أمراض إجتماعية: سياحة فى دروب الوقاحة (4)
د. فيصل رضوان | الولايات المتحدة الأمريكية
حينما يتجاهل شخص ما حدود الأدب عند التعامل معك، غالبًا ستصفه بالوقح، والوقاحة صفة مذمومة على مقياس الدين والأخلاق. وفي اللغة العربية: كلمة وَقَاحَةٌ مصدرها وَقُحَ أي بمعنى أنه: قل حياؤه واجترأ على فعل القبائح ولم يعبأ بها. فهناك فرق بين الجرأة السيئة والشجاعة، ولكن اذا إجتمعت الجرأة مع عدم الإحترام فهى وقاحة.
نقول: هو شخص وقح حقًا . ماذا وراء الوقاحة؟ وكيف يمكن التعامل مع تدني إحترام الذات؟
هناك مجموعة من الأخلاقيات والآداب العامة التي تعكس ثقافة الشعوب، وعند تجاوز هذه الآداب أو إظهار عدم الاحترام لها، يُطلق على هذا السلوك وقاحة. فالوقاحة هى سلوك ينحرف عن الإمتثال للمعايير الإجتماعية المقبولة كإحترام النفس وإحترام الآخرين وحسن التعامل معهم.
لسوء الحظ ، يختلف الناس كثيرا فى الطبيعة والعادات، فهناك من نسعد فى مجرد رؤيتهم والتعامل معهم، ولكن هناك من لا يُعتبر “حتى” الترفيه معهم متعة. حيث يكون سلوكهم مزعج للآخرين، ويترك ورائه مذاقًا غير سار بالمرة. فغالبًا ما يفرض هؤلاء الأشخاص رؤيتهم للواقع، ولا يحترمون حدود أو آراء الآخرين. وهؤلاء جميعًا تصفهم كلمة واحدة – وقاحة.
درس علماء النفس سلوك وخصائص أكثر مظاهر الوقاحة شيوعًا وقدموا نصائح حول أفضل طريقة للتصرف في مثل هذه الحالة.
الوقح الخفى
هو شخص عادى لا يمكن التنبؤ به وبسلوكه إلا تحت إختبار أو ظرف ما. عادة في حالة الهدوء ، لا يُظهر بواطن نفسه في أي شيء. سلوكه ملائم و هادئ ولا يمكن لأي شخص من حوله أن يظن— ولو للحظة، أن هذا الشخص الذي يبدو طبيعيًا يمكن أن يصبح متعجرفًا لا يطاق. لا تنزعج. يمكن للشخص المهذب واللطيف هذا أن يتغير. فهذا التحول تدفعه الظروف ، وحينما ترتفع مصالح الفرد فوق مصالح الآخرين. الشخص الوقح غالبا لا يرى حلًا آخر لتحقيق ذاته سوى إبعاد الآخر جانبًا. يمكن أن يكون زميلًا في العمل، في لحظة حاسمة، يأخذ حق زميله فى ترقية، أو يتخلى عن مسؤولياته ويضعها على أكتاف الآخرين —مثله تماما، مثل الذى يقطع طابورًا للحصول على تذكرة، متجاهلًا حقيقة أن هناك أشخاصًا أمامه أيضًا.
في مثل هذه الحالة ، وفقًا لرأى علماء النفس ، فإن صمت الآخرين قد يحفز الشخص الوقح على مواصلة الأفعال ذاتها. ولكن الإدانة الشديدة ، وانتقاد أفعاله يمكن أن تزعج الوقح، بل وحينها يظهر بوجهه الحقيقى. ربما لم يكن هذا الشخص الوقح ليظهر، لولا موقف مرهق لم يكن مستعدًا له.
الوقح المريض
يقول علماء النفس إن الوقاحة المرضية تكمن فى مجموعة من الناس، ربما نُزعوا الإنسانية بسبب تعرضهم المسبق لسخرية المجتمع. هذا النوع من البشر يصبح غير آمن بالمرة. فهو نوع من الناس اصبح لا يثق فى نفسه أو تصرفاته. إنه لا يعرف نفسه بعد، وإحساسه بأهميته يجعله يبحث عن تأكيد في العالم الخارجي. في بعض الأحيان ، ولهذا الغرض ، يمكنه إذلال شخص آخر لإثبات انه “مهم”. يمارس هذا التأكيد الذاتي أحيانًا من قبل أشخاص بالغين تمامًا، وصلوا الى أعلى المناصب، لكن يظل مرض الوقاحة. حيث يستمر الشخص منهم فى محاولة تأكيد نفسه على حساب الآخرين بشكل إنتقامى. على سبيل المثال ، الرجل الذي يسعى لإختطاف مشاعر فتاه مخطوبة، أو هذا الذى يطارد سيدة متزوجة، فهو يسعى في المقام الأول إلى تحقيق هدف يثبت لنفسه أنه شخص مثير للاهتمام بالنسبة للمرأة عمومًا، دون الاكتراث بعواقب أفعال على الآخرين.
