّأْوِيلَ وانقلبا

وراحَ يرقصُ كالمذبوحِ مضطربا
وقد رأى الدَّمَ في عينِ الرؤى لعبا

ما كانَ يعقوبُ يرضى سوءَ فعلتهمْ
وقد غدا إسمَ إسـ رائيلَ مكتسبا

سفينةٌ في عبابِ البحرِ تائهةٌ
وما وجدنا لها مرسًا ولا سببا

بلفورُ أوحى لهمْ عن بيتِ مقدسنا
والبيعُ خط لهمْ وعدا وقد كُتبا

هل ينكرُ الشمسَ إنسانٌ إذا خسفتْ !
أمْ يُنكرُ البدرُ لو في المزنةِ احتجبا !

أم ننكرُ القتلَ والتهجيرَ في وطني
سألتُ من حيرتي الأفلاكَ والسُحُبا

ثكلى فلسطينُ والشيطانُ حاكمها
والعرْبُ تبدي لهُ من يأسها عتَبا

أليسَ في الذكْرِ أياتٌ تخبّرنا
هو العدو فلا تعطوا له طلبا

بزخرفِ القولِ أغراهمْ بقبضتهِ
ليهجروا الوحي والأقوالَ والكتبا

فالدِّيكُ خاصمَ وقتَ الفَجْرِ مذ زمنٍ
لا يُعبدُ اللهُ وَالإِنْسَانُ قَدْ غُصبا

القومُ سكرى كعبّادِ العجولِ فقدْ
ظنوا كلامَ إمامٍ فاسقٍ ذهبا

لا تسمعِ القولَ مخدوعا بزبرجهِ
بعضُ الأئمَّةِ تنعى ميّتا كذبا

كم من ضرارَ بنى بالسحتِ مسجدهُ
من عمقِ سجدتهِ نحوَ الملوكِ صَبا

يصوغ دينا بــهِ للظالمينِ رضا
يجني لأُمَّتهِ الإذلالَ والوَصَبا

إنَّ الطغاةَ لمجنونِ الهوى انبطحوا
مِنْ بَعْدِ بَيْعَتِهِمْ أَمْسَى بِهم جُنُبا

ماتَ الضميرُ قبيلَ الحربِ وآسفي
وقد علمتم لماذا جيشنا انتكبا

باعوا الجنانَ بِمُلكٍ لا جنود بهِ
والمُلكُ يصبو لمن يوم الوغى غَلَبا

أمسوا عبيدًا وتاجُ العرشِ غايتهم
والتاجُ لو عقلوا لا يلبسُ الذنبا

لنْ يشربَ اللبنَ المسكوبَ صاحبهُ
من بعدِ ماسحَّ فوقَ الرملِ وانسكبا

سَبْعُونَ عَامًا بلا فجرٍ ولا قمرٍ
والليلُ بات من الآلامِ مُكْتَئِبا

النَارُ تأكلُ في أوطاننا تبعا
لاحتْ لمنْ عقلوا عبرَ المدى لهبا

وكلَّما أقتربتْ مِنْ وارفٍ عبقٍ
تحيلُ أخضرهُ في لحظةٍ حطَبا

والناسُ تسألُ عن أسبابِ فرقتنا
وَمَا عرفنا لَهَا حَدًّا وَلَا سَبَبا

سَبْعُونَ عَامًا وصوتُ الرفضِ مغتصبٌ
وَالطِّفْلُ صاغَ منَ الأحجارِ خيرَ نبا

لا يُبْرَمُ الصُّلْحُ إِلَّا عِنْدَ مَقْدِرَةٍ
مَا باتَ ذِئْبٌ لِلَحْمِ الشَّاةِ مجتنبا

….

لوحة الفنان محمد خضير | الأردن 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى