أبواب المشاعر والتربية الوجدانية
أ.د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
من الأقوال المأثورة التي جاءت ضمن كتابات الفنانة الأسكتلندية “إجنيس ميللر باركر”: “إن القدرة على الإحساس والتفكير والعمل موجودة بالفطرة، ولكن الإحساس هو العملية الأولى لإدراك هذه القدرات، ونحن في طفولتنا لا نقوم بعمل محدد، ولا نفكر على نحو منطقي، ولكن نحس ونشعر، وبالتالي فالإحساس يسبق التفكير والعمل”.
لعل المقولة السابقة تعكس مفاهيم جاء بها علم النفس الحديث، حيث أكد على أن مشاعرنا العميقة ولدت في نفوسنا، وأُودعت في فطرتنا، وتشبعت بها قلوبنا. وإن تحليلاً شفيفاً لذواتنايكشف عن أمر مثير، ملخصه أن كل واحد منا يفتح في قلبه بابين؛ باب شفاف رقيق نقي، يعكس لطائف النفس ومشاعرها النبيلة، ويجرها لكل ما هو علوي وسماوي. وباب آخر يعكس سلبيات النفس ويجرها لكل ما هو مادي ونفعي.
وفتح كل باب يتطلب أموراً معينة؛ فالباب السماوي يحتاج استحضار مشاعر التقبل والتفهم والحب، والجميل أن هذا الباب ما أن يفتح حتى تنساب مشاعر أكثر نبلاً تراها في التسامح والإيثار والرضا والسكينة، إنها أجواء السلام الداخلي التي يعيشها الأسوياء من البشر، وهؤلاء يتطبعون بطابع يفيض سعادة يستشعرها كل من حام حولهم.
أما الباب الآخر فيفتح على كل ما هو مؤذ للنفس والآخر، حيث أجواء الغضب والحقد والحسد والغل والكسل. والعجيب في الأمر أن تلَبُّس إحدى هذه المشاعر يجرُّ لا شعورياً إلى أخرى، وإذا لم يتخذ الإنسان موقفاً سريعاً ليوقف تدفقها؛ سيقع في براثن مشاعر أخرى أكثر سلبية، وهكذا يدور الإنسان في حلقات سوء يسلم أحدها للآخر دون توقف.
إن إدارة النفس تقتضي أن يوقف الإنسان استرسال المشاعر السلبية، وغلق بابها فوراً قبل أن تنساب باقي المشاعر، ليجد الإنسان نفسه عاجزاً، والباب على مصراعيه وقد خرجت الأمور عن نصابها الطبيعي.
والسؤال الآن هل إدارة الذات والتحكم في أبواب المشاعر عمل سهل؟ والإجابة ببساطة أن إدارة الذات تحتاج إلى غرس مبكر في الطفولة، بمعنى أنها سلوكيات يمكن تعليمها لأطفالنا، ولكن الأمر الملحوظ في التربية المبكرة أن كثيراً من الآباء لا يهتمبمشاعر أطفاله، بل نجد بعضهم يجبر أبناءه على كبت مشاعره وعدم التعبير عنها، ومع الوقت يفقد الأبناء القدرة على التعبير عن الذات بل قد يمتد الأمر إلى الإساءة إليها.
إن التربية الوجدانية السوية تستلزم إدارة المشاعر على نحو صحيح، ليتعلم الطفل في صغره التفريق بين المشاعر والأفكار، وقدرة كل منها على التأثير في الآخر. إن فهماً كهذا يبعث علىالسعادة النفسية التي تعكس القدرة على إدراك المعنى الحقيقي للحياة.