الوقح المتعالى
بالنسبة لهذا النوع من البشر، فإن السلوك الوقح هو القاعدة. وكأن هذا السلوك معتادًا منذ الطفولة. هناك أسباب كثيرة له. فيمكن أن يكون نتيجة التربية المنزلية، وطرق التعليم وتجاهل الفهم للقواعد الأساسية للسلوك وإحترام الآخرين. ويعتقد هؤلاء البشر أن الجميع مدينون لهم بالاحترام، ويمجدون أنفسهم وأعمالهم فقط، ويحتقرون الآخرين أو لا يبالون بهم. نوع من الغطرسة يمكن أن يكون نتيجة للثقة بالنفس ، والمكانة الاجتماعية العالية ، والشعور بالتفوق والشعور بالأمان. ولكن غالبا ما يختبئ وراء الوقاحة. ولسوء الحظ، فإن الأشخاص الوقحين من هذا النوع يؤمنون بصدق وبصحة أفعالهم على الدوام.
وكما ذكرنا سابقًا، أن بعض أنواع و أعمال الوقاحة تحمل قدرًا من الشجاعة والجرأة. بالطبع، لا يريد معظمنا أن يكون متعجرف بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ولكن معظمنا يريد أن يكون شجاعًا فى بعض المواقف. لا أحد يريد أن يكون وقحًا ، فظًا وغير مهذب على الاطلاق.
إذن ، هل هناك شئ إيجابي فى الوقاحة؟؟
أن تصبح شخصًا وقحًا إيجابيًا هو حلم كثير من الناس. في كثير من الأحيان ، تصبح الوقاحة علاجًا للخوف فى بعض المواقف. وعلى مقياس “الوقاحة – التواضع” ، يتم دائمًا حل السؤال – إلى أي مدى يحترم الشخص منا الآخرين؟ .
إذا لم تكن شديد الحياء والتواضع ، فهذا يعني أن نوعًا من الغطرسة تظهر فيك عند بعض المواقف. فلا بأس بها، ولا تحاول أن تثبط عزيمتك، في عالم الأنانية السائدة. حيث يمثل الإفراط في الحياء فى بعض الأحيان، إعتداءً على النفس والآخرين. الدفاع عن رأيك ، وعدم المرونة في مبادئك شيء ، والوقاحة المعيبة شيء آخر. الوقاحة الإيجابية مبنية على الثقة بالنفس القوية، دون فقدان الضمير ، وتجاوز حدود الحشمة فى مواجهة المواقف الحياتية غير العادية. فمن المفيد أن تدع نفسك المكبوتة من وقت لآخر، لتذهب في نزهة على شكل ثقة بالنفس. هذه هي الطريقة التي نكشف بها جانبنا السري الخفي من الشخصية. فلعل تصادمنا بشجاعة مع شخص وقح ، هو درس نتعلم منه كيف نفهم أنفسنا بشكل أفضل وندرك كيف نكون أنفسنا بالمستقبل. ربما تساهم وقاحة الآخرين في نمونا الشخصي.
أخيرا، كيف يمكنك التعامل مع السلوك الوقح لبعض البشر؟
يميز علماء النفس الأساليب الوقائية فى ثلاثية الإجابة الصارمة، والتحكم فى النفس، والهدوء. أفضل طريقة لحماية نفسك من الوقاحة هي أن تكون قادرًا على الرفض. مع العلم أن الأفراد الوقحون لا يقبلون الرفض بسهولة. لذلك ، يجب على المرء أن يقول “لا” بحزم شديد. غالبًا يكون الوقح فظًا، ويحاول أن يستدرجك الى إهانته لفظيًا. لا يجب أن تفعل هذا ، لأنه سيفهم أنه قد حقق هدفه. من الضروري ضبط النفس قدر الإمكان وعدم الانهيار إلى مستواه المتدني. يجب أن تتذكر أنه من المستحيل تعليم أو إيذاء شخص وقح بكلمة جارحة. فقط التجاهل والرفض الشديد والهدوء. والمهم أيضًا أن تتذكر أن الحفاظ على صحتك، أكثر أهمية من هذا الشخص السيئ.
فى النهاية نقول أن الوقاحة تحني رأسها بإحترام أمام الحب والقوة والاحترام، ولكنها تقوي وتشتد أمام الضعف والخوف، والمهانة.
^^^^^
أرجو الاطلاع على المقالات السابقة من سلسلة أمراض إجتماعية بجريدة عالم الثقافة فى الروابط الآتية:
أمراض اجتماعية: الحسد وآلامه (1)
http://79j.713.mywebsitetransfer.com/?p=59111
^^^
أمراض اجتماعية: الكذب وأنواعه (2)
http://79j.713.mywebsitetransfer.com/?p=61191
^^^
أمراض اجتماعية: رهاب اللودوكسافوبيا (3)
http://79j.713.mywebsitetransfer.com/?p=64665