أجمل فتاة في نافذة الشقة المقابلة

د. أمجد ريان | شاعر وناقد مصري

تدور عقاربُ الساعة ببطءٍ

والأرضُ تدور حول نفسِها

والمجرّة أيضاً

والدوائر التى تدورُ لانهاية لها .

انظروا :

لقد صمموا النوافذَ متقابلةً

حتى ينظرَ الناسُ إلى بعضِهم

من داخلِ البيوت ،

فيشعرون بالاستئناس .

.

تقتربُ الساعةُ بنا من آخرِ النهار

آخرِ النهار بمعنى نهاية اليوم

وآخرِ النهار

بمكن أن تأتي

بمعنى آخرِ المسيرة البشرية

بعد كل هذه القرون

وأنا واقفٌ فى المنحنى

 أراقبُ الجدرانَ والاسقفَ

والتشطيباتِ الدقيقةَ

للواجهاتِ الخارجيّة للمبانى ،

والأشجار المتناثرة :

كلُّ شىءٍ يناسبُ الوجودَ الآدمى

المتغلغلَ داخل المدن .

وسوف تئزّ ساعةُ الحائط الخشبية

فى حركتِها البطيئةِ المتهادية

وقد زُخرفت بإطارٍ من الأرابيسك ،

مثل كل المنحوتاتِ الخشبيّة الأصيلة

والبندولُ

تحت الغطاءِ الزجاجىّ يتأرجحُ :

محدثاً “طقّةً” ذات اليمين ،

و”طقّةً” ذات اليسـار .

.

لقد توزعت المبانى التقليدية ،

وسادت الروحُ المعماريةُ الخاصة

وقد اختار الناسُ شكلَ المبانى ،

واختاروا موادَ البناء ،

وأماكنَ انتشارِ العمائرِ فى جغرافية واسعة

حيث تتوزّعُ المبانى

فى صفوفٍ منتظمة

وفى صفوفٍ عشوائيّة ،

وتسقطُ أشعةُ الشمسِ

كما لوكانت ستاراً يعانقُ المشهد .

كم الساعة ؟

كنتُ أنظرُ فى ساعةِ اليدِ

ذات الأستيك المعدنى الكابى

وأسألُ نفسى : كم مرّ من الوقت ؟

وكم مرّ من القرون ؟

وكم مرّ من الأحقابِ على هذا الكوكب :

لقد بنى الناس بيوتهم من الطوبِ العصرىِّ

وغطوه بالملاطِ والجبس

وطعّموا البواباتِ بالرخام ،

وانتشرت الأحواشُ والأفنية

وشكّلت الفراغاتُ جزءاً من التكوين ،

أو قد تكون أساس التكوين

.

هناك دائماً ولعُ الإنسانِ لمعرفةِ الوقت

وأنا أتسائل

لِم يهتمُّ الآدميون كلّ هذا الاهتمام

بالوقت ،

ولماذا كلُّ هذا القلق عند الانتظار

وعند الاستعدادِ لممارسةِ أىّ شىء . 

.

يمكن أن نشمَّ رائحةَ البيوتِ

من داخلِها وخارجِها

ورائحة الشوارعِ والطرقات : رائحة  العمران

والأزقة التى ازدحمت بالبيوتِ الشعبية

ويمكنُنا أن ندلفَ إلى داخلِ الحجراتِ

حيث الموبيليا الفقيرة ،

وإطارات فيها صورُ الأجداد والجَدّات

 فى ليالى الزفاف منذ خمسين عاماً .

وهاهى الشوارعُ تمتدُّ

فى شكلِ الخطوطِ التى تتوازى

أو تتعامد

أو تخترقُ الأسواق

أو تحيطُ بالبلوكِّ السكني  :

البلوكّ الذى تتوزعُ فى واجهتِهِ

الشرفاتُ المغطاةُ بحبالِ الغسيل

وفي الطرقات : شبابٌ ممتلئون بالفقـدانِ

يسيرون وراء الفتياتِ . 

بينما تضعُ النساء

“قصارى” الورودِ على حافةِ الشرفات ،

ويقفن أحياناً فى وقتِ الغروبِ

لتأمّلِ الأفق ،

ولاتلبثُ الثوانى أن تصبحَ دقائق ،

والدقائقُ تصبح ساعاتٍ ،

وأوقاتٍ ،

وأزمنةً ،

وأحقاباً سحيقةً موغلةً فى العمقِ والابتعاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